syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
تحليل أخباري في الانديبندنت حول أزمة اللاجئين الراهنة في أوروبا . .. ترجمة : محمد نجدة شهيد

يسعى اللاجئون منذ سنوات عديدة لتأمين ملاذ آمن في الغرب . إلا أن شيئاً جديداً قد طرأ في الآونة الأخيرة . فالآلاف أصبحوا بالملايين بعد وقوع دولة إثر أخرى ضحية الفوضى والتعصب . يقوم باتريك كوكبيرن بتقصي أسباب الأزمة الحالية بعد موجة الهجرة واللجوء السوري في سلسلة تقارير مميزة بعنوان أزمة اللاجئين :

 

 من أين يأتي كل هؤلاء الناس ولماذا ؟ تنشرها الصحيفة على مدار أسبوع كامل ، يُركز فيها على منطقة أصبحت غير صالحة للعيش على نحو متزايد بسبب تصاعد حدة الخوف والكراهية اللذان يُؤديان إلى حدوث هذه الهجرة الجماعية التي تنذر بالخطر.


يعيش الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم في عصر يتصف بالعنف مع وجود تسعة حروب أهلية مستعرة في دول إسلامية تمتد بين الباكستان ونيجيريا . وهذا هو السبب الحقيقي في وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين الفارين خوفاً على حياتهم . فقد أضطر نصف عدد سكان سورية البالغ 23 مليون إلى مغادرة منازلهم ، مع وجود أربعة ملايين منهم كلاجئين في بلدان أخرى .
 


كما نزح نحو 2.6 مليون عراقي بسبب هجمات تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش ـ في العام الماضي ، وقاموا بالعيش في خيام مؤقتة أو في أبنية لآخرين لا تزال قيد الانشاء . وتم تشريد حوالي 1.5 مليون شخص في جنوب السودان منذ استئناف القتال هناك في نهاية عام 2013 بدون أن يُثير ذلك انتباه أحد في العالم الخارجي .
 


وأصبحت في نفس الوقت أجزاء أخرى من العالم ، ولا سيما في جنوب شرق آسيا ، أكثر أمناً وسلاماً على مدى السنوات الـ50 الماضية أو نحو ذلك ، ولكن في بقاع شاسعة أخرى في العالم ، تمتد بين جبال هندوكوش في آسيا وغرب الصحراء الكبرى في إفريقيا ، تُمزق الصراعات الدينية والعرقية والانفصالية أوصال بلدان عديدة . ونجد في كل مكان بلداناً تنهار، أو تهتز بعد أن يعتريها الضعف أو تتعرض للهجوم . وفي العديد من هذه الأماكن ، تبرز إلى الوجود في نفس الوقت حركات معارضة اسلامية سنية متطرفة تستخدم الإرهاب ضد المدنيين لدفعهم للفرار بشكل جماعي .
 


ويُوجد هناك ميزة أخرى لهذه الحروب وهي أن أيا منها لا تظهر عليه أي علامة على قرب نهايتها ، وبالتالي لا يستطيع الناس العودة إلى منازلهم . ويعتقد معظم اللاجئون السوريون الذين فروا إلى تركيا ولبنان والأردن خلال عامي 2011 و 2012، أن الحرب في بلادهم ستنتهي عما قريب ويتمكنوا بعدها من العودة . ولكنهم لم يُدركوا إلا في العامين الماضيين أن هذا لن يحدث أبداً ويجب عليهم بالتالي البحث عن ملاذ دائم في أماكن أخرى . إن طول فترة هذه الحروب يعني دمار هائل ونهائي لجميع وسائل كسب العيش ، ولذلك فإن اللاجئين ، الذين فروا في البداية لمجرد طلب السلامة ، أصبحوا اليوم مدفوعين أيضاً بضرورة اقتصادية .
 


وتدور حالياً مثل هذه الحروب في 9 بلدان هي أفغانستان والعراق وسورية وجنوب شرق تركيا ، واليمن ، وليبيا ، والصومال ، والسودان وشمال شرق نيجيريا . وهناك عدد قليل منها بدأ منذ زمن طويل ، ومثال على ذلك الصومال حيث انهارت الدولة في عام 1991، ولم يتم إعادة بنائها منذ ذلك الوقت ، مع قيام أمراء الحرب ، والجهاديين المتطرفين ، والأحزاب المتنافسة والجنود الأجانب بالسيطرة على أجزاء مختلفة من البلاد .

