في ظل الأوضاع المؤسفة التي تمر بها سورية، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية من الأسلحة الكيماوية ذريعة لضربها باتت التخوفات واضحة من تحويلها الى عراق جديد، فأحياناً يصرح الأمريكان بأنهم سوف يسلحوا المعارضة ويحاربون الإرهاب بكل وسائله وأشكاله، وأحياناً يقولوا بأن الحل العسكري ليس هو الخيار لحل الأزمة السورية، وأحياناً أخرى يشجعون على عقد مؤتمر جنيف، لكنهم يلعبون من تحت طاولة المفاوضات، من أجل انهيار سورية والقضاء عليها من السوريين أنفسهم حتى لا يخسرون أي جندي، كما حدث لهم في أفغانستان والعراق.
فالمتتبع لتصريحات الرئيس الأمريكي أوباما والمسؤولين في إدارته، يستطيع أن يرى بوضوح إنهم لا يملكون سياسة واضحة ورصينة تجاه الأحداث التي تجري في سورية، وهذا ناتج عن ضعف نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد أن كانت الموجه الأساسي لقرارات مجلس الأمن والفاعل المباشر في احتلال بعض الدول العربية والإسلامية، فضلاً عن خيبة أملها وفشلها في العديد من الدول والتي تحتاج الى وقت طويل حتى تتعافى من جراحها في هذه الدول.
إن الدول العربية في كل فترة تتعرض الى أزمات وتغيرات تهدف الى زعزعة واستقرار أمنها، فالمتتبع لتاريخ المنطقة يستطيع أن يرصد الأزمات المفتعلة، حيث جعلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية منطقة الشرق الأوسط منطقة تعيش الحروب والأزمات خاصة بسبب احتضانها للكيان الصهيوني وإمداده بكل أشكال الدعم المادي والاقتصادي والعسكري وتوفير الحماية السياسية والأمنية لهذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين العربية، والذي أصبح قاعدة تهديد وانطلاق نحو خلق الأزمات والعدوان على الأقطار العربية والتدخل بشؤونها الداخلية، والعمل على إجهاض أي مشروع نهضوي عربي.
مثلت الحالة العراقية مقدمة ثمار المشروع الصهيوني من خلال الاحتلال الأنجلو الأمريكي للعراق فدمروه وخربوه وقتلوا شبابه لا ذنب لهم سوى إنهم عرب عراقيون يملكون ثروة وفكراً وحدوياً وتحررياً وشردوا أهله وسرقوا خيراته ورهنوا مقدراته، وما زال عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلي بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد ذلك ضمن مخطط تقسيم الأقطار العربية التي وضعته الدول الاستعمارية، أما في ليبيا فنجح الأمريكان والصهاينة من تحويل المنطقة الى حرب عصابات، وتقسيمها الى مناطق عسكرية وجماعات مسلحة، وتسليح كل جماعة على حدا، وتونس فقد عملت على تحريك النزعة الطائفية وتعزيز مشاكل الفقر والتخلف بين أبناءه، فلتعزيز هدفها الأساسي في إضعافها وتجزئتها.
أما في فلسطين فحدث ولا حرج حيث تعبت الأقلام عن الكتابة لكثرة تدوين الأحداث والجرائم التي ارتكبت في فلسطين ومنذ قرن من الزمان حيث تم إبادة شعب كامل وطرده خارج وطنه وتمت سرقته على مرأى من هذا العالم.
وما تشهده اليوم مصر العروبة من حرب عدوانية وتفكيك وتقسيم وإضعاف عن طريق تدمير مقدراتها وإضعاف مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية وزعزعة استقرارها وتعميق الشرخ الطائفي والمذهبي وإشعال حرب طاحنة بين أبناء الشعب الواحد ، إذ يعرف الغرب والقوى الإقليمية بما فيها إسرائيل أهمية مصر وصعوبة تنفيذ ذلك المخطط لذلك يجري الدخول للمجال المصري من بوابة الصراع الديني ثم محاولة استنزاف الجيش المصري القوي والمتماسك، ولن يكون فيها منتصر سوى أعداء الوطن الذين يطمحون في إيصال مصر الى الدمار والخراب كما فعلوا في دول عربية شقيقة من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.
إن التاريخ يعيد نفسه عندما يطرح اليوم وتجري على الأرض مؤامرة جذورها قديمة بتقسيم جديد لكل قطر عربي على أساس عرقي وطائفي، من أجل إضعاف الدول واستنزاف جيوشها، ومن هنا فإن الدول الاستعمارية تسعى لتحقيق سايكس بيكو جديد، أساسه تقسيم كل دولة عربية كبيرة الى عدة دول وهذا الهدف يجري عليه من خلال منع ظهور أي قوة إقليمية على أساس عربي إسلامي وإفراغ العروبة من محتواها الفكري والسياسي والاقتصادي وتصفية ما تبقى من بيت العرب من موروثات عالقة على غرار التضامن العربي أو العمل العربي المشترك.
وبالتالي ما سعت إليه إسرائيل وغيرها من الدول الاستعمارية هو تعزيز الفرقة والتشتت بين الأقطار العربية وعلى الأخص سورية ومصر، من أجل أن لا تقوم قائمة للعرب، وهذا ما يخطط لسورية ومصر حالياً من خلال زعزعة استقرارهما وخلق مناخ يسوده التوتر والاحتقان، وبذلك يعتبر الكيان الصهيوني أكبر تحد يواجه الأمة العربية، فهو ليس اغتصاباً للوطن، بل هو آداه تقطيع لأوصال الوطن العربي وتخريب مستمر لكل طموحاته القومية وتدمير برامج التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية لأنه إفناء مقومات الوجود العربي من خلال التوسع والعدوانية وامتلاكها للقدرة النووية والسيطرة الكاملة على المنطقة العربية ، كما أن الوجود الإسرائيلي يشكل تهديداً للوجود العربي لأن كل مشاكل هذه الأمة تنبع من مشكلة وجوده الذي يعني استمرار التمزق العربي والاختلال بالأمن فيها.
وعليه ما تشهده سورية هذه الأيام من قبل الدول الاستعمارية يأتي ضمن خلق الأزمات والمشكلات والتدخل السافر بكل اشكاله لإضعافها وشل قدرتها على مواجهة المشاريع الامبريالية والصهيونية وفتح الطريق لتنفيذ مصالحها وأطماعها في المنطقة.
إن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية لإن سياسة الصهيوأمريكية لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها، وإظهار محاولات تعاطف كاذبة مع متطلبات الشعوب العربية للإصلاح وتحقيق الديمقراطية، فالظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية التي اتبعت سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات و المشاريع سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الازمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد.
إن الدول الغربية لا تتدخل في الشئون الداخلية الخاصة بالدول العربية من اجل عيون العرب، وإنما للقضاء على قوة هذه الشعوب لمصلحة إسرائيل، وأن التدخل الأمريكي أو الغربي عسكرياً في سورية لن ينتج إلا الفوضى التي انتهجتها في كل مكان حل فيه، وأن سياسة التخبط والتردد التي اتبعتها الولايات المتحدة الامريكية فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلا ل توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به واشنطن ومحاصرة كل مغامرة تؤدي الى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي.
ما حدث ويحدث للعالم العربي ليس من قبيل الصدفة بل هو نتيجة مخطط استعماري صهيوني حتى تكون إسرائيل هي السيد المطاع في الشرق الأوسط فضلاً عن حماية أمنها في المنطقة، عن طريق تدخل الغرب في الشؤون الداخلية في مصر أو عن طريق تنفيذ سيناريو سورية المعد مسبقاً لتقسيمها وحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية.
واختم مقالتي بالقول إن هدف الولايات المتحدة الامريكية هو إبادة الشعب السوري لصالح إسرائيل ، فالآن إسرائيل تخطط وامريكا تنفذ، لذا يجب علينا أن نستيقظ ونحفر الصخر بأظافرنا دفاعاً عن أنفسنا حتى لا يجرفنا الطوفان القادم، ولا بد أمام هذا الواقع من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الاستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل والسيطرة على مقدرات البلاد، ويجب إدراك المصلحة الحقيقة للامة العربية وعزل الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل من أن تكون اللاعب الرئيسي أو الفرعي في تقرير مصير الصراع ومآلاته.
ملينا من هذه الشماعة التي تعلقون عليها كل فشل تصادفونه فسابقا كل ما صار شي تهللون " الاستعمار و الامبريالية و...." و الان "اسرائيل و الصهيونية و الماسونية و ..." الناس قرفت و صارت بالنكاية توافق على اي شيء