syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
ماذا يعني التصعيد العسكري الأخير في شرق دمشق وفي ريف حماه ؟. بقلم: د.عبد الحميد سلوم

*من اللافت للنظر عدة عوامل خارجية وداخلية علينا التوقف عندها بعد التصعيد العسكري الأخير والهجوم على دمشق وفي شمال وغرب مدينة حماه :
أولا: هذا التصعيد جاء بعد أيام قليلة على زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن ولقائه مع ترامب في البيت الأبيض في 13/ آذار، حيث استضافه على مائدة عشاءٍ كتعبيرٍ عن عمق العلاقة والأهمية للسعودية، وحضرها كبار مسئولي الإدارة الأمريكية وكانت عشاء عمل تخللها استعراضا لقضايا المنطقة الساخنة. وخرج مسئول سعودي بالوفد ليصرِّح عن تطابق وجهات النظر بين الطرفين حول مسائل المنطقة، لا سيما الموقف من إيران!.


 


*ثانيا: مساندة المعارضة المسلحة المُصنّفة في خانة الاعتدال والمشارِكة في عملية الآستانة، لهذا الهجوم على دمشق الذي قامت به تنظيمات مصنّفة أمميا بأنها إرهابية!. فهل هذا يعني أن مسألة الإعتدال ليست سوى وهما فضحها تماما هذا الهجوم للتنظيمات المصنّفة إرهابية؟!.
 

*ثالثا: جاء هذا الهجوم قبل أيام قليلة من جولة جنيف الخامسة، فماذا يعني كل ذلك؟.


*بالنسبة للعامل الأول: أنوِّهُ إلى أن البعض في دمشق أطلقوا العنان لمشاعرهم وعواطفهم بالاطناب على الرئيس ترامب وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية، وفرحوا جدا لانتخابهِ، لمجرّد أنه صرّح بأن أولويته في سورية هي محاربة داعش وليس نظام الحُكم!. حتى أن شخصيةٍ سورية في موقع المسئولية صرّحت بأن الشعب الأمريكي أرسل برسالة عظيمة ومهمة للعالم (طبعا نتيجة انتخابه لترامب)، وذلك للإذاعة الوطنية الأمريكية يوم 10/11 /2016 !.


*ولكن بعد جلوس ترامب على كرسي الرئاسة باتَ يحسب الأمور بمنطق المؤسسات وقرارات المؤسسات الأمريكية التي لا يستطيع ترامب ولا أي رئيس أمريكي أن يتجاوزها، لاسيما الكونغرس بمجلسيه: النواب والشيوخ، فضلا عن السي آي إيه، والبنتاغون، ووزارة الخارجية، ومستشار الأمن القومي، ومساعدي ومستشاري ترامب في البيت الأبيض!.


*ولذلك فقد تابعنا كيف انقلبت تصريحات خارجيته 180 درجة وخرج الناطق باسم الخارجية الأمريكية "مارك تونر" يوم 17/آذار 2017، بعد أيام من لقاء ترامب مع ولي ولي العهد السعودي، ليطلق أوصافا قاسية على السلطة السورية ورافضا مشاركة أهل القرار بأية مرحلة انتقالية!.


* إذا ها هو ترامب اليوم يظهر على حقيقته: فهو يتّخذ قرارات لمنع مواطني ست دول من دخول الولايات المتحدة وأولها سورية، وهو يريد منطقة آمنة في سورية.. ويريد تحجيم إيران، وهذا يعني إخراجها من سورية والعراق أو تقليص نفوذها لأبعد حد.. ويُحذِّر إيران بأقسى العبارات العدائية غير المسبوقة بعالم السياسة ويفرض عليها العقوبات.. ويقول أن إيران تلعب بالنار ولم تستفد من تسامح أوباما وأنه شخصا مختلفا، يعني ليس لديه مزحا ولا تسامحا!. كما أنه يدعم السعودية في اليمن، ويتفق مع الموقف السعودي إزاء سياسات إيران في المنطقة التي يعتبرها عدائية، وإزاء إقامة منطقة آمنة في سورية، ويستضيف ولي ولي العهد السعودي على مائدته يوم 13/آذار 2017 وكأنهما عائلة واحدة ويصغي لآراء ضيفهِ السعودي فيما يخصُّ شؤون المنطقة، ويخرق سيادة سورية(لأول مرّة) ويرسِل القوات والمدرعات إلىها دون الحصول على موافقة وزير الخارجية!. ويفرض عقوبات على موسكو، ولا يغفر لها "أخذ" جزيرة القرم (بل تصدر تصريحات نارية من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في 16/آذار، الذكرى الثالثة لضم روسيا للقرم تؤكد أن العقوبات لن تُرفع عن روسيا طالما لم تُعِد القرم لأوكرانيا)، ويهبط كل حماس ترامب السابق إزاء الرئيس بوتين كما لو كان دولاب سيارة من مطّاط واصابه ثقب واسع... ويتخلى عن حل الدولتين في فلسطين .. والحبل على الجرار ..


