كانت أحلام امرأة عادية من عامة الناس اعتقدت أنها تزوجت من رجل طويل عريض فحل مثل كل الرجال . لم تكن تحب مروان ، ولكن جسدها كان يريد رجلاً . كانت تهوى الرجال دونه . تعيش معه وهي تكره كل شيء فيه ، تكره رائحه جسده التي تشبه صنانة الحمير ، وأنفاسه التي تفوح منها رائحة النجاسة .
لم تكن هناك ليلة في حياتها تشبه الأخرى ، أحياناً
كان يأتي طائعاً غير مبالي يسلمها أمره ويعترف بعجزه ويتركها تفعل ما تشاء بجسده
المهلهل . كانت تحس أنها أشد عجزاً منه ، وكان هـو لا يكف عن الحديث عن مغامراته
المزعومة مع عاملات تنظيف المخزن ، والطبخات في جمعية حفظ النعمة في الحي ،
والشغالات في دور سكن فروع المخزن الخارجية ، كلمات فارغه تنقضي في كآبة وصمت وبرود
.
وأحياناً يطلب منها أن تتركه في حاله ، وسرعان ما تسمع شخيره طوال الليل ، وعندما
يستيقظ في الصباح يتمطى مثل حيوان بري وهو يتأهب لالتهام وجبة افطار عملاقة . كان
يجب أن تذبحه في الليلة الأولى ولكنها لم تفعل . وأحياناً أخرى كان يأتي غاضباً ،
يتهمها بأنها ليست عذراء ، ومن أجل هذا لا يستطيع الاقتراب منها . كان يتهمهما
بمضاجعه الجميع حتى السائقين في المخزن . وينتهي الأمر بأن تنشب أظافرها في جسده
المهلهل مثل القطة الشرسة التي حوصرت ولم تعد تملك إلا أظافرها .
أخيراً يا رب أخيراً
جاء السائق جهاد وهو يحمل كالمعتاد أكياس الطعام من المطعم الصحي على حساب المخزن ،
وقام بوضعها في مطبخ البيت . عاد ثانية وهو يحمل أسطوانة غاز لاستبدالها بالفارغة .
كان قصير القامة صغير الحجم . أصبحت أحلام تكره أمثال مروان بعد أن أرتبط في ذهنها
ضخامة الجسد بالعجز .
وقفت أمام المرآة تتظاهر بتسريح شعرها وهي ترى جهاد كيف يضغط على جسدها بنظراته
بينما الطريق امامه مفتوح العبور. كانت رائحة رغبته فيها تلاحقها في حركته . وعندما
هم بالخروج استدارت ثم اعتدلت ونصبت قامتها وبرز نهداها للأمام حتى أوشكا أن يعترضا
طريقه . استدار إليها ببطء ، رأى وجهها وملامحها وعينيها اللتين تشعان بالشهوة ،
أحس أنه يدخل إليهما بلا عودة .
دخلت به غرفة النوم . اعطته نهدها وعضت أذنه بأسنانها وهي تحس بأصابعه المرتعدة
تندس في جسدها . أخذت تدخل أصابعها في شعره وتمسده حتى يهدأ . أمسك رأسها بين يديه
واخذ يطوف بشفتيه فوق وجهها . سمعها وهي تتأوه في خفوت وأحس بأنفاسها الساخنة وهي
تتردد عبر صدرها . كانت تحس بارتياح غريب ، وتسري في جسدها رعشات الرغبة المكبوتة .
لا بد وأنها نظرت إلى عورته وازدادت قيمته في عيونها حين كان يصعد السريرعارياً
ويقترب منها ليعلو جسدها .
قادته برق ولين حتى أدخلته في عالمها الدافئ . تأوهت وقالت من أعماقها .. أخيراً يا
رب أخيراً . كانت تحيطه بذراعيها وساقيها . احتضنته لدرجة الالتحام . كانت فورة
الرغبة المختبئة في جسدها تنتظر من يكتشفها ويفجرها . أحست بارتياح غريب . كان كل
ما يمور في جسدها من انفعالات مكبوتة قد وجد متنفساً الآن بعد أن كلت روحها من فرط
الترقب والاحباط .
لم تكن صورة مروان تفارق خيال جهاد وهو يزمجر فوق جسد أحلام في أصوات غريبة . كان
ينتقم بذلك لكل عذابات الماضي منذ أن وقع المخزن الكبير تحت نير مروان الصغير
والضرير . كانت الصور أحياناً تختلط في خيال جهاد فكان يشعر في بعض اللحظات كأنه
يعلو جسد مروان نفسه .
غادر جهاد الغرفة إلى الصالون لفترة وجيزة وترك أحلام بعد أن مزق ثوبها وهي تنزف .
لم تفكر في النهوض استدارت فقط فرأى مدى ارتفاع نهديها . وعندما عاد قال لها :
الأستاذ بيجوز يزعل مني إذا عرف . هادا واحد بن حرام بينقلني لمحل تاني الزراعة
المحافظة التربية . هونت عليه الأمر وهي تقول وين المشكلة بيجوز يكون هيك أحسن لك .
بتلاقي مدرسة قريبة من بيتك وعندك عطلة صيفية طويلة وبعدين بتخلص من خلقته وريحته
كل يوم .
جرذ في مصيدة
كان مروان في أيامه الأخيرة قبل الحصار يمر بحاله من القلق المرعب . كان ينفق كل
وقته وهو يفكر بالبحث عن طريقه يزيل فيها الدم المتراكم تحت أظافره ، وعن مكان
يختبئ فيه ولو إلى حين . كان موقناً بأن ما فعله لا يُغتفر وأن عليه أن يتحمل
العقاب . كان يدرك في داخله بطريقة غامضة أن السقوط حتمي وقد اقترب موعده . فقام
بعرض بيته غرب المدينة للبيع . كان المشترون عندما يسمعون باسمه لا يعودون .
ابتسم مروان لأول مرة قبل الحصار بيومين وهو يحس بالشمس تبعث في داخله دفئاً جديداً
، وإحساساً متأخراً بالحياة ، كم تمنى لو أنه يستطيع الركض في هذه الشوارع والهروب
إلى الأبد من أحلام وسلاطة لسانها وحدة أظافرها ومن عتمة بيت الشيطان . توقف أمام
مسجد الحي وجلس وحيداً مستنداً إلى الجدران . لم يصل مروان قبل الآن ، ولم يفكر في
الصلاة يوماَ . أخذ يتطلع إلى الآيات القرآنية المكتوبة على الجدران دون أن يستطيع
قرأتها .
انساب صوت المؤذن العذب في فضاء الميدان ، رائقاً شجياَ وفيه مسحة واضحة من الحزن .
كان شيخ المسجد الذي يعرفه جيداً يقترب منه تطل من عينيه تلك النظرة التي تخيف
أمثاله من الفاسدين في المدينة . كان يحرص دائماً على أن يدعو ويبتهل في جميع
صلواته مع بقية المصلين : اللهم عليك بالفاسدين فإنهم لا يُعجزونك .
شعر مروان بالرهبة من نبرات صوته وطريقته في الكلام . كان الشيخ يتحدث كالمنوم ،
كأن الكلمات تأتيه من عالم آخر . كان يقف أمامه بأنفاسه الثقيلة ، أحس بصوته يخترق
أذنيه : هل تحب الاطلاع على نهايتك ثم ترتب حياتك وفقها . انتظر يا مروان ، انتظر .
أنت لا تزال تحتاج لتعاني أكثر قليلاً في الحياة الدنيا .
الظلام بدأ يهبط ، والمصلون يستعدون لصلاة المغرب . نهض مروان وغادر المسجد محني
الرأس يشوب وجهه صفرة من الفزع وهو يربت بيده على صدره المليء بالحقد والكراهية .
غفوة .. وحلم عابر
كان مدير المخزن ما زال رابض في مكتبه كأخطبوط عجوز أخفى طويلاً مراراته وأظفاره
بانتظار اللحظة الحاسمة . كان يعاني من حالة مزمنة من الضياع منذ أن تركته السنون
اسير الظل مرات عديدة في المخزن بعد أن أعتاد التنقل بين الدول والسكن في فروع
المخزن الخارجية ، ولم يزرع في وطنه حين عاد إلا الغربة .
غفى يوماً في مكتبه ، فرأى كأن ببابه من جاء لينزع عن وجهه أقنعه الوداعة والتواضع
والسماحة الزائفة . لا أحد يدري كيف استطاع أن يستمر بعمله مع كل هذه المشاعر
المزيفة . وفجأة أخذت كل الهواتف تطن دفعة واحدة . ظل ينظر إليها ولا يعرف بأي
واحدة منها يبدأ . كان خائفاً منها جميعاً . الهواتف تواصل الطنين تجمعت في صوت
يشبه الزئير .
