يبدو أن الأزمة السورية لاتريد أن تنتهي لعدم
رغبة الإمبراطوريتين الأمريكية
والروسية في نهايتها دون أن يرضخ أحدهما للآخر.وتوحي عديد المؤشرات إلى أن الحرب
الدائرة في التراب السوري ليست سوى مقدمة لحرب عالمية ثالثة تماما كما كانت الحرب
الأهلية الإسبانية مؤشرا قويا لاندلاع الحرب العالمية الثانية.
اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936 وإستمرت إلى غاية 1939 تاريخ
اندلاع الحرب العالمية الثانية. وكانت حربا بين الجمهوريين الموالين للاتحاد
السوفياتي والوطنيين وهي مجموعة فاشية تحت قيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو
والموالية لهتلر وموسوليني. وتعتبر الحرب الأهلية الإسبانية صراعا بين الثورة
اليسارية والثورة المضادة اليمينية
ساند الغرب فرانكو وكان متحالفا مع هتلر
وموسوليني بغية القضاء على الثورة
الشيوعية التي كانت تمثل هاجسا كبيرا يهدد المجتمع الغربي الرأسمالي ،وقد مول الغرب
هتلر خلال الحرب العالمية الثانية وسمحوا له بغزو أوروبا وكان جل همهم أن يتمكن
الفوهرر من القضاء على الإتحاد السوفياتي.
تغاضى الغرب عن 30 مليون روسي الذين سقطوا بقنابل هتلر وتناسوا ملحمة
ستالينغراد ناسبين انتصار الحرب العالمية الثانية لأمريكا وفرنسا وبريطانيا رغم أن
الانتصار على هتلر كان انتصارا صنعه حكمة وذكاء ستالين والروس، وقد حاول الغرب من
خلال ماكينتهم الإعلامية أن يصنعوا من ستالين شيطانا لكي لا يذكر كبطل الحرب الكبرى
.
يتوجس كبار المفكرين الأمريكان كبريجنسكي وكيسنجر من فلاديمير بوتين،
فالرجل يتمتع بذكاء خارق كذكاء ستالين الذي صنع من الإتحاد السوفياتي إمبراطورية
عظمى رغم كل ما قيل عنه لتشويهه. وقد شن الربيع العربي لهدفين،أولهما إضعاف العرب
وتفكيكهم لكي تتسيد إسرائيل المنطقة.
أما الهدف لثاني فهو محاصرة بوتين من خلال إضعاف محور المقاومة ومكوناته
سوريا وإيران وحزب الله و العراق والذين يعتبرون حلفاء روسيا في الشرق الأوسط ومن
يحمي الحدود الروسية من خطر الإسلاميين الذين سبق لهم أن شاركوا في القضاء على
الإتحاد السوفياتي.
يدرك بوتين أن هزيمته في سوريا ستكون البوابة التي يصل من خلالها الأمريكان
إلى القوقاز وهو يمثل خطا أحمرا بالنسبة للروس ، هذا دون نسيان القاعدتين الروسية
في سوريا طرسوس وحميميم وخاصة قاعدة طرسوس البحرية التي تمثل منفذ الروس على
المتوسط. لذلك يخطئ من يراهن على تفريط الروس في سوريا.
في تعليقه على أحداث الغوطة الشرقية يقول بوتين :" يستخدم المسلحون
في سوريا الغوطة الشرقية قاعدة لقصف المناطق الأخرى، كما أن الإرهابيين يقصفون دمشق
يومياً بنحو 70 قذيفة بما في ذلك منطقة السفارة الروسية ".
كما يرى الرئيس الروسي بأن آفاق تسوية المشاكل في سوريا تعتمد على رغبة
أطراف النزاع. وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل إحتلال الأمريكان والأتراك للشمال
السوري وبالنظرإلى ما ترتكبه تركيا في عفرين من إنتهاك وتدخل سافر في السيادة
السورية.
صحيح أن المعركة في سوريا مستمرة ،وأن الأمريكان لم يقروا بالهزيمة .ولكن
صمود محورالمقاومة وعلى رأسه الجيش العربي السوري زهاء سبع سنوات من الحرب الضارية
واستبسال السوريين في الدفاع عن وطنهم بالإضافة إلى مصلحة روسيا الإستراتيجية في
الحفاظ على وحدة سوريا تجعلنا متفائلين بالنصر مهما كانت الصعوبات. كما يجب التنويه
بأن الصراع بين
المحور الروسي والمحور الأمريكي لن ينتهي عند الملف السوري وتاريخ الحرب الباردة
أكبر دليل على ذلك.