الشمس تغلُب على المكان بحرارتها و ضوئها و انعكاساتها، الشاطئ الرملي الدافئ ممتد تزينه الأجساد النسائية الرائعة الشبه عارية، أجساد قادمة من بلاد الصقيع كي تتعبد هنا في محراب الشمس، زرقة البحر حانية داعية يصدر منها صوت أمواج رتيبة هامسة
الجو العام جو استمتاع بالحياة و ما أجمل ذلك،
موسيقى سريعة صاخبة تصدر من الفندق القريب تضبط إيقاع أنشطة المصطافين، هناك فوج
سياحي روسي يكثر فيه الشباب و الشقر، هناك أيضا فوج إيطالي أغلب أعضائه في منتصف
العمر بينهم العديد من النساء الممتلئات، يتسيد الموقف خمسة فتيات شقراوات في أوائل
العشرينات جلسن أقرب ما يمكن من الماء و قد خلعن الجزء العلوي من لباس البحر فبانت
صدورهن عارية ناهده متحدية، أضاف وجودهن لمسة جمال سحرية إنسانية على المنظر العام
و على مزاج رواد الشاطئ.
مضيفة من الفندق تمر على المصطافين تحثهم على مزاولة بعض الأنشطة، عندما اقتربت
المضيفة مني تخيرني بين لعب الكرة الطائرة أو ممارسة اليوجا أو تعلم مبادئ الرقص
الشرقي، أجبتها ببطء و هدوء يتناغمان مع صوت الأمواج بأني لن اترك مكاني هذا حتى لو
عُرِض علي الذهاب لفردوس النعيم، ثم عرضت عليها أن تنسى مهام وظيفتها و أن تجلس
بجواري نستمتع بمتع الشاطئ البريئة معا، ضحكت و انصرفت لتبحث عن مصطاف آخر أقل كسلا
مني
أعاود الاستمتاع بكسلي و بمراقبة ما يجري حولي، المظلة التي بجواري تحتها شقراء حسناء تدهن جسدها الداعي للغواية بدهان يحمي بشرتها من الشمس و يساعد على إكسابها اللون البرونزي الجميل، بجوارها من الناحية الأخرى إيطاليا في الستينات انتهز فرصة نعاس زوجته بجواره و عرض بالإشارة على الحسناء أن يساعدها في دهان جسدها، ضحكت الجميلة و شكرته ممتنة من عرضه
بجواري من الناحية الأخرى أسرة تجلس تحت مظلتها، تخرج الأم من حقيبة معها طعام واضح أنها اختلسته من البوفيه المفتوح بالفندق، البيرة لعبت برءوس أغلب رواد الشاطئ فزادتهم انطلاقا و مرحا، الشقراوات الحسناوات الخمس نزلن للماء و هن يتصايحن من برودته النسبية على أجسادهن الساخنة، يرششن بعض بماء البحر الذي بلا شك يستمتع بملامسة هذه الأجساد و يدعوهن بغواية للقفز فيه كي يحتضن أجسادهن بشبق لا يلام عليه، بعدها بدقائق خرجن من الماء و استلقين على الرمل كي تمتص أجسادهن المرمرية أكبر كمية من الشمس فيتحول لونها إلى وردي رائع. عندما يعلو صوت الموسيقى بأغنية مرحة سريعة الإيقاع يقفزن من رقادهن و يتراقصن بخفة و دلال على الأنغام، لا شك أن الشمس تبتسم و هي تنظر على الشاطئ و ما فيه و من فيه.
********
فجأة يرتفع صوت من الماء، هناك شخص يُلـَوِح بيده بعصبية و انزعاج، بسبب صوت
الموسيقى الطاغي يأخذ الأمر عدة لحظات حتى يتنبه له رواد الشاطئ، يقفز الغطاس إلى
الماء، الشخص الذي يصيح يشير إلى جسدٍ طافٍ على وجه الماء تتلاعب به الأمواج، يسحب
الغطاس الجسد الغارق و يرقده على الشاطئ قرب الماء، واضح ان الجسد كان بالماء لعدة
أيام، اقـْتـَرَبـْتُ و ألقيت نظرة، شاب يبدو في العشرينات، متوسط الطول، نحيف
أسمر، ملامحه توحي بأنه من الطبقة الكادحة، حتى بعد موتهم توحي ملامحهم بالطبقة
التي ينتمون لها، منطال السباحة أزرق باهت متواضع يشي هو الآخر ببؤسه، في الغالب هو
أحد العاملين بالفنادق، أحد القادمين من الأرياف، ترك قريته باحثا عن لقمة العيش، و
عندما تجرأ و حاول الحصول على بعض المتعة فقد حياته، فقدها بحثا عن متعة بريئة
بسيطة مجانية.
ران الصمت على الشاطيء، حتى الموسيقى الصاخبة توقفت، الجميع رغم اختلاف خلفياتهم و
لغاتهم يتحدثون للحظات نفس لغة الحزن و الألم، التف النزلاء حول الجثة، بعضهم يرى
جثة ميت لأول مرّة، ملامح الانزعاج مرسومة على وجوهِهـِم، الشمس القوية تضفي على
الجثة الميتة وضوح وحضور، أما كان أجدر بها أن تعيد بأشعتها الرائعة الحياة لهذا
المسكين بدلا من أن تقول للناس هذا هو الموت فارنوا إليه.
أحد المديرين من الفندق الذي يتبعه الشاطئ حضر، طلب من الغطاس أن يحرك الجثة من
مكانها و يضعها في المسافة بين فندقه و الفندق المجاور، مسافة مخصصة لتأجير قوارب
المتعة و معدات الغطس، واضح أنه شعر أن وجود الجثة على شاطئ فندقه غير مناسب و قد
يضايق النزلاء و يعطي سمعة سيئة للفندق، حضر ضابط شرطة و معه جندي، ألقى نظرة سريعة
على الجثة، طلب من الجندي البقاء بجوارها لحراستها بينما عينيه من تحت منظاره
الشمسي الأنيق تلتهم الأجساد شبه العارية لنزيلات الشاطئ. انصرف و هو يشعر بأهميته
و لا شك يتمنى أن تشعر بأهميته أيضا النزيلات الحسناوات.
أحد الحسناوات ذوات الصدور العارية تجرأت و اقتربت من الجثة، انحنت عليها تتأمل
ملامح الميت وقد وضعت يدها على صدرها أثناء انحنائها كأنها مراعاة لحرمة الموت تود
إخفاء مفاتنها بينما الشرطي يحملق في صدرها بانبهار، أحد الرواد يسأله عما هو آت،
يشرح له الشرطي بلهجة الخبير أن الاسعاف ستحضر بعد لحظات لأخذ الجثة للمشرحة و أن
الشرطة ستعمل على معرفة شخصية الضحية.
فعلا تحضر الاسعاف و يحملون الجثة بعيدا، بالتدريج يعود كل شيء لما كان عليه، يقفز
البعض إلى الماء، هناك مباراة كرة طائرة في بدايتها، هناك شابان أسمران ذا جسدان
رياضيان يبدءا حديث مرح مع الفتيات عاريات الصدور اللاتي يرحبن بالمبادرة و
يدعونهما ضاحكات لمشاركتهما الجلوس تحت مظلتهن، يرتفع صوت الموسيقى المرحة السريعة
الصاخبة، يخيل لي أن صوتها أعلى من قبل.
*********
https://www.facebook.com/you.write.syrianews