توقف الطنين فجأة كما بدأ ، ساد صمت عميق ، وظل وجه المدير محتقناً ، عاجزاً عن
التقاط أنفاسه بصورة طبيعية . عاودت الهواتف الطنين ، وأخيراً تحركت أصابعه . جاء
الصوت هادئاً من طرف بردى المجد واضحاً وصارماً لا يفسح مجالاً للتوسل أو الاستعطاف
: مشي مروان .. بعته وين بتريد المهم يمشي .
استيقظ المدير وانتفض كرشه الضخم بعنف وهو ينادي في الحلم على مروان بأسمائه
الــ99. وظل يفرك عينيه كأنه يحاول التأكد من أن ما رأه وسمعه كان مجرد حلم ، لكنه
تذكر على الفور ما كان يقول له رئيس مخازن المدينة الأسبق منذ سنوات قليلة في بعض
أيام الثلاثاء عـن مروان " ولك هادا عبيسرق باسمك . قلعه خلاص منه " .
خارطة جسد
كانت أمه امرأة ضخمة الجسد تعمل في بيوت البلدة ، وفي بيوت العمال الموسميين الذين
تستقبلهم البلدة بلا أي ترحاب . تطهو وتنظف وتغسل الملابس ضمن خدمات أخرى . كانت
تأتي متشحة بثوب أسود . كانت جميلة بحق . شفتاها ممتلئتان منفرجتان قليلاً . وحين
كانت تخلع ثوبها لمن يريد كان جسدها يبدو ناصع البياض متألقاً وسط العتمة ، فتتسع
العيون وتتمدد الأعضاء . كانت تقوم بذلك بلا مبالاة ، وفي بعض الأحيان وهي تدخن
السجائر المهربة .
وعندما كانت تعود للبيت في ظاهر البلدة ، كان أبو مروان يتقلب عليها ويظل يصفعها
ويضربها حتى تقبل أطراف أصابع قدميه . تعمل طوال النهار وجزء من الليل تجوب البيوت
وترجع له بالحصيلة . فيأخذها منها دون كلمة ويتركها منزوية في أحد أركان البيت حين
يعود .
وحين حضرتها الوفاة كان وجهها قد تغضن . وأصبحت عيناها مطفأتان ، استنفذتا كل ما
فيها من دموع . كانت لا تتوقف عن الدعاء والاستغفار. وفي الصباح صعدت امرأة إلى سطح
بيت أم مروان وناحت بصوت عال : ماتت أم مروان . وضعوها على عجل في قبر يحوي رفات
جدتها التي كانت تشد الفرش في البلدة ، وما أن تنتهي من شد الفرشة حتى يشدوها إليها
. وعندما حضرت ملائكة العذاب وعقدت محاكمة الموتى فوق قبرها كان أول ما سألوها كيف
بتجيب ولد متل مروان ؟ قالت إنها لا تعلم . فالليالي متشابهة والرجال في الظلام
متشابهون . حال هول الموقف وضيق القبر دون فهمها للسؤال .
إنهم يتجرؤون على الفرح
وعندما طوى جبال لبنان ، وجاء خبر موت مروان ، كبر الموظفون تكبيره سُمعت بأعلى
المدينة . فزع المدير بآماله إلى الكذب . وعندما تيقن من صحة خبر المصير المرعب
الذي انتهى إليه مروان وبأن جثته وُجدت ملقاة في خندق تنهشها كلاب الطريق ، أخذ
يُبدي أمام الآخرين دهشته من تقلب الدهر وهو يستمع منهم إلى التفاصيل . وانهمرت في
هذه الأثناء من عينيه دمعتين في غفلة منه . ولكن ما أن خرجوا حتى أغلق عليه بابه ،
وأخذ يبكي كما لم يبكي من قبل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://www.facebook.com/you.write.syrianews
شكرا لك ايها الكاتب الصادق على فضح ما جرى في أهم مؤسسة بالدولة من مخازي وبلاوي باسلوب قصصي شيِّق وندعو الله أن لا يطول صبره على أولئك الظالمون .