 

 

ولكن معظم هذه الحروب بدأت بعد عام 2001 والكثير منها بعد 2011. والحرب الأهلية الشاملة في اليمن بدأت فقط في العام الماضي ، في حين أن الحرب الأهلية التركية الكردية ، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل 40 ألف شخص منذ 1984، قد استُأنفت في تموز الماضي مع الضربات الجوية وهجمات حرب العصابات . وتتصاعد حدة هذه الحرب بسرعة ، فقد تم تفجير عربة محملة بالجنود الأتراك في عطلة نهاية الأسبوع من قبل مقاتلي حزب العمال الكردستاني الكردي .
 


وعندما تمزقت أوصال الصومال ، وفشلت عملية التدخل العسكري للولايات المتحدة بشكل كارثي في منع حدوث ذلك خلال الفترة 1992ـ1994، بدا هذا الحدث يومها كأنه هامشي وغير مهم بالنسبة لبقية العالم . وأصبح البلد "دولة فاشلة"، وهو مصطلح يُستخدم في سياق الشفقة أو النبذ ، لكونه أصبح عالم خاص للقراصنة والخاطفين والمهاجمين من القاعدة . ولكن يتعين على بقية العالم أن ينظر إلى الدول الفاشلة بشيء من الخوف والازدراء في نفس الوقت ، لأنه مثل هذه الأماكن ـ أفغانستان في التسعينات ، والعراق منذ عام 2003 ـ هي التي حضنت تنظيمات مثل طالبان ، والقاعدة وداعش . وكل هذه التنظيمات تشترك في ما بينها بمذهب ديني متعصب مع خبرة قتالية لأعضائها . وبدت الصومال في ما مضى أنها يُمكن ان تشكل حالة استثنائية لوحدها ولكن تبين لاحقاً أن " الصوملة " أصبحت مصير ينتظر سلسلة كاملة من البلدان ، وخاصة ليبيا والعراق وسورية ، حيث كان لدى الناس في هذه البلدان حتى وقت قريب ما يكفي من الغذاء والتعليم والرعاية الصحية .
 


كل الحروب خطيرة بالطبع ، ولكن الحروب الأهلية تشتهر دائما بالوحشية ، مع كون الحروب الدينية هي الأسوأ من بين جميعها . وهذا ما يحدث الآن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، مع قيام داعش وتنظيمات أخرى مستنسخة عن القاعدة مثل جبهة النصرة أو أحرار الشام في سورية بقتل خصومها بطقوس معينة وتبرير فظاعة أفعالها هذه بالإشارة إلى القصف العشوائي للمناطق المدنية من قبل حكومة الأسد .
 


ولكن الأمر المختلف بعض الشيء في هذه الحروب هو أن داعش تنشر عن عمد أخبار الفظائع التي ترتكبها ضد الشيعة واليزيدين أو أي شخص آخر تعتبره من أعدائها . وهذا يعني أن الناس المحاصرين في أتون هذه الحروب ، وخاصة منذ إعلان الدولة الإسلامية في حزيران من العام الماضي ، يُعانون من كم إضافي من الخوف الذي يجعل من المرجح أن يلوذوا بالفرار ولا يعودوا بعدها أبداً . وينطبق ذلك على أساتذة في جامعة الموصل في العراق كما ينطبق على القرويين في نيجيريا وفي الكاميرون أو مالي . ومما لا يُثير الدهشة هنا بالطبع ، أن يؤدي تقدم داعش السريع في العراق إلى حدوث موجات كبيرة من اللاجئين كانت لديهم فكرة واضحة تماماً عما يُمكن أن يتعرضوا له إذا لم يلوذوا بالفرار .
 


وفي العراق وسورية ، نعود من جديد إلى فترة التغيير الديموغرافي القاسي الذي شهدته المنطقة مع الفلسطينيين الين ُطردوا أو أجبروا على الفرار من قبل الإسرائيليين في عام 1948، أو عندما أبيد المسيحيين أو ُطردوا من ما هو الآن تركيا الحديثة خلال فترة السنوات العشر التي تلت العام 1914. وانقسام المجتمعات المتعددة الطوائف في العراق وسورية مع عواقب مروعة لذلك . ويبدو أن القوى الأجنبية إما أنها لا تدرك أو لا يهمها إطلاق شياطين الطائفية من عقالها في هذه البلدان عن طريق الاخلال بالوضع القديم الذي كان سائداً فيها .
 


