لا يُمكن فهم الزيارة المفاجئة لرئيس كوريا
الديموقراطية كيم جونغ أون إلى بكين هذا الأسبوع إلا في ضوء محادثاته المقبلة مع
الرئيس ترامب في الشهر المقبل . ويبقى ما ناقشه الرئيسان شي وكيم خلال هذه الزيارة
لغزاً بعيداً عن العناوين الرئيسة المعتادة لوسائل الاعلام المختلفة.
عززت زيارة الرئيس كيم المثيرة إلى الصين
بالقطار رسالته الحالية حول مفهوم الانخراط في العلاقات الدولية ، وهي أول رحلة
خارجية له منذ توليه السلطة . كما أنها مثلت خطوة جديدة في التحالف الثنائي بين
البلدين. ولكن من غير الواضح تماماً في أي اتجاه؟ وتخضع المعلومات في كوريا
الديموقراطية ، بشكل خاص ، لرقابة شديدة لدرجة أنه لم يتم تأكيد حدوث الزيارة إلا
بعد انتهائها. وبالتالي يجب على الخبراء التمعن في أسطر البيانات الرسمية الصادرة
عن الزيارة لفهم أحداثها في سياقاتها الصحيحة.
لقد تدهور التحالف بين البلدين ، والذي كان
دائماً مشحونًا بالتوتر ، منذ أن تولى الرئيس كيم السلطة. لقد أكدت وسائل الإعلام
الحكومية الصينية على علاقات الصداقة التي تجمع بين البلدين، لكنها وصفتها بأنها "غير
عادية" لكونها تضم ثلاثة أطراف ، وليس طرفين اثنين ، تجمعهما كراهية مشتركة، ولذلك
فهي علاقة مزدحمة بعض الشيء. كان والد وجد الرئيس كيم يزوران بكين بشكل منتظم .
ويرتبط بوضوح قرار الرئيس كيم بزيارة بكين الآن ، بعد مرور أكثر من ست سنوات على
توليه السلطة ، بلقائه المرتقب مع الرئيس ترامب المقرر عقده في أيار المقبل . وهكذا
نجد أن كلاً من بكