*منذُ بدأ الأزمة المأساوية السورية وأنا أكتبُ بلغة العقل والمنطق والموضوعية ، مُعتمِدا منطق التهدئة والحق والعدالة ، ورافضا لكل أشكال العنف من أي طرفٍ كان ، وداعيا للانتقال السلمي نحو الديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة ، من خلال نظام برلماني تعددي يتمُّ انتخاب أعضائه بإرادة شعبية حقيقية ، ووفق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ، وتحت إشراف أممي ، ولا يتمُّ تعيينهم بالمسرحيات التي نعرفها ونعيها جميعا والتي كانت تضعنا أمام برلمانات صورية ورقمية لا دورا جوهريا لها !
*لم أسمع شخصا واحدا تعيّن في ذاك البرلمان منذ
تفعيله قبل عقود وحتى اليوم إلا ويردِّد أنه لا دور لهُ !.
*هناك من يحصر دور البرلمان فقط بإصدار القوانين والتشريعات ، وهذه ليست سوى جزءا
بسيطا من مهمة البرلمان وعمله وليست كل شيء!. وإلا لَمَا كانت هناك حاجة له ويمكن
تشكيل لجنة من عدة جهات بالدولة لوضع التشريعات والقوانبن ، ونوفِّر مئات الملايين
كل عام تُصرَفُ على البرلمان وأعضائه وجلساته ونفقاته ...الخ ..
*هذه الكتابات التي أتحدّثُ عنها موجودة على يسار صفحتي هذه ويمكن الرجوع إليها
لِمن يرغب ..
*للأسف الشديد فقد اتّجهتْ الرياح بما لا تشتهي السفُن ، أي نحو العنف والدّم ،
والعنف قاد للعنف ، والدّم جرَّ إلى المزيد من الدّم!. ووجدتْ القوى الإقليمية
والدولية ضالّتها في استغلال الوضع المتفاقم في سورية فغمسَتْ كلها أيديها في الدّم
السوري، وتسابَقتْ لدعمِ هذا الطرف أو ذاك حتى لا تستفرد أية جهة لوحدها بالساحة ،
وبدتْ الأمور وكأنهم يتسابقون جميعا للفوز بما أمكن من الحصّة السورية غير عابئين
لا بدِماءٍ ولا بِدمارٍ ولا بأي شيء سوى بمصالحهم ومصالح أنظمتهم وبُلدانهم على
حساب الدّم السوري!. فتحوّل الوضع بسورية إلى أشبه بجرحٍ عميقٍ في رأسِ أو صَدرِ
جسدٍ ماء لم تتمُّ معالجته بشكلٍ صحيح وسليم وبِما يتوجّب،فالتهبَ وتورّمَ وتقيّحَ
وجذب كافة الميكروبات والفيروسات ، وازداد الالتهاب حتى وصل للدم وأثّر على كافة
أعضاء الجسدْ !.
*سورية ، وكما أشرتُ في العديد من المقالات منذ 2011 ، كانت بأمس الحاجة للانتقال
السلمي نحو الديمقراطية والتعددية والانتخابات الحرّة والتداول على السلطة ، وقبل
أن تُراق الدماء !. فكلُّ الأسباب الذاتية والموضوعية كانت متوفرة لتندفع الناس نحو
الشوارع وترفع مطالبها ، وكنتُ أدرِك أن هذا استحقاقٌ ، وتمنيتُ أن يتحقق ذلك بأقل
الخسائر لأنني كنتُ أدرِكُ أيضا معاني التأخُرّ به !. ولكن التمنيات تحوّلت إلى
كوارث !.
*لم يكُن دافعي منذ البداية سوى شعوري الوطني العالي، وإدراكي للوضع الداخلي
المُحتقِن، وقراءتي للمتغيرات الإقليمية ، والدولية ، حيثُ لم تبقى منطقة بالعالم
أسيرة للظلم والطغيان والاستبداد والأحادية ، واحتكار السلطة ، ولا تملك شعوبها
إرادتها وسيادتها ،إلا المنطقة العربيةّ ، وفي طليعتها الخليجية!.
*لو أردتُ العمل بردود الفعل والإغراءات المالية لكانَ من السهل جدا إعلان
(الانشقاق) حينما كنتُ رئيس بعثة دبلوماسية خلال السنتين الأولى من الأزمة ، وكانت
بُلدان الخليج تقدِّم إغراءات كبيرة حينها، لِمن ينشقُّ من رؤساء البعثات
الدبلوماسية ، وخاصّة إن كان محسوبا على ما يُسمونه طائفة (النظام) !. وقد وصلني
غمزا في هذا الاتجاه حينها من سفارة خليجية ، ولكن كان ردِّي صارما لا يحتمل
التأويل !.
*وهنا أجزم بالله لو أن رُبع الإغراءات التي كانت متوفرة في ذاك الوقت ، لو أنها
عُرِضت على الكثيرين من بيّاضي الوطنية (وخاصّة دُعاة الثقافة والفهم الكاذب)،
أولئك الوضيعين الذين لا يجيدون في تعليقاتهم سوى لغة الشوارع الهابطة ، التي
تشبههم ويشبهونها ، ولغة الاتهامات والشتائم التي تُعبِّرُ عن دونيتهم ، وربما
ارتباطاتهم الخارجية ، والله أعلم ، بهدف التغطية والتضليل والخِداع ، لكانوا
سارعوا فورا للارتماء في أحضان دول الخليج !. وخاصّة إن كانوا مِمن تذوقوا طعم
العملات الخليجية !. ولكنني آثرتُ أن أمضي مدّتي في البعثة وأعود لوطني ، وأبقى
أتحدّثُ بصوت العقل والمنطق مُنتقِدا كلٍّ من النظام والمُعارضة ، وعدم الانحياز
الأعمى للأخطاء هنا أو هناك !. فالطرَفان أخطأَ بحق الوطن ، والطرَفَان مسؤولان
عمّا ألمَّ بالوطن ، وعن استقدام كافة التدخلات الإقليمية والدولية ، واستقواء كلٍّ
منهما بالخارج على الآخر !.
*دخلتْ سورية بعدها ، وما زالتْ ، بجدلية البيضة والدجاجة ، ومن المسؤول أوّلا عما
حصل ، وكل طرفٍ يجادل أن الطرف الآخر هو المسئول !.
*كل ذاك الجَدَل لم يعُد يُفيد السوريين بشيء ، والمطلوب هو وقف هذه الحرب المجنونة
، والجلوس حول طاولة الحوار والتفاوض للبحث في كيفية تطبيق خارطة الطريق التي رسمها
مؤتمر فيينا واقرها مجلس الأمن الدولي بالقرار 2254 !.
*ولكن السؤال : هل من تحدّث عنهم بيان فيينا ، أو من جلسوا في جنيف 1 وجنيف 2
وموسكو 1 و2 ، هل هم لوحدهم من يُمثِّل الشعب السوري؟. هذا غير صحيح لأنه مبنيٌ على
افتراض أن الشعب السوري منقسِم عموديا بين النظام وبين المُعارَضة ، بينما حقيقة
الأمر أن هناك شريحة واسعة جدا ليست راضية عن المُعارضة ولا النظام ، وتنتقد
الطرفين ، وتُحمِّلهما مسئولية ما آلتْ إليه أوضاع الوطن، وتدعو الله بالفرج القريب
!.
*هذه الشريحة المُشار إليها ليست مع استمرار النهج السياسي الأحادي الذي ساد
لِعقودٍ طويلة ، وتسببَ بِفشلٍ على مُختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والزراعية والمعيشية.. واحتكار الدولة ومؤسساتها ومناصبها ومراكزها
لطبقة من المتنفذين والمدعومين ومن لفَّ لفيفهم !. وكذلك ليستْ مع المُعارضة التي
للأسف ارتهن قِسمٌ منها للخارج ، وهناك من تبنُّوا الآيديولوجية الطائفية والمذهبية
الإقصائية ، فقتلوا واختطفوا واغتصبوا وقصفوا ووو على خلفية طائفية ومذهبية ،
وتكفيرية صرفة ، لا شأن لها بأي تطلعات نحو الانتقال الديمقراطي والتعددية والحرية
وحقوق الإنسان وكرامته !. ومن ينفي هذا الكلام فأعيدهُ إلى فتاوى بعض المشايخ ،
وإلى إحدى قنوات ما يُعرَف (بالجيش الحر) التي لم تتوقف لحظة واحدة عن التحريض
الطائفي والمذهبي ولا تسمع بها او تقرأ على شريطها الإخباري سوى المفردات الدينية
التحريضية والتكفيرية البغيضة والبذيئة والتهديد بالقتل والذبح بالجملة!.وكأنهم
أخذوا عهدا على أنفسهم بأن يُطبِّقوا كل فتاوى ابن تيمية التكفيرية بحق الملايين من
أبناء الوطن !.
*لا أقولُ أن كل أطراف المُعارضة هي طائفية ، ولكن حتى اليوم فإن ذوي الآيديولوجيات
الطائفية هم الأقوى !. وللأسف فإن أصحاب التوجهات العَلمانية أعجز من التأثير على
أطراف التعصُّب الطائفي وردعهم عن هذا الخطاب ، بل أن أولئك هُم التابعون لهذه وليس
العكس ، بحُكم وجود الأطراف الطائفية على أرض الميدان !.
*ورغم أن هذه الأطراف الطائفية قد وافقت على بيان الرياض ولكنها لم تتوقّف ولا
ثانية عن التحريض الطائفي والمذهبي في إعلامها ، الأمر الذي يتناقض كلية مع محتوى
بيان الرياض الذي يتحدّث عن دولة مدنية يتساوى بها كافة مواطنيها على أساس
المُواطنَة بغض النظر عن أي انتماء أو خلفية!. فأين هي المصداقية إن كانت العقيدة
الطائفية ستبقى أقوى من كل المواقف السياسية !.
