syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
ما هي سيناريوهات العلاقات الإيرانية الخليجية بعد التقارب الأمريكي الإيراني؟... بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

سهرت الكثير من العواصم العربية طوال الأيام السابقة سياسياً ودبلوماسياً وهي تحاول تفكيك وقراءة نتائج التقارب المربك بين كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني مما جعل التفاصيل مداراً لنقاشات بارزة ومهمة في مستويات القرار الخليجي، إذ تم التركيز على جزئية الاتصال الهاتفي الذي تلقاه السفير الإيراني في الأمم المتحدة ليفاجئ بأن الرئيس أوباما على الخط ويطالب بالتحدث مع الرئيس روحاني.


رفضت دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على حساب مصالحها، وقال الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية في تصريح صحافي عقب القمة التشاورية الحادية عشرة التي عقدت في الرياض رداً على سؤال عن موقف دول الخليج من التقارب الإيراني الأمريكي    "نحن نؤمن بالحوار ...إلا أننا نأمل أن أي حوار بين الدول ألا يكون على حساب مصالح دول مجلس التعاون الخليجي   "، وأضاف    "أن هناك تحرك أمريكي إيجابي نحو إيران نأمل ألا يكون على حساب الأمة العربية ومصالحها وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي   ".

 

وأوضح    "هناك تهديد استراتيجي وتهديد عسكري لدول الخليج، مشدداً على معارضة “أي برنامج نووي خارج نطاق المعايير التي أكدت عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأننا نؤمن بألا يؤدي هذا البرنامج الإيراني إلى اهتزاز   ".

 

وقال المحلل السياسي المقرب من الدوائر السياسية السعودية عبد العزيز بن صقر لوكالة فرانس برس، إن دول الخليج لديها مخاوف وهواجس، بعد هذا التطور في سير العلاقات السياسية بين واشنطن وإيران، وفي الواقع، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الست ترى بحسب الصقر أن أي تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران، يمكن أن يساهم في استقرار وأمن المنطقة   "، إلا أن هذه الدول لديها تحفظات في خصوص سرية المحادثات ونوعية التنازلات.

 

هذا وتتهم دول الخليج إيران بدعم الاحتجاجات التي يقودها مواطنون شيعة في شرق السعودية والبحرين واليمن، إذ أن التقارب الأمريكي الإيراني يأتي وسط حالة انعدام الثقة بين الطرفين الخليجي والأمريكي على خلفية الحرب في سورية، كون أن دول الخليج كانت تفضل تدخلاً عسكرياً ضد نظام الأسد، وقال الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد ملخصاً الانزعاج الخليجي    " كنا ننتظر الضربة التأديبية التي وعد بها أوباما ضد نظام الأسد، لكن أوباما بدلاً من ذلك ضرب حلفاؤه بمكالمة غزل سياسي أجراها مع حليف الأسد   ".

 

كما اعتبرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية في تحليلها إن ملامح التحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران قد تؤدي بالضرورة الى تقارب خليجي واسرائيلي مؤكدة إنه بالإضافة الى تل أبيب فإن دول خليجية تخشى من صفقة أمريكية إيرانية تكون على حساب مصالحها والتي ستؤدي الى تضعيف الدور العربي في المنطقة، وذكرت الصحيفة إنه في الوقت الذي كان يلتقي فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظيره الايراني محمد  جواد ظريف على هامش اجتماعات الامم المتحدة، جرت مباحثات متشابهة بين دبلوماسيين اسرائيليين ونظرائهم في عدد من الدول الخليجية والعربية. 

 

ولإن السياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح وجدت الولايات المتحدة الأمريكية إن مصلحتها تكمن في التوافق مع إيران وإن اتخاذ مواقف أي عدائية معها لا يحقق الأهداف والمصالح الأمريكية، وهذا ناتج عن كون إيران دولة لها مكانتها الدولية ولاعب استراتيجي أساسي في منطقة الشرق الاوسط والخليج.

 

إن الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين يعتقدون بأن انقطاع العلاقات الإيرانية الامريكية منذ أكثر من ثلاثين عاماً خدم الدول العربية كثيراً إذ أخذت السعودية مثلاً مكان نظام الشاه الإيراني الذي كان شرطي المنطقة ويشتري الأسلحة الأمريكية ويخزنها في البلاد وهذا ما تفعله السعودية اليوم، ومن جهة أخرى استفادت الإمارات العربية المتحدة من الحصار الغربي لإيران وأصبحت منطقة تجارية دولية وبوابة العالم الاقتصادية على إيران.

 

ومن هذا المنطلق ترى بعض الدول العربية في أن استمرار القطيعة بين إيران وأمريكا مصلحة استراتيجية مهمة ولكن بالمقابل من وجهة نظر المحللين فإن هذه القطيعة لتصورات هذه الدول لن تدوم وستعود العلاقات بين إيران وأمريكا، وعندئذ ستخسر معظم الدول العربية الكثير بما فعلته في الماضي من استعداء لإيران والوقوف الى جانب الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية ضدها.

 

إن اللقاءات الرسمية العلنية التي شهدتها نيويورك بين وزراء خارجية الدولتين أعطت رسالة واضحة وصريحة أن التقارب سوف يعطي نتيجة قريبة قد تخرج إيران من عزلتها مع الغرب وتعيدها الى ساحات الدبلوماسية كما كانت في السابق.

