syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
السيد بوتين: هل تجهلون أن الشعب السوري منذ الاستقلال لا مكانة له إلا في مراحل محدودة جدا؟. بقلم: د.عبد الحميد سلوم

*لا يفتأ الرئيس الروسي، ووزيرخارجيتهِ، من ترداد ذات العبارة بكل مناسبة: أن الشعب السوري هو المعني بتحديد من يحكموه، وهو من يقرر مصيره .. وهنا لا بُدّ من طرح السؤال: هل الرئيس الروسي يجهل فعليا أن الشعب السوري كل عمرهِ مُهمّشا منذ الاستقلال ولا يملك من أمره شيئا إلا في محطات عابرة من تاريخهِ في الخمسينيات، وأن المؤسسة العسكرية كانت دوما الحاكمة، مباشرة أم مداورةً، أم أنه يُدرك الحقيقة ويتجاهلها ويهزا من عقول الشعب السوري؟!.
*يا ليت الرئيس الروسي يُكرِّث بعضا من وقته لقراءة تاريخ سورية بعد الاستقلال ليكتشف أن الشعب السوري لم يمتلك الإرادة والقرار في صناعة رؤسائه وبرلمانه إلا في مراحل ضئيلة ومحدودة جدا في تاريخ سورية بعد الاستقلال، وفيما عدا ذلك كان كل حكامهِ وأعضاء برلمانه ومسئوليه مفروضون عليه فرضا بالقوة عبر الانقلابات العسكرية..
 


*ففي 17 نيسان عام 1946 تم الإعلان عن استقلال سورية وكان الرئيس حينها هو شكري القوتلي ونَعُمت سورية خلال تلك الفترة المحدودة بالديمقراطية، ولكن لم يطُل الأمر حتى قام حسني الزعيم قائد الجيش بانقلاب في 30 آذار 1949 وتولّى السلطة، وعمد الى حل المجلس النيابي وقام باعتقال رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس الوزراء خالد العظم ووضعهما في السجن، ثمّ أطلق سراح القوتلي وصادر أملاكهُ ونُفِيَ خارج البلاد فاختار الإسكندرية.. وقد ساعدهُ في الإنقلاب سامي الحناوي ثمّ اختلف معهُ بعد أن أصرّ حسني الزعيم على تسليم أنطون سعادة رئيس الحزب القومي السوري إلى لبنان حيث أعدمه رياض الصلح!.


*لم تمضي ستة أشهر حتى قام سامي الحناوي في 14 آب 1949 بانقلاب عسكري على حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي وأمر باعدامهم رمياً بالرصاص وسلّم السطة الى المدنيين (إلى هاشم الأتاسي من الحزب الوطني) وبقي يشغل منصب رئيس أركان الجيش في عهد الرئيس هاشم الاتاسي. ومن ثم مهّد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية، وتم تحديد يوم 15 تشرين الثاني عام 1949 موعدا لإجراء الانتخابات!.
*لم تمضي عدّة اشهر أخرى حتى قام العقيد أديب الشيشكلي في 19 كانون الأول 1949 بانقلاب على سامي الحناوي ووضعه في سجن المزة العسكري ثمّ نفاه الى لبنان وهناك ترصّده "حرشو البرازي" فاغتاله بالرصاص في 30 تشرين أول/1950 انتقاماً لِمحسن البرازي ونُقل جثمانه إلى دمشق فدفن فيها..


* أديب الشيشكلي الذي قام بالانقلاب على سامي الحناوي سبقَ وشاركَ مع حسني الزعيم في انقلابهِ ثم اختلف معهُ لاحقا، فأقصاهُ الزعيم، ولكن أعاد لهُ سامي الحناوي الاعتبار بإعادتهِ إلى الخدمة وتعيينه قائدا للواء الأول، وقام لاحقا بالانقلاب عليه!.. واستولى على السلطة على دفعات منذ عام 1951 وحتى عام1954.


*تولى الشيشكلي رئاسة الأركان العامة في 1951 واستبدل مجلس(العُقداء) بـ (المجلس العسكري الأعلى) يعني أصبح قائدا للجيش ويطمح ليكون صاحب القرار بكل شيء.. وباتَ ينافس رئيس الدولة هاشم الأتاسي على السلطة، واختلف مع حزب الشعب الذي كان يشكل أغلبية في البرلمان، وكانت الحكومة برئاسة معروف الدواليبي من حزب الشعب.. فقام أديب الشيشكلي في 31 تشرين ثاني 1951 بانقلابه (الثاني) وأزاح الدواليبي، ورئيس مجلس النواب واعتقلهم، وحلّ البرلمان، فقدّم هاشم الأتاسي استقالتهُ، وبعد ذلك بات الشيشكلي صاحب السلطة الأول كونه قائد الجيش ومنعَ نشاط كل الأحزاب، ولكنه جاء بضابطٍ مُقرّبٍ منه وهو اللواء فوزي السلو وسلّمه رئاسة الدولة (شكليا) ليكون واجهة للحكم العسكري من أواخر عام 1951 ـــ وحتى تموز 1953 ، أي سنة ونصف ريثما استلم الشيشكلي رئاسة الدولة رسميا فيما بعد بتمهيدٍ من فوزي السلو..


*وقد كتبتْ مجلة(آخر ساعة) المصرية حينها يوم 10/2/1951 مقالا جاء فيه: ((... شيء واحد يجب أن لا يغيب عن البال: أن العقيد أديب الشيشكلي هو الرجل الحديدي في سورية، لقد استطاع أثناء هيمنته على المدنيين أن يتخلص من مناوئيه، فدبر اغتيال العقيد محمد ناصر قائد سلاح الطيران على يد العقيد إبراهيم الحسيني، ثم اغتيل سامي الحناوي في لبنان وأخيراً نفي العقيد إبراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني إلى باريس.. و..الخ.. وهكذا فرَط الزعيم عقَد مجلس العقداء، وبات يحكم البلاد عبر حفنة من الملازمين الأوائل، بينما فُرضت الرقابة العسكرية على جميع الضباط المناهضين للشيشكلي)).


*كان الشيشكلي مدعوما من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان شقيقه صلاح أحد أعضائه.. ومع ذلك أسّس حزبا أو حركة في تموز 1953 أطلق عليها (حزب التحرير العربي) وخطّط ليكون الحزب الوحيد في البلاد استعداداً لخوض الانتخابات، وبعد الإعلان عن تأسيسه، بدأ الشيشكلي عقد اجتماعات جماهيرية وإلقاء الخطب الطنانة التي تلهب حماس الجماهير وواعدا بتحرير فلسطين. ولما اطمأن إلى قاعدته الجماهيرية وجهازه الإعلامي، التفت لممارسة القمع، وبدأ حملة الاعتقالات والتعذيب ضد كل من يعارضهُ وشملت الطلاب والمدرسين ورجال السياسة وقادة الأحزاب(كما الحوراني وعفلق والبيطار) والأقلام الحرة، وعندما شعر الشيشكلي بأن الساحة خلت له ولحزبه دعا إلى إجراء الانتخابات النيابية في (10 تموز/1953)، وفاز حزب التحرير العربي بـ 83 مقعداً، فقام بوضع دستور جديد للبلاد فصّلهُ على مقاسهِ تماما، وحوّلَ النظام الحكومي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وتمّ انتخابهِ رئيسا للجمهورية (وكان المرشّح الوحيد) بموجب ذاك الدستور، ومن أبرز مؤيديهِ ، فضلا عن حزبهِ، كان الحزب السوري القومي الاجتماعي.. وتمّ بعدها انتخاب مأمون الكزبري رئيسا لمجلس النواب!..


*تشكلت جبهة شعبية واسعة ومعارِضة لحكم الشيشكلي وكان لها ثقلا في جبل العرب فأرسل الشيشكلي الطائرات والدبابات وارتكب المجازر في جبل العرب.


*وفي 25 شباط عام 1954 وقعَ الإنقلاب العسكري الرابع الذي بدأ من خلال تمرد عسكري قام به الجيش في حامية حلب ضد أديب الشيشكلي وذلك في شباط من عام 1954 وسرعان ما انضمت اليه القيادات العسكرية في باقي المدن السورية، واجبرت في نهاية المطاف الشيشكلي على الاستقالة ومن ثم اللجوء الى العاصمة اللبنانية بيروت و بعد ذلك الى السعودية ثم إلى الخارج. .


*ولعل من اهم النتائج التي افرزها هذا الانقلاب هو عودة رئيس الجمهورية السورية السابق هاشم الاتاسي الى سدة الحكم الذي مهد الى عودة الحكم المدني الى سورية.. وقام هاشم الأتاسي في 19 حزيران من عام 1954 بتشكيل وزارة محايدة برئاسة سعيد العربي، ثم تم تعيين موعدا للانتخابات البرلمانية، وشهدت سورية في تلك المرحلة حالة من الديمقراطية والحرية وفّرت الظروف لعودة الكثير من المنفيين السياسيين الى بلدهم وكان أبرزهم شكري القوتلي رئيس الجمهورية السابق بعد خمس سنوات قضاها في المنفى، وكذلك خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري..


* وبين رحيل الشيشكلي عام 1954 وقيام الوحدة مع مصر كان هناك رؤساء الحكومات التالية : صبري العسلي وسعيد الغزي وفارس الخوري ، ثمّ عاد في عام 1955 وحتى 1956 صبري العسلي وسعيد الغزي، ثم مُجددا صبري العسلي حتى عام 1958 وحتى قيام الوحدة بين سورية ومصر.


*إذا عاد هاشم الأتاسي رئيسا من جديد للمرة الثالثة من 28 شباط عام 1954 وحتى 6 أيلول 1955 !..


*ثم جاء شكري القوتلي رئيسا للمرة الثانية من 6 أيلول عام 1955 وحتى 22 شباط 1958 تاريخ قيام الوحدة بين سورية ومصر تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة ..


*خلال الوحدة تعطلت الحياة السياسية في البلد نتيجة حل كل الأحزاب، وكان جهاز" المباحِث" يقوم بممارسات ولّدت استياء عامّا، ولكن صدرت قرارات اشتراكية متعددة لصالح العمال والفلاحين، ولم تمضي ثلاث سنوات على الوحدة حتى قامت " شلّة" من الضباط الدمشقيين المرتبطة بالسعودية بإنقلاب ضد الوحدة في 28 أيلول 1961 مُستغلين بعض الانحرافات والأغلاط.. وتمّ لاحقا إلغاء كل القرارات الاشتراكية، وتشكيل حكومة برئاسة مأمون الكزبري، وبعد أربعة أشهر جرت انتخابات وأُعلِنَ المجلس التأسيسي النيابي وفاز ناظم القدسي بالرئاسة وتسلّم عزّت النص وبعدهُ معروف الدواليبي رئاسة الحكومة!. ثم لم يلبث عبد الكريم النحلاوي أن قام بإنقلاب آخر في 28 آذار 1962 وقام بحل البرلمان وإقالة حكومة الدواليبي، واصبح بشير العظمة وبعده خالد العظم رئيسا للحكومة .. ولكن لم يطِب لهما المقام طويلا.


*ففي 8 آذار 1963 قام بعض الضباط الناصريين والبعثيين والمستقلين بإنقلاب عسكري، ثم أطلقوا عليه ثورة الثامن من آذار.. وأخرجوا لؤي الأتاسي المُقرّب من الناصريين من السجن( حيث سجنه النحلاوي بتهمة محاولة الإنقلاب عليه)، ومنحوه رتبة فريق وتولّى رئاسة الدولة ومجلس قيادة الثورة بين 9 آذار و27 تمّوز 1963م، قبل أن يقدّم استقالته احتجاجاً على التدخلات الحزبية في شؤون الرئاسة.


*ولم يطُل الوقت حتى تصادم البعثيون والناصريون وتمكنّ البعثيون من إقصاء الناصريين والاستفراد بالحكم.. وبعدها بدأت الصراعات بين البعثيين أنفسهم وإقصاء بعضهم البعض، فكان إنقلاب 23 شباط عام 1966 وأطلقوا عليه اسم حركة 23 شباط.. ثم حصلَ ما حصلَ في 16 تشرين الثاني عام 1970، ثم كانت محاولة الإنقلاب عام 1984 .. وخلال كل تلك المراحل كان البعثيون يقصون بعضهم بعضا حتى انتهت الأمور لمصلحة الأقوى، وقيام منظومة تحتكر السُلطة والمناصب لصالح الأتباع الشخصيين والمحاصصات والقرابات والمحسوبيات والتبنِّي والواسطات والشِللية، وتحصد المكاسب والامتيازات وساد الفساد والثراء، باستغلال المناصب والنفوذ، بشكلٍ غير مسبوق بتاريخ سورية فضلا عن الخوف وغياب القانون والعدالة والمعايير وتهميش دور المؤسسات.. الخ.. وهناك من ينتقل من منصب لِمنصب على مدى عقود بهدفِ التنفيع والامتيازات، ولأجل الجاه والمال (فترى ذات الشخص مديرا عاما ثم ينتقل لوزارة أخرى سفيرا بلا حدود زمنية بأقل الشهادات العلمية، وانعدام كل المؤهلات اللغوية، وقد تراه مسئولا في الحزب ثم وزيرا ثم سفيرا ثم يعود مجددا مسئولا في الحزب... وهكذا)، وكأنّ أرحام الأمهات لم تعُد تلِد في سورية بعدهم.. وللأسف لم يكُن هناك من البعث سوى اسمهِ بعد استلام السلطة عام 1963 وسادته شريعة الأقوى والصراع على السُلطة والإقصاء بشكلٍ غير مسبوق بأي حزبٍ آخرٍ، والشعب لم يكن بوسعهِ سوى تنفيذ الأوامر والتعليمات والتوجيهات!..


*ولكن رغم كل تلك الصراعات والانقلابات والاعتقالات والإعدامات لم نقرأ في التاريخ السوري عن فسادٍ وثراءٍ باستغلال السُلطة والنفوذ إلا لاحقا!.


*وحتى من كانوا يقومون بالانقلابات كانوا يدّعون أنهم فعلوا ذلك باسم الشعب ولأجل الشعب بينما كل ما حصل من بلاوي وهزائم في سورية سببه تغييب دور الشعب!. طبعا بالخطابات كان موجودٌ على الدوام ولكن بالحقيقة فكان مغيّبٌ على الدوام!. إنّ كل سوري يعرف صحّة هذا الكلام ولكن كانَ لسانُ حال الجميع يردد دوما: ( شو طالع بإيدنا، وشو فينا نساوي.. بدنا نعيش).. هذه هي الصورة.. الشعب مسكين ومسحوق دوما ولا دورا ولا إرادة ولا قرارا له!.


*فكيف للرئيس الروسي ولوزير خارجيته أن يُردِّدا كل يوم وليلة أن الشعب السوري هو من يُقرِّر.. هل هذا جهل بحقيقة الأوضاع في سورية أم تجاهُلا واستهزاء من الشعب!..


*نعم أوافق مع السيد بوتين ولافروف أن الشعب السوري يمكنه التقرير ولكن ليس في ظل ظروف وأوضاع لا حول ولا قوة لهُ فيها.. إنه يستطيع أن يقرر إن كانت إرادة الروسي صادقة واشتغل بشكلٍ جدِّيٍ وفاعلٍ وصادقٍ لخلق المناخ الصحيح والسليم الذي يتمكن من خلاله الشعب السوري من التقرير، وإن أصرّ الروسي على تطبيق القرار 2254 ووضْعِ سورية على أول الطريق الصحيح بالإصرار على الانتقال السياسي وبمشاركة الجميع، ومن ثمّ السير في سكّةِ الديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة يشارك بها كافة السوريون بالداخل والخارج وفي ظل ظروف سياسية وأمنية وعسكرية وذاتية وموضوعية وحرية تعبير وديمقراطية صحيحة وسليمة ويمكن من خلالها إجراء الانتخابات، بعد تحييد المؤسسات العسكرية والأمنية وعدم السماح بتسييها وتحزيبها وتكون على مسافة واحدة من الجميع!. أما الحديث دوما عن دور الشعب السوري وعن الانتخابات دون توفير تلك الشروط الصحية والسليمة، فهذا تعقيد للمشكلة وليس حلّا لها!. على كلٍّ نريدهم أولا أن يُثبِّتوا وقف إطلاق النار وتخفيف العنف كما قرروا في الآستانة أخيرا في الجولة الرابعة في 3 و 4 أيار، وإنْ كانت المبادرة الروسية في خَلقِ مناطق " تخفيف التصعيد" de-escalation أو تخفيف العنف، ووضع مراقبين دوليين بين القوى المتحاربة، لا تبدو أكثر من ترسيخ للوضع القائم حاليا على خطوط التَمَاس، أي التفتيت، وذلك لقطع الطريق على الخطة الأمريكية بإقامة مناطق آمنة في الشمال والجنوب!. يعني عالجوا الرَمَدْ بالعَمَى!.


*إن الكثيرين يجادلون أن روسيا قد وضعت الحل السياسي السوري بالبازار، ريثما تنضج الطبخة بينها وبين الغرب في أوكرانيا والقرم، وهذا ما عبّر عنه السفير الأمريكي السابق بدمشق روبرت فورد يوم 5/5 /2017 حينما قال: " أنّ ما تريدهُ(روسيا) هو أن يبدي الأمريكيون بعض المرونة بما يتعلق بأوكرانيا وجزيرة القرم وأن يعترفوا بدور روسيا كلاعب قوي في الشرق الأوسط". أعتقد هذا هو الكلام الصحيح، ولذا ستبقى سورية رهينة إلى أن تنضج الطبخة كاملا!. فهل زيارة لافروف لواشنطن في 10/أيار هي لتحريك الطبخة ومقياس درجة ملوحتها في سورية وأوكرانيا؟.


*لا أعتقد أن هناك مواطنا سوريا لا يتطلع أن يرى في بلاده الأمن والأمان والاستقرار، ولكن هذا غير ممكن بلا حل سياسي يُمهِد للديمقراطية والتعددية والتداول، وبناء دولة قانون ومؤسسات بكل معنى الكلمة وقضاء مستقل وعادل ونزيه، واحترام الكفاءات العلمية وتكافؤ الفرص وحقوق الإنسان، ومحاسبة كل من يُحول المؤسسات إلى مزارِع، فلا نرى مسئولا يدعس في وزارتهِ ومؤسستهِ على كل المعايير وياتي بسائقهِ الجاهل ليجعلهُ صاحب القرار الأول في المزرعة وكأنه وزيرا، مُتجاهلا دور نوابهِ ومعاونيهِ، ومدرائهِ، فيقصي من يشاء ويرفع من شأن من يشاء، ويبقي سفراء حسبما يشاء 14 عاما أو 16 عاما ليجمعوا الملايين من العملة الصعبة على حساب دماء أولاد الفقراء بينما أولادهم في مأمن بعد أن دفعوا لهم البدل وجاؤوا بهم لوزارة الخارجية كي يرِثونهم مستقبلا كسفراء أيضا، وذلك في ظاهرة إقطاعية لم تعُد توجد في أكثر دول العالم تخلفا وانعداما للمعايير!. ثم يحتفظ بِمن بلغَ 75 من العُمر بصفة مستشارٍ، لأنه مُقرّبا منه جدا، وبكامل الصلاحيات ومن مُهمة خارجية لأخرى حتى يقبض بالعملة الصعبة، إلى جانب أبنائه وأقاربهِ الذين ملء الوزارة بهم بحُكمِ نفوذه، وهُم من لم يقدموا لهذا الوطن نقطة دم حتى لا نقول شهيدا.. نعم هكذا هو الحال في أهم وزارات الدولة التي يتواجدُ على رأسها شخصٌ منذ 11 عاما، وقد شارف على الثمانين من العمر، ومع ذلك ليس لديه حرجا أن يصرف من يصغرونه بعشرين عامٍ بحجّة العمر وهُم بكامل لياقتهم البدنية والصحية والعقلية والنفسية والوطنية والعلمية والخبرة ونظافة اليد!. هذه ليست نكتة هزلية وإنما حقائق يعرفها الجميع، في بلدٍ تحوّل كله إلى مهازل ومآسٍ وشِلل أقرب إلى شلل العــــــصابات.... ولكن للإنصاف لا يمكن إلا أن نُسجّل لأحدهم ذاك الإنجاز العظيم بشطبِ أوروبا عن الخارطة العالمية!. أنتَ تعرف ياسيد بوتين جيدا البير وغطاه في سورية، فهل يروقُ لك أن ترى دولة تحكمها شريعة الغاب ولا مكانة فيها إلا لأهل السلطة ومن لفّ لفيفهم؟.


*هناك من لا يخجلون من القول أن هذا الشعب المتخلف لا يستحقُّ إلا حُكم البسطار، وكأنّ اصحاب هذه النظرية ليسوا متخلفين أكثر من هذا الشعب، أو كأنّ من يتبوّأون المناصب هم أكثر وعيا من هذا الشعب وليسوا من ذات العقل المتخلف الذي يحملونه معهم إلى مواقع السُلطة!. والله عرفتُ مسئولا كبيرا في هذه الدولة يحمل عقلا محدودا متكلسا وأكثر تخلفا من الهائمين في الشوارع!.


*فما نأمله من الرئيس بوتين هو وضع الشعب أولا في حالةٍ تُمكِّنه من القيام بدورهِ وأن يعود الجميع للشعب حينما تحصل أية أزمة داخلية وحتى خارجية وتحميل الشعب المسئولية في اختيار مسئوليهِ وقياداته، وقبول الجميع بقرار الشعب، كما يفعلون في الغرب!.