وأعتاد مستشار الأمن القومي العراقي السابق ، موفق الربيعي ، أن يقول للقادة السياسيين الأمريكيين ، الذين اقترحوا بشكل عفوي بأن المشاكل الطائفية في العراق يُمكن حلها عن طريق تقسيم البلاد بين السنة والشيعة والأكراد ، بأنه يتعين عليهم أن يُدركوا كم ستكون هذه العملية دامية في حال تطبيقها وما سينجم عنها من مجازر وهروب جماعي "على غرار تقسيم الهند في عام 1947".
 


لماذا تنهار الآن الكثير من هذه البلدان وينجم عن ذلك موجات لجوء كبيرة ؟ وما هي القواسم المشتركة للعيوب الداخلية أو الضغوط الخارجية التي لا يُمكن لهذه البلدان تحملها ؟ معظم هذه البلدان نالت استقلالها عندما انسحبت منها القوى الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية . وبحلول أواخر الستينات واوائل السبعينات ، كان يحكمها قادة عسكريون بقوة الأجهزة الأمنية وغيرها ، وكانوا يُبررون احتكارهم للسلطة والثروة من خلال الزعم بأن ذلك ضروري لتوفير الأمن ، وتحديث البلاد ، واستعادة السيطرة على الثروات الوطنية من نهب المستعمر القديم ، ومقاومة ضغوط دعوات الطائفية وما ينجم عنها من تقسيم البلاد.
 


وكانت حكومات هذه البلدان وطنية عموماً مع أنظمة اشتراكية في كثير من الأحيان بتوجهات علمانية غالباً . ونظراً لكون هذه المبررات للتحكم بالبلاد والعباد تتصف بالنفاق الفاضح لكونها في حقيقتها مبررات لخدمة المصالح الذاتية للنخبة الحاكمة ، وإخفاء الفساد المستشري فيها ، فغالباً ما كان يُنسى أن بلداناً مثل العراق وسورية وليبيا كانت تحكمها أنظمة مركزية قوية لسبب ما ، وأنها سوف تتفكك بدونها .
 


إنها هذه الأنظمة بالذات التي تم إضعافها وتنهار اليوم الواحدة تلو الأخرى في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . ولم تعد الوطنية والاشتراكية توفران الغراء الأيديولوجي اللازم لتماسك مكونات هذه البلدان العلمانية معاً أو لتحفيز الناس للدفاع عنها حتى الطلقة الأخيرة ، كما يفعل أصحاب المذهب المتعصب والعنيف للإسلام السني الذي تتبناه تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام . ويعترف مسؤولون عراقيون أن أحد أسباب تفكك الجيش العراقي في العام 2014 ، وعدم التمكن من إعادة تشكيله بنجاح هو أن "عدد قليل جداً من العراقيين مستعدون للموت من أجل العراق" .
 


وتقوم هذه التنظيمات الطائفية مثل داعش عمداً بارتكاب الفظائع ضد الشيعة وغيرهم وهي تعلم بأن ذلك سوف يستجر لا محالة أعمال انتقام مماثلة ضد السنة والتي من شأنها أن تترك هؤلاء بلا خيار سوى النظر إلى داعش بوصفها المدافع عنهم . إن تعزيز الكراهية الطائفية يعمل لصالح داعش ، ومن البلدان التي اصيبت مؤخراً بعدوى الكراهية الطائفية اليمن حيث كان هناك في السابق ادرك قليل لمخاطر الانقسام الطائفي على الرغم من أن ثلث سكان البلاد البالغ حوالي 25 مليون ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية.
 


إن احتمال الهجرة الجماعية في هذه البلدان أصبح اليوم أكبر مما مضى . ففي وقت سابق من هذا العام ، عندما كانت هناك شائعات عن قرب هجوم الميليشيات الشيعية والجيش العراقي لاستعادة مدينة الموصل التي تسكنها اغلبية سنية كبيرة في ربيع هذا العام ، بدأت منظمة الصحة العالمية ومفوضية اللاجئين بتحضير مواد الاغاثة بشكل مسبق لإطعام مليون شخص آخر يتوقع فرارهم .
 