*ومن هنا يأتي الموقف الوطني برفض هذه النوعية من المُعارضَة ، بموازاة رفض العودة
لنهج الحُكم القديم الذي عرفناهُ على مدى عقود والذي استأثر بمقدرات البلاد والعباد
، وبكل مناصب الدولة ومراكزها ، وسادته الشخصنات والمحسوبيات ، وغابت به كل
المعايير المؤسساتية لصالح طبقة من المتنفذين ومن لفَّ لفيفهم من المدعومين ، الذين
أصبحتْ مهنتهم إشغال المناصب فقط والوجَاهة والنفوذ، والبقية هم أجَرَاء لديهم لا
يحِقُّ لهم المناصب والمراكز مهما كانت مؤهلاتهم متفوقة عليهم !.
*واستنادا على ما تقدّم فإن المطلوب من المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا
أن يبحث عن ممثلين لهذه الشريحة الواسعة من أبناء الشعب السوري ، التي لم تنجَّرْ
خلفَ عواطفها الدينية والمذهبية والمصلحية !. وإنما حكمتها عقلانيتها ومشاعرها
الوطنية ، وغيرتها وحرصها على وقف سفك الدم السوري بأسرع ما يمكن ، وتقولُ للمُخطئ
بعينهِ أنت مُخطئ ، أيٍّ كان !.
*سورية بفسيفساء تنوعها الديني والمذهبي والعرقي لا يصلحُ بها سوى نظام الحُكم
البرلماني الديمقراطي العَلماني (أو المدني لا فرق) الليبرالي ، الذي يتساوى به
الجميع على أساس المُواطَنَة ، والمُواطَنَة فقط!!.
*قرأتُ بيانا لأحد المنسحبين من الهيئة العُليا المنبثقة عن مؤتمر الرياض ، يؤكِّد
به على هذا الجانب ، أي تمثيل الشريحة المُشارُ إليها ، التي يمكن أن تلعب دورا
عقلانيا وموضوعيا في التقريب والتصالُح وتجاوُز ما حصَلْ !.
*الشعب السوري لم يعُد يحتمل هذا الحال ، فلا كهرباء إلا ما ندر ، وأسعار المازوت
مرتفعة ، وكل دخْلِ الموظف في السنة لو وفّرهُ لعامٍ كاملٍ لا يكفيه أثمان تدفئة
بهذا الشتاء ، وأسعارٌ تُسابق الريح بالارتفاع ، وفَقرٍ يزيد كل يوم، وبطالةٍ
تتراكم كل يوم، والإحباط واليأس هو العنوان الأبرز، وأرخص شيء في سورية أصبح
الإنسان، والحكومة لا يشعر المواطن السوري بوجودها إلا حينما يتمُّ إرسال الفواتير،
وغريب أن هذه الحكومة موجودة رغم كل الإخفاق المتنوع، وخاصّة في كبح الغلاء وارتفاع
الأسعار اليومي الجنوني !. أكيد لا أحدا منهم ينزل للأسواق ليشتري بنفسهِ ويرى
ويسمع كيف البشر تشكو وتتذمّرُ من الغلاء وتتساءل : وين الحكومة، مو شايفة ؟.
*أحدهم كتب يقول أن أفضل شيء هو أن تجتمع المعارضة والنظام ويتفق الطرفان على
الاستقالة ، وفسح المجال للشعب ليتدبّر أموره !. وربما هي فكرة جيدة ولكن كيف
سيقتنعان بها ؟!.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts
ها هو الرئيس بوتين حامي النظام السوري يقول بأن الاسد ارتكب اخطاء كثيرة والرئيس بوتين يتحمل اكبر المسؤولية لانه كان بامكانه الضغط على الاسد من بداية الازمة لعقد مؤتمر وطني بحضور كل المعارضة ونقل سورية نحو الديمقراطية والتعددية
*وهنا أجزم بالله لو أن رُبع الإغراءات التي كانت متوفرة في ذاك الوقت ، لو أنها عُرِضت على الكثيرين من بيّاضي الوطنية (وخاصّة دُعاة الثقافة والفهم الكاذب)، أولئك الوضيعين الذين لا يجيدون في تعليقاتهم سوى لغة الشوارع الهابطة ، التي تشبههم ويشبهونها ، ولغة الاتهامات والشتائم التي تُعبِّرُ عن دونيتهم ، وربما ارتباطاتهم الخارجية ، والله أعلم ، بهدف التغطية والتضليل والخِداع ، لكانوا سارعوا فورا للارتماء في أحضان دول الخليج !. وخاصّة إن كانوا مِمن تذوقوا طعم العملات الخليجية !.