*هذا ما نأمل من الرئيس بوتين تطبيقه في سورية، وأن يُرسِّخ نظاما سياسيا يكون فيه الشعب هو صاحب القرار الأول والأخير عبر صنديق الاقتراع، وننتهي من المهازل التي عاشتها سورية منذ الاستقلال وحتى اليوم إلى غير رجعَة، وغاب فيها دور الشعب والقانون والمؤسسات وكل حقوق الإنسان وسادت بها العقلية العسكرية وثقافة البسطار!. فالدور المطلوب من بوتين هو استعادة دور الشعب المسلوب منذ الاستقلال، وهذا لا يكون بالكلام فقط، وبهذا يكون قد سدّد خدمة تاريخية لسورية وشعب سورية.. ونأمل أن يكون الرئيس بوتين قد أدرك أخيرا أن هذا ما يجب ان يفعله، وإلا فسوف تذهب كل إنجازاته العسكرية هباء، لاسيما أن القطب الآخر الأقوى عالميا بات منخرطا باللعبة السورية وكُلْ لعبة المنطقة بقوّة في عهد الرئيس ترامب ويحصي على بوتين كل حركة، وبدلَ أن كان الوزير جون كيري سابقا هو من يقصدُ موسكو فنرى اليوم الوزير لافروف هو من يقصد واشنطن!.


* فإيدنا بزنّارك يا سيد بوتين كَفَانا شريعة الغاب ودولة (تسرح وتمرح) منذ الاستقلال، ونتطلع إلى دولة قانون ومؤسسات ومعايير وتكافؤ فرص وحرية تعبير وحقوق إنسان وتداول على السُلطة حتى ننتهي من عقلية التكلُّس والمزارِع والإقطاعيات والفساد والإفساد، التي ترى فيها أهل الكفاءات العليا في الوطن مُهمّشين لصالح أهل الكفاءات الدنيا والواسطات والمحسوبيات.. نريد تحريك المياه الآسنة الراكدة!. نحن لسنا في زمن الخمسينيات ولا الستينيات ولا السبعينيات ولا الثمانينيات ولا حتى التسعينيات، حتى نعيش بثقافة وعقلية تلك الأزمان.. تلك الأزمان ولّتْ وعلينا تجاوزها ونحن في زمن صناديق الاقتراع والحوار والحُجة والمنطق والإقناع والبرامج السياسية والإقتصادية والاجتماعية والتنموية، وغير مقبول أن نرى في مواقع السُلطة من لا تأتي بهم صناديق الاقتراع، ولمدّةٍ محدودة لا تتجاوز أربع سنوات ولا يجوز تجاوزها يوما واحدا، فسُورية من أغنى الدول العربية بالكفاءات، وخاصّة السياسية والعلمية، فافتحوا أمامهم الطرقات المُغلقة وشاهدوا بعدها كيف ستتفجّر تلك الطاقات وتتفوق على كل سابقاتها على كل المستويات!. زمن الإلغاء والإقصاء والتهميش والإبعاد والنفي والسّجن لأسباب سياسية لا ينسجم مع عقلية وثقافة هذا الزمن، هذه كانت ثقافة زمن الانقلابات وحُكم البلاد والعباد بالبسطار واستباحة كل شيء بالدولة، ولا أعتقد أن هذا ما ينسجم مع ثقافة وعقلية السيد بوتين!.


*وأخيرا على الجميع أن يُدرِك أنه لا يوجد ما يدفعني لقول كلمة واحدة سوى محبة سورية والخوف عليها وعلى مستقبلها كوطنٍ وكشعبٍ!.. فقد عبّرتُ مرارا وتكرارا معارضتي لكل الآيديولوجيات الدينية، وتأييدي الكامل للعلمانية، وطالبتُ بالماضي بتأسيس تيار وطني سوري ديمقراطي عَلماني مؤمنٌ بشكلٍ مطلقٍ بالديمقراطية العَلمانية، ويجمع السوريين من كافة المشارب والأطياف سواء معارضين أم مؤيدين أم مُستقلين ومحايدين.. فيكفي أن يكون القاسم المشترك هو الإيمان بالديمقراطية العَلمانية.. فهذه هي سورية التي ننشدها في المستقبل!
 

2017-05-13
التعليقات