وقع نظري وأنا في طريقي إلى جامعة دمشق على كتاب مرمي بين مجموعات الكتب القديمة المنشورة على جانبي الرصيف عنوانه الاستعمار والمذاهب الاستعمارية للصف الثالث الثانوي من منشورات مديرية الكتب المدرسية عام 1963-1964 لكاتبه الدكتور محمد عوض محمد وهو الطبعة السادسة التي قدمها المؤلف على أنها تمت عام 1961 في القاهرة.
اشتريت الكتاب بثمن زهيد جداً وبدأت أقلب صفحاته لأغرق في محتواه الجميل الذي بدأ بعنوان "عالم نصفه عبد ونصفه حر " يقول فيه الكاتب: عالمنا اليوم مقسوم إلى قسمين مالك ومملوك، والمالكون فئة صغيرة من سكان هذا الكوكب، والمملوكون أقطار واسعة فسيحة، وشعوب كبيرة العدد، متنوعة الأجناس والألوان، ومهما حاولنا أن نلطف هذه الظاهرة فلن نستطيع أن نصفها إلا أنها استعباد سياسي، فالشعب المالك يتمتع بحريته ويسير وفق إرادته، والمملوك مسير لامخير، ليس له من الإرادة في تصريف أمره وتكييف مجرى حياته إلا بمقدار مايسمح له سيده المالك المهيمن، لذلك نرى شهوة الاستعمار تسمم العلاقات الدولية وتوغر صدور الأمم وتوقد نيران حروب تلتهم الأخضر واليابس، وتزداد فتكاً وتخريباً على مدى الأجيال، والاستعمار أفسد الأخلاق السياسية، وانحط بها إلى الدرك الأسفل من الكذب والرياء والتضليل، وإخلاف العهود، والحنث بالمواثيق.
تناول الكتاب في فصوله المتعددة المسرح الجديد للسياسة الدولية من حيث عدد السكان والمساحة والثقافة ومستوى المعيشة، وامتلاك المستعمرات، والتفوق الاقتصادي والحربي، لينتقل بعدها إلى الحديث عن الاستعمار قديماً وحديثاً، موضحاً معنى الاستعمار وأسبابه، ونفقاته، وإفساده للحياة الدولية، مفرقاً بعدها بين الانتداب والوصاية والاستعمار، ليشرح مبادئ الاستعمار العسكري من خلال أمثلة عدة كحرب الأفيون التي لايمكن للقارئ أن يتصور أن دولة من الدول تسخر جيوشها وأساطيلها وتشن حرباً تدوم عدة سنوات على بلاد آمنة مطمئنة لكي ترغم سكانها وحكوماتها على قبول الأفيون كسلعة تجارية مشروعة من أجل ما يجنيه تجارها من الأرباح الطائلة وما يحصلونه من الثروات الضخمة من المتاجرة في هذه السموم، لكن هذا ماحدث فعلاً في حربين عظيمتين شنتهما بريطانيا العظمى على بلاد الصين مابين عام 1840 وعام 1860. أما المثال الآخر الذي أورده الكتاب فهو وحشية الاستعمار في أمرتسال الهندية عام 1919 التي قضى فيها أربعمائة شخص في مجزرة بشعة واحدة.
أما المثال الحي الثالث الذي ذكره الكاتب فهو الاستعمار الصهيوني الذي تمكن من إقامة دولة صهيونية في قلب الوطن العربي كنوع جديد من الاستعمار ليصبح أكبر خطر يهدد العالم العربي، ليصل في ختام كتابه إلى أضخم مؤامرة تعرضت لها الأمة العربية في ذلك الوقت من خلال العدوان الثلاثي على مصر الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسراثيل، ففند أسرارها وشرح عواقبها، لينهي كتابه بأن شهوة الاستعمار لاتزال تحرك النفوس، وتتسلط على العقول، وأن من واجبنا أن نظل في يقظة دائمة، وأن نضاعف من قوتنا واستعدادنا، لأن غفلة الشعوب أكبر محرض على العدوان.
رميت الكتاب جانباً وتحسرت وأنا أتذكر أن أول كلمة قالها الله لرسوله كانت: إقرأ.
جزاك الله خيرا على مقالتك ولكن بعد القراءة علينا واجب التبليغ ثم واجب التنفيذ بالعمل الصالح مع كل الشكر
احسنت يا دكتور فبعد القراءة نطبق بالعمل الصالح ولكم الشكر