لقد صُدم الأوروبيون بصورة الطفل عليان الكردي ملقاة على شاطئ في تركيا ، وصور السوريين الذين كانوا يتضورون جوعاً بشكل كبير وهم محشورين في القطارات الهنغارية . ولكن الشتات البائس الجديد للضعفاء والمحرومين في الشرق الأوسط كان واضحاً خلال السنوات الثلاثة أو الأربعة الماضية . ففي شهر أيار ، كنت على وشك عبور نهر دجلة في قارب مع امرأة كردية وعائلتها عندما طُردوا من القارب بسبب وجود خطأ بحرف واحد في كتابة الاسم على تصريح العبور . وأخذت المرأة تصرخ في يأس "صار لي منتظرة مع ولادي 3 أيام على ضفة النهر" . كنت يومها متوجهاً إلى أربيل ، عاصمة إقليم كردستان ، التي كانت تطمح حتى قبل عام لتكون "دبي الجديدة" ولكنها تعج الآن باللاجئين الذين يتجمعون في فنادق لا تزال قيد الانشاء وفي مراكز التسوق وضمن الأحياء الراقية .
 


ما الذي يجب القيام به لوقف هذه الفظائع ؟ ولعل السؤال الأهم هو كيف يُمكننا منعها من التفاقم ؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن خمسة من أصل الحروب التسعة قد بدأت منذ عام 2011. وهناك خطر يكمن في أن تُنسب هذه الهجرة الجماعية الراهنة إلى عوامل وأسباب أخرى متنوعة ، بما في ذلك تغير المناخ ، لأنه في هذه الحالة يُمكن للقادة السياسيين المسؤولين عن هذه الفظائع أن يفلتوا من ورطتهم ويتحرروا من الضغط الشعبي لحملهم على العمل بفعالية لوضع نهاية لها .
 


وتشكل أزمة اللاجئين الحالية في أوروبا أول انعكاس حقيقي للحرب في سورية على القارة . ويصح القول هنا بالطبع أن الفراغ الأمني في ليبيا يعني أن هذا البلد قد أصبح الآن قناة مفتوحة لهجرة الناس من الدول الفقيرة التي مزقتها الحروب على أطراف الصحراء الكبرى . فمن ساحل ليبيا البالغ طوله حوالي 1955 كم شق 114 ألف لاجئ طريقهم إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام ، ناهيك عن عدة آلاف آخرين غرقوا في الطريق . ومع ذلك ، وهو أمر يبقى بالطبع سيئ في كل الأحوال ، فإن هذا الوضع لا يختلف كثيراً عن العام الماضي عندما شق 112 ألف طريقهم إلى إيطاليا سالكين نفس هذا الطريق .
 


ولكن الحرب في سورية والعراق تختلف بشكل كبير حيث تُظهر أن عدد الناس الذين يحاولون الوصول إلى اليونان عن طريق البحر قد قفز من 45 ألف إلى 239 ألف خلال السنتين الماضيتين . وعلى مدى ثلاثة عقود شكلت أفغانستان أكبر مصدر لعدد اللاجئين وفقاً لإحصائيات مفوضية اللاجئين . ولكن سورية احتلت مكانها في العام الماضي ، وأصبح هناك لاجئ سوري واحد من أصل كل اربعة في جميع بقاع العالم . لقد دُمر المجتمع السوري بأكمله ولم يفعل العالم الخارجي سوى القليل جداً لوقف حدوث ذلك . وعلى الرغم من الموجة الأخيرة من النشاط الدبلوماسي ، فإن أياً من العديد من اللاعبين في الأزمة السورية لم يُظهر بعد العجالة المطلوبة في محاولة وضع حد للحرب هناك .
 


وهكذا أصبحت سورية والعراق بطريقة أخرى في قلب الأزمة الحالية للاجئين بسبب أن داعش والتنظيمات المماثلة للقاعدة تسيطر على أراض واسعة هناك ، وتملك القدرة على نشر سمومها الطائفية إلى بقية ارجاء العالم الإسلامي . إنها عصابات نشطة من القتلة يعملون بنفس الطريقة الوحشية لدرجة كبيرة سواء كانوا في نيجيريا والباكستان واليمن أو في سورية . ومن المؤكد أن هذه الهجرة الجماعية للناس الناجمة عن ذلك ستستمر طالما استمرت الحرب في سورية والعراق . الصحفي باتريك كوكبيرن . صحيفة الانديبندنت . الثلاثاء 8-9-2015 .
 


الرابط : http://www.independent.co.uk/news/world/refugee-crisis-where-are-all-these-people-coming-from-and-why-10490425.html

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

 



 

2015-09-17
التعليقات