نساء، رجال وأطفال، جميعنا نبكي، معبّرين عن مشاعر الفرح والحزن. سواء أكانت
المشاعر سلبية أو إيجابية، النتيجة واحدة دموع تنهمر من العيون لتقول حكايات كثيرة.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة بنظر علماء الاجتماع والنفس والأنتروبولوجيا والمؤرخين
الذين ما زالوا يحاولون حلّ لغز هذه الآلية الفيزيولوجية والنفسية للدموع، لما تحمل
من ثقافة وفوائد نفسية وجسدية.
للدموع والبكاء ثقافة خاصة وتقاليد
في أسطورة الخلق البابلية، ذكر لاحتفالات رأس السنة الجديدة، التي تقام سنويًا في
موسم الربيع، حيث يؤخذ الإله بل ـ مردخ أو تموز أسيرًا الى العالم السفلي ويحتجز
هناك إلى أن تحرّره عشتار من الأسر بعد أيام من البكاء والنحيب وترتيل المراثي
الحزينة. ويُنظر إلى هذا بانتصار الإله على قوى الشرّ والظلام.
وفي يونان سقراط وأفلاطون، الدموع لا تليق بالفيلسوف، فسقراط وقبل لحظات من تناوله
السمّ، أمر زوجته المنتحبة بالعودة إلى المنزل وأمر أتباعه ومحبيه بالسيطرة على
ذواتهم رافضأ مواقف الحزن والنواح في لحظات كان يودها هادئة لمتابعة مناقشة مسألتي
الحياة والموت.
أما عند العرب فقد احتل البكاء منزلة كبيرة في الشعر العربي، إذ بكى الشعراء لوعة
الحب والفراق واشتهروا بالبكاء على الأطلال.
ولدى قبيلة تويجا الصينية يدخل البكاء في عادات وتقاليد الزواج إذ تبدأ الاحتفالات
قبل شهر من موعد الزفاف حيث يتعيّن على أسرة العروس البكاء إلى أن تتعالى النغمات
الحزينة وتنهمر الدموع يوم الزفاف.
وفي نفس تقاليد الزواج نشهد بكاء العروس في ليلة الحناء في التقاليد التركية حيث
ترتدي العروس الفستان الأحمر وهي محجوبة الوجه وتبدأ النسوة بالغناء الحزين وهنّ
يدرن حول العروس إلى أن تنهمر دموعها.
أما لدى شعوب الماووري في نيوزيلندا، فتقاليد خاصة متبعة تفرض على الأصدقاء، بعد
لقائهم بعد سنوات من الانفصال، الجلوس والمباشرة بالبكاء حزنًا على السنوات التي
أضاعوها في غربة عن بعضهم، ثم فرحًا باللقاء من جديد، ومن ثم ينتقلون للبكاء
احترامًا لرمزية ثقافية خاصة تدعوهم إلى تذكر أحبائهم الذين غابوا.
وأخيرًا، في البلدان الأنجلو ساكسونية من الضروري عدم ظهور الدمع. فجاكلين كينيدي،
ورغم ما عصف بها من الألم نتيجة اغتيال زوجها، استطاعت حبس دموعها، ما جعل منها
بطلة أسطورية في الولايات المتحدة.
فوائد البكاء :
فيزيولوجيًا: يوجه البكاء رسالة استغاثة إلى الجهاز العصبي كله فيستجيب ارتياحًا.
ففي إحدى الدراسات تمّ قياس حالات مختلفة يمرّ بها الجسم كالتوتر والقلق الذي
تتبلور عوارضه بحالة عامة من التململ والانزعاج، وحالات انقباض العضلات أو
استرخائها وحال الأنسجة وشرايين الدم وكذلك نبض القلب، فتبيّن أن نسبة التوتر ترتفع
مع تصاعد حدة المشكلة أو المأزق كعامل محفّز، فإما أن ينفجرالفرد كالبركان في حالة
من الغضب الشديد أو تنفجر شلالات الدموع مولّدة الراحة المنشودة.
نفسيًا: إن بعض الأحداث التي توتر الجهاز النفسي كخسارة شخص عزيز أو الانفصال أو
الأخبار السيئة أو خيبات الأمل تولد سيلاً على مستوى hypothalamus
أو منطقة ما تحت المهاد المسؤولة عن التفاعل العاطفي الجسدي من جهة، والمخ الشمي
المسؤول عن حالات التأثر من جهة أخرى، ما يؤدي، على المستوى البدني، إلى إطلاق
هورمونات التوتر والتشجنات المعوية والعضلية فيشعر الفرد بصعوبة في التنفس وبغصة في
الحلق.
لذلك فالبكاء يخفف الضغط والاحتقان العاطفي بكل أشكاله، ويخفف الآلام النفسية
والجسدية في نفس الوقت، إذ إن الدموع التي تفيض من العيون تحمل معها إلى الخارج كل
الآلام والمعاناة والمكبوتات، وتسبب الراحة فيشعر الفرد بأنه أكثر إيجابية عمّا كان
عليه. وهذا ما أكدت عليه الدراسات التي أظهرت أن البكاء مفيد للصحة النفسية
والعاطفية لأنه سلوك حماية ذاتية للنفس البشرية، يفرج الهموم ويلطّفها بنسبة 85٪
عند النساء و73 ٪ عند الرجال. وتفسير ذلك أن الجهاز العصبي مسؤول عن إعادة الهدوء
إلى الجسم بعد تراكم التوتر فيقوم الجهاز اللاإرادي أو الباراسبمتاوي بإفراز الدموع
فيشعر الفرد بالراحة، لذلك فمن الخطأ أن نكبت رغبتنا في البكاء إذا ما واجهتنا ظروف
تستدعي ذلك.
لذلك ينصح د. Alexander Lowen مؤسس العلاج
بالطاقة الحيوية بالبكاء لأن الدموع تؤمن للفرد القدرة على تحقيق التوازن النفسي
لكونها تساعد على إطلاق الطاقة الحيوية، أي أن البكاء يحرّر الجسم من التوتر فيجنّب
الفردالوقوع في القلق والاكتئاب.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews