لم يعلم الفلسطينيون أو الشعوب العربية والإسلامية أن قضيتهم المركزية الأولى وهي القضية الفلسطينية سيأتي عليها اليوم لتدخل طي النسيان، على الرغم من كل المؤامرات التي تحاك لفلسطين المحتلة، ولم تتحقق الأمنيات والأحلام التي داعبت وجدان الأمة العربية في تحرير الأرض التي اغتصبها الكيان الصهيوني، فقد تراجعت هذه القضية في جدول الإهتمامات، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الإعلامي، حيث أصبحت تحتل أخبار التطورات في سوريا ومصر وليبيا وتونس وغيرها واجهة المشهد، وهو ما منح مساحة واسعة لقادة إسرائيل ومن خلفهم الراعي الأمريكي للفكاك من كل التعهدات، والذهاب بعيداً إلى فرض شروط لبدء عملية السلام من جديد بعد أن كان المطلب الإسرائيلي الأول هو بدء المفاوضات بلا شروط مسبقة.
في ظل التحولات التي تشهدها الساحة العربية، تأتي القضية الفلسطينية بمثابة الحاضرة الغائبة عن الأجندة السياسية لمعظم تلك الدول التي إهتمت بالأمور الداخلية، ربما تكون سورية والقضية الفلسطينية من أكثر الجوانب التي غابت أو غيبت عن الإعلام تحت مسميات وذرائع تتكون تبعاً للظروف والمعطيات، لكون سورية والقضية ليست مجرد تحالف بين قوى أو موقف وإنما حكاية ألفها السوريون على إمتداد عقود من الزمن حتى صارت جزء من وجدانهم وضميرهم الجمعي وتحولت في الكثير من أبجدياتهم ومسلمات أحاديثهم الى لغة يجمعون عليها بمختلف رؤاهم وإتجاهاتهم، لذلك كانت قضية فلسطين هي الهاجس الذي ظل يمثل فكر الشباب العربي في سورية وخارجها.
فالشعوب العربية اليوم تعيش حالة من الإنقسام نتيجة خلق حالة من اللاستقرار السياسي والمادي لأن سياسة الصهيو أمريكية لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية حتى كادت صورة العالم العربي تكتسي بالسواد بين تمزيق وتقسيم، وفتنة طائفية وصراعات دينية، بين شغب وثورة ضد الفساد والظلم، حتى أصبح العالم العربي هو الساحة الوحيدة لتطبيق الشرعية الدولية الجديدة بعد أن فقد أهمية لاعبيه حتى في قضاياه القومية، فاستبيح الوطن العربي، وتم تفكيك المواقف العربية بحيث لم يعد هناك قضية قومية واحدة، على عكس ما كان العالم العربي يشيد حتى ثمانينات القرن الماضي إنه جسد واح تنتفض كل أعضائه إذا مس عضو فيها، وإنشغل كل وطن بعلاقاته ومصالحه الفردية، فتراجعت الروح الجماعية، وإزدهرت العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية.
فى الوقت الذي تتصاعد وتيرة التوتر فى المنطقة العربية بسبب تطورات الأوضاع بدول الربيع العربي، تمضي إسرائيل فى تكثيف ممارساتها القمعية وتنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تحويل دفة الصراع إلى جهة تكريس الدولة اليهودية، وذلك بفرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن التعامل معها بشكل دبلوماسى، خاصة فى ظل مؤشرات عودة المفاوضات عديمة الجدوى برعاية أمريكية.
وفي هذا السياق تعتبر خطة كيري تصفية للقضية الفلسطينية، لأننا ندرك تماماً بأنها لن تجلب إلا الضعف والخزي للأمة العربية، ولن تصب إلا في مصلحة الغرب والكيان الصهيوني من خلال تسويق مشاريع ستعمل على هدم الدولة الفلسطينية، وإلغاء للقضية الفلسطينية وحق العودة، بحيث تقام دولة فلسطينية بلا سيادة، إضافة إلى الإعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، والذي سيقضي على الوجود العربي الفلسطيني وحقوقهم المشروعة.
وفي سياق متصل يبدو أن قادة إسرائيل الذين ينفذون مخططاً ثلاثي الأبعاد يقوم على تهويد القدس وتوسيع بؤر الإستيطان وكسر الإرادة الفلسطينية، قد عقدوا العزم على تسريع خطى ذلك المخطط الاستعماري، فى ظل حالة إنعدام الوزن التي تمر بها القوى التقليدية العربية ذات التأثير التاريخي فى مسار القضية الفلسطينية، الهادف على السيطرة الكاملة علي مدينة القدس، من خلال مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات، وتطويق التجمعات السكنية الفلسطينية، وإبقاء فلسطينيي مدينة القدس وضواحيها في حالة خوف ورعب معزولين عن شعبهم ووطنهم من خلال الإعتداءات المتكررة عليهم من جانب المستوطنين المسلحين، إلي جانب عزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب والشرق, وتشويه النمط المعماري للقدس العتيقة والقري الفلسطينية المحيطة، لنزع الطابع العربي الإسلامي عنها وتغيير معالمها الديموغرافية.
إن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة لدولة فلسطين هي الثمن الذي تريد تقديمه كحافز للكيان الاسرائيلي، ثمناً للمساومات الإقليمية والدولية، مستغلة في ذلك ضعف القيادة الرسمية والصراع بين الفصائل الفلسطينية، ومستخدمة كل أشكال الإنقسام والفوضى السياسية بصنيعة أمريكية وإسرائيلية وبمساعدة دول عربية، كي يمرروا مشروعاً هو الأكثر خطورة على القضية الفلسطينية من كل المشاريع السابقة
وبالرغم من حالة الضعف التي تستغل الآن من قبل الولايات المتحدة وحليفها الكيان الصهيوني، من أجل الإلتفاف على الحق الفلسطيني والعربي، تبقى القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة خطاً أحمر، لا يسمح بتجاوزه أو التنازل عنه، فمقدسات القدس هي لكل المسلمين، والمساس بها يفجر غضبهم وغضب الشارع العربي، وستكون القضية الفلسطينية هي طريق الإجماع بين كافة الشعوب العربية، التي ترى إسرائيل عدواً مغتصباً مهما تم من إجراء جراحات تجميلية لوجهها المشوه ويدها الملوثة بدمائنا.
وهنا يمكنني القول إن القضية الفلسطينية لا يمكن ان تتآكل لأنها قضية حق وحق تاريخي، ومهما حاولوا أعداء الأمة تغّيب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية فإنها لن تغيب وستبقى القدس وقود الثورات العربية وستبقى في قلوب كل السوريين والعرب ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.
فعذراً فلسطين فالشعوب العربية والإسلامية مشغولة عنك وعن دماء أبنائك الطاهرة وأرواحهم الزكية التي تغتالها العصابات الإرهابية الصهيونية، وبراءة أطفالك وأجسادهم التي مزقتها الطائرات والصواريخ التي تمون ببترول العرب، كما ودأبت هذه الزمر الإرهابية على إقتحام البلدات والقرى الفلسطينية والقيام بتدمير ونسف وإحراق المنازل والأسواق وإرتكاب أبشع صور التعذيب والتنكيل، ولأن المسجد الأقصى المبارك الذي يعتبر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة الى المسلمين فإنه لم يسلم من إرهابهم الذي يعتبر من أولويات اهداف التغيير عندهم والتي اتخذت أشكالاً مختلفة منها العبث بمحيطه وباطن أرضه وجدرانه.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول، إن ترك مصير القضية الفلسطينية لمفاوضات السلام ـ المتعثرة ـ يشجع إسرائيل على المضي في عمليات التهويد، ولابد من تحرك عربي فاعل لتمويل المشروعات العاجلة التي يحتاجها سكان المدينة للحفاظ على وجودهم، إلي جانب إعادة ترتيب الأوراق داخل الجامعة العربية لاستعادة الزخم اللازم لتفعيل الإهتمام الدولي بمبادرة السلام العربية، وعودة عملية التسوية علي أسس سليمة، تضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، والرد بكل غضب على مخططات الإحتلال الرامية إلى سلب الهوية الإسلامية عن المدينة المقدسة، وتهويد الأقصى، بالإضافة الى الإستمرار في دعم نضال شعبنا الفلسطيني وصموده، صوناً لكرامة الإنسان، وإنهاءاً لأبشع صور الإحتلال، وحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية من دنس الإحتلال الذين يمثلون خطراً على قيم الحضارة والإنسانية جمعاء.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
عذرا فلسطين فنحن مشغولون بقتل الشعب السوري