 

كما أن ردود أفعال الجانب الأمريكي مع إيران تبدو مرحبة بفكرة التقارب معها لأسباب كثيرة منها، إن التقارب الأمريكي مع ايران يمثل فرصة جديدة لأمريكا في ابتزاز الدول الخليجية بشكل أكبر لصالح أجندتها لا سيما وان دول الخليج لا تمتلك أوراق ضغط كثيرة على امريكا سوى ورقة النفط، وهي ورقة تعتبر محروقة حالياً كون ايران تمثل هي وحليفتها العراق مصدراً مهماً للطاقة في المنطقة، إذ تستطيع الولايات المتحدة خلالهما الاستغناء عن حاجتها النفطية من دول الخليج، بل إن أمريكا بتقاربها من ايران سوف تجر دول الخليج على تقديم المزيد من التنازلات السياسية لها للإبقاء على مستوى علاقاتها مع أمريكا على نفس الوتيرة السابقة، مما قد ينتج عنها توترات جديدة في العلاقة بين الطرف الإيراني والخليجي بسبب المنافسة المحتملة بين الطرفين للتقرب من أمريكا قد تتعدى آثارها النواحي السياسية لتصب في موضوع تأجيج الصراع  الطائفي في المنطقة وإثارته بشكل أسرع وأقوى وهذا ما يصب في صالح السياسة الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة، كما ان التقارب الأمريكي الايراني سيسهم في فتح قنوات دبلوماسية مع ايران تجاه الأزمة السورية والمنطقة بأكملها.

 

ومما سبق أرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للعلاقات الايرانية الخليجية تتراوح بين الصراع والتهدئة، وهي متداخلة ومتشابكة الى حد بعيد، بناءاً على مدى تأثرها بمتغيرات البيئة العربية والاقليمية والدولية وتتمثل بالآتي:

 

السيناريو الأول :

 تعاوني وتوافقي، سيعزز العلاقات بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل الخلافات والمشاكل العالقة بينهما، وفي هذا السيناريو ستعمل ايران الى تهدئة الأقلية الشيعية في الدول الخليجية، مع إمكانية الوصول الى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث عبر التحكيم الدولي أو أي حل آخر يرضى به الطرفين، فضلاً عن تطوير التبادل التجاري والاقتصادي والاستثماري بين طهران ودول الخليج مما سيؤدي الى معالجة وحل المشكلة الاقتصادية الايرانية، وربما ستقوم دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران إذا استطاعت أن تقدم المزيد من التنازلات في برنامجها النووي.

السيناريو الثاني:

 استمرار الفتور في العلاقات الايرانية الخليجية، وبالتالي سيغلب الاتجاه الصراعي القائم حالياً، إذ أن هذا السيناريو مرتبط باستمرار حالة الخلل في التوزان على كافة المستويات الاقليمية والدولية، وستدخل إيران في مواجهة ليس مع الدول العربية فقط وإنما مع الدول الخليجية أيضاً.

السيناريو الثالث:

هو وسطي يقع بين السيناريوهين السابقين، فقد يكون تعاونياً أحياناً وصراعياً أحياناً أخرى، وفي ظل هذا السيناريو ستكون العلاقة بينهما قائمة على الشك والريبة ويميل الى التهدئة في أغلب الأحيان، وفي إطار ذلك إن النهوض بمستوى العلاقات الايرانية الخليجية يتطلب العمل الجاد والحد من العوامل التي تؤدي الى التنافر والصراع بين البلدين.

 

 إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين الى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات الايرانية الخليجية في ضوء المعطيات الراهنة للوصل الى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الاقليمية والدولية اللذان تتعرضان لهما في ظل هذه التحديات.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، كيف تفكر طهران، وما هي رؤية الدول الخليجية للتقارب الأمريكي الايراني وما هو تداعياته على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية وجاراتها بشكل خاص؟

 

إن أي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الايرانية لا بد له أن ينعكس إيجابياً على السلم في منطقة الخليج بالذات لقرب المنشآت الايرانية من المنطقة، فضلاً عن إنه ربما قد يؤدي التقارب الامريكي الايراني الى انفراج على الساحة السورية يخفف معاناة الشعب السوري ويحل الازمة العالقة والتي لم تستطيع الجهود السعودية حسمها رغم كل المبادرات والتمويل للأطراف المتنازعة على سورية.، فالتفاهم الروسي الأمريكي الذي تلاه التقارب الامريكي الايراني أثبت عدم قدرة السعودية الدبلوماسية الدولية التي تبدو وحيدة في دور المراقب المتوجس من تطور الأحداث في المنطقة وغير قادرة على تحويل النتائج لصالحها.

 

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من إيران والدول العربية وعلى الاخص الخليجية منها وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات متينة وإيجابية وثابتة ومستقرة مع جارتهم الكبرى إيران. وعلى الادارة الأمريكية التي تعيش في حالة من الحيرة والتردد في التعاطي مع إيران إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً وتقنياً، وكما لجأت أمريكا الى لغة الحوار مع إيران فمن المناسب ان تلجأ دول الخليج الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها، ولا بد للدول العربية أن تعالج سياساتها الخاطئة قبل السعي لإقامة علاقات مع اسرائيل نتيجة استياءها للتقارب الايراني الامريكي التي أدت الى قتل أي مشروع نهضوي عربي.

 

2013-10-14
التعليقات