*إذا حقيقة ترامب بدأت تتكشف.. إنه ليس ترامب الذي فرِح البعض لانتخابه وقالوا قولتهم الشهيرة للإذاعة الوطنية الأمريكية يوم 10/11/2016( أنّ الشعب الأمريكي أرسل برسالة عظيمة ومهمة للعالم ..) وكان المقصود بهذه الرسالة العظيمة هو انتخابهم لـ ترامب!..


*ترامب شديد العداء لإيران وكل توجهات إدارته ومسئُوليهِ تذهب في هذا الاتجاه، ويتحدث علنا عن تصميمه لتقليص نفوذ إيران بالمنطقة ويتهمها بالراعية الأولى للإرهاب!. ماذا يعني ذلك في السياسىة؟. إنه يعني ببساطة معاداة كل حلفاء إيران بالمنطقة ومحاربتهم وإضعافهم لأن ذلك يشكل مقدمة طبيعية وضرورية للنجاح في الحد من نفوذ إيران وتقليصه!. وبالمقابل دعم كافة القوى والدول والتنظيمات المعادية لإيران بالمنطقة!.


*في سورية هناك سُلطة حليفة لإيران، ولا بُدّ إذا من مواجهتها، والسبيل إلى ذلك هو دعم معارضيها ودفعهم لخوض المعارك ضد الحكومة، ومن هنا يمكن أن ننظر إلى الهجمات التي شنتها التنظيمات المسلحة المصنّفة إرهابية، مؤخرا شرق دمشق، وهذه جاءت أيضا بعد أيام قليلة من زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن ولقاءاته مع كبار المسئولين، وكأن هناك أمر عمليات حملهُ معهُ من واشنطن!.
* أما بالنسبة للعامل الثاني: فعلى الرغم من أن التنظيمات التي شنت الهجوم على شرق دمشق مصنّفة بأنها تنظيمات إرهابية حتى في واشنطن لأن (جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة)هي قوامها الأساس، ولكن مع ذلك فقد تجاهلت واشنطن الموضوع، بينما رحبّت المعارضة السورية المدنية، وكذلك العسكرية المُصنفة في خانة الاعتدال، رحبّت بهذا الهجوم، وعبّر جيش الإسلام عن استعداده للمشاركة بها، أي للقتال إلى جانب التنظيمات المصنّفة أمميا بالإرهابية!.


*ففي 10آذار، 2017 أصدرَ المبعوث الأمريكي إلى سورية "مايكل رانتي" بيانا باسم الخارجية الأمريكية وجاء فيه:(( إن تغيير اسم "جبهة النصرة" الى "تحرير الشام" لن يغيِّر من كونها جبهة مدرَجة على قائمة الإرهاب.. وتابعَ: لطالما حذرنا من غدر القاعدة في سوريا وخداعها ومحاولاتها تضليل السوريين وتابعنا عن كثب عندما لم يدخر أبو محمد الجولاني وعصابته جهداً من أجل النفاذ والاختباء كالطفيليات في جسد "الثورة" السورية ليبدأوا بعد ذلك بابتلاعها من الداخل".
 

واضاف البيان :"لقد اخفوا أنفسهم تحت طبقات من الأكاذيب، حيث ادعوا في البداية إنهم لم يأتوا إلا لنصرة أهل الشام ثم ادعوا بعد ذلك كذباً إن مهمتهم الوحيدة هي فتح الشام والآن في أحدث مرحلة من الخداع، يختبئون خلف شعار جديد وهو "تحرير الشام."... واوضح راتني ببيانه انه "في ضوء هذه التطورات التي حصلت مؤخراً، نورد أن المكون الأساسي لهيئة تحرير الشام هي جبهة النصرة، وهي منظمة مدرجة على لائحة الإرهاب. وهذا التصنيف ساري المفعول بغض النظر عن التسمية التي تعمل تحتها وأي مجموعات أخرى تندمج معها".. ونوه المبعوث الأمريكي الى أن "هيئة تحرير الشام هي كيان اندماجي وكل من يندمج ضمنه يصبح جزءاً من شبكة القاعدة في سوريا. كما أن هيئة تحرير الشام ليست غرفة عمليات مثل جيش الفتح، وسوف نعمل وفقاً لذلك."..)).. انتهى الاقتباس من البيان.


**وتجدر الإشارة أن جبهة "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقا) وحركة نور الدين الزنكي، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، ولواء الحق؛ أعلنت أواخر كانون الثاني 2016 حل نفسها واندماجها ضمن كيان عسكري جديد أطلقت عليه "هيئة تحرير الشام"، وأحزاب هذه الهيئة هي من شنّت الهجوم على شمال شرق دمشق من محور "جوبر" ، ووفقا للتقييم الأمريكي فجميعها إرهابية ومرتبطة بالقاعدة، فهل يجوز للمعارضة المصنّفة في خانة الاعتدال أن تدعم هذه الهيئة ومعاركها؟.


*أما بالنسبة للعامل الثالث: فإن القيام بهذا الهجوم قبل أيامٍ من انعقاد جولة جنيف 5، فإه هدفهُ هو إفشال أي تقدُّم في هذه الجولة، لا سيما أن التنظيمات المنضوية تحت جناح "هيئة تحرير الشام" كلها بالأساس ترفض الحل السلمي لأن هذا لا يتيحُ لها تنفيذ آيديولوجيتها في إقامة دولة دينية على غرار دولة الطالبان في أفغانستان، ولا يسمح بتحويل سورية إلى إمارات إسلاموية، كما هي عقيدة هذه التنظيمات التي لا شأن لها على مدار الساعة سوى التحريض الطائفي والتوعُّد بالقتل والانتقام وسفك المزيد من الدماء!.


*وأخيرا أناشد كافة القِوى الديمقراطية العَلمانية، سواء معارضَة أم موالاة، فعليكم جميعا أن تشبكوا الأيادي ببعض لأنكم أنتم من يشبِه سورية التي نتطلّع إليها في المستقبل، وأن تقفوا ضد كل أشكال التعصب الديني والطائفية والتكفير والإرهاب، وضد كل أشكال الاستبداد والشمولية.. فإن كان هناك من رهان ، فهو على هذه الشريحة من الديمقراطيين العَلمانيين سواء معارضين وموالين ،المؤمنين بضرورة انتقال سورية نحو الديمقراطية العَلمانية والتعددية تحت ظلِّ أي شكلٍ من اشكال الحُكم المستقبلية!..


** هناك معارضون مدنيون في صف المعارضة لا يشبهون المعارَضة المسلحة على الإطلاق، لا في تفكيرهم ولا قناعاتهم ولا آرائهم .. يطرحون الديمقراطية العَلمانية، خلافا لقناعات المعارضة المسلحة، ويرفضون الدولة الدينية، بعكس تفكير المعارضة المسلحة .. وهؤلاء مكانهم جميعا إلى جانب بعضٍ سواء كانوا معارضين أم مؤيدين، طالما يؤمن الجميع بالديمقراطية العلمانية.. فيكفي أن تكون " الديمقراطية العلمانية" هي القاسم المشترك بين كل هؤلاء حتى يلتقون مع بعض في جبهةٍ واحدة!. وحينما نتحدث عن الديمقراطية فهذه تعني حُكما التداول على السلطة أولا وقبل كل شيء، وحكم القانون والعدالة والفرز بين السلطات الثلاث !.. وحينما نتحدث عن العلمانية فهذه تعني التساوي في المواطَنة بين كل أبناء الوطن دون أية عقبات أو عوائق!..
 

2017-03-27
التعليقات