بعد ثلاث سنوات تقريباً على اندلاع الحرب الأهلية في سورية ، تحقق الكثير من التنبؤات المؤلمة حول هذه الحرب . فهي لم تنتشر في جميع ارجاء البلاد فحسب ، بل وأدت إلى مقتل اكثر من 130 ألف من السكان ، وإلى إجبار أكثر من 9 مليون منهم على مغادرة بيوتهم وها هي الآن تنتشر على نحو متزايد في جميع أنحاء المنطقة ، وتهدد استقرار البلدان المجاورة ، وتستقطب المقاتلين ، أو المدعين بذلك ، وبعضهم من الولايات المتحدة .
لقد أصبحت الحرب مُعقّدة للغاية الأمر الذي يزيد من حدة التنافس المرير بين السعودية وإيران اللتان تدعمان طرفي النزاع . وليس هناك أي مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى لديها التأثير للوصول بهذه الحرب إلى نهايتها . كما أن آفاق مؤتمر السلام المقرر عقده في سويسرا في الأسبوع المقبل ليس مشجعاً . إن مجرد حمل الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لن يكون كافياً بحد ذاته ، ولكن حتى هذا الأمر يبدو موضع شك .
إحدى التطورات الداعية للقلق هي مدى تمكن المجموعات المسلحة الإسلامية ، والمرتبطة بتنظيم القاعدة الأفضل تسليحاً وتدريباً ، من الهيمنة في ساحات القتال على مجموعات المعارضة الأكثر اعتدالاً ، والمجموعات الأخرى العلمانية والمرتبطة بالغرب . لقد ابتليت المعارضة منذ وقت طويل بالانقسام وكانت الولايات المتحدة بطيئة في تقديم المعدات والتدريب لها لأسباب منها مشكلة التأكد من الوُجهة النهائية لهذه المساعدات .
ومنذ بداية الشهر الجاري ، يتعرض تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام المعـروف بـ داعش ، والتي تعتبرها المجموعات المسلحة الأخرى بأنها تنظيم متطرف للغاية ، إلى الهجوم من قبل بعض حلفائها السابقين ومنها تنظيمات مرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة ، والجبهة الإسلامية ، وهي تحالف يضم مقاتلين إسلاميين كانوا مرتبطين بالجيش الحر الذي تدعمه الولايات المتحدة . لقد أثارت داعش غضب هذه المجموعات بسبب عزمها انشاء خلافة إسلامية تمتد من سورية وحتى العراق ، وبسبب حملتها لفرض هيمنتها على باقي مجموعات المعارضة الأخرى عن طريق ارتكاب الأعمال الوحشية في المناطق التي تسيطرعليها المعارضة ، ومصادرة أسلحتها واعتقال المئات من السوريين ، وإعدام من تقول عنهم بأنهم خالفوا أحكام الشريعة .
وتفيد التقارير الصحفية أن هذا القتال قد أرغم داعش على التخلي عن بعض قواعدها والبلدات التي تسيطر عليها ، وسيكون أمراً جيداً إذا كانت مجموعات المتطرفين تتعرض حقاً للهزيمة في هذا القتال . لقد علّقت الولايات المتحدة خلال شهر كانون الأول الماضي ارسال المساعدات غير الفتاكة مثل سيارات الشحن وحصص الطعام إلى مجموعات المعتدلين في المعارضة بعد تمكن الجبهة الاسلامية من السيطرة على مستودعات تضم الكثير من المعدات والأسلحة ـ تدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية برنامج سري مستقل خاص بها لتسليح وتدريب مجموعات المعارضة .
ويقوم المسؤولون الأمريكيون الآن بإعادة النظر في مسألة استئناف تقديم المساعدات غير الفتاكة التي تديرها الخارجية الأمريكية بعد قيام بعض الإسلاميين بالقتال إلى جانب الجيش الحرضد داعش ، وقيام الجبهة الاسلامية بإعادة المستودعات وبعض محتوياتها . إن تقديم مثل هذه المساعدات يُمكن أن يُعزز من قوة المعتدلين ويُشجعهم على حضور محادثات السلام . كما ويُمكن بذلك أيضاً طمأنة السعوديين الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تلعب دوراً أكبر في سورية ، ويخشون من أن التحركات الأمريكية تجاه التعاون مع إيران ، وخاصة تخفيف العقوبات عليها كجزء من الاتفاق النووي المؤقت ، سوف تدفع قدماً صعود إيران كقوة إقليمية .
هناك خطر أن المساعدات الأمريكية يُمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية على غرار ما جرى في الثمانينيات عندما ساعد الدعم المقدم للمقاتلين المجاهدين ضد السوفييت في افغانستان بعد عدة سنوات على خلق أرضية خصبة للحركات الارهابية . ولكن المخاطرة هنا ربما تكون تستحق كل هذا العناء . فالمتطرفون السوريون ، كما يقول كبار المسؤولين الأمريكيين يُحاولون بالفعل منذ زمن تجنيد وتدريب بعض الأمريكيين وغيرهم من الغربيين لتنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة .
إن التوصل إلى حل تفاوضي لا يزال يُمثل أفضل حل للحرب في سورية ، ولكن لا توجد لغاية الآن أي دلائل على أن الحكومة السورية والمعارضة مستعدون للتوصل إلى اتفاق . لقد اجتمعت عدة مجموعات من المعارضة في اسبانيا يوم الجمعة الماضي ولكنها لم تتمكن حتى من مجرد الاتفاق على مسألة حضور أو عدم حضور مؤتمر جنيف في الأسبوع المقبل . ويُمكن لإيران أن تقطع شوطاً طويلاً نحو إقناع العالم باستعدادها للعب دور دولي بنّاء في سورية ، ولكن ليس هناك علامة على ذلك ، كما ويبدو أن إيران لن تحضر مؤتمر السلام في جنيف هذا على افتراض أن المؤتمر سيُعقد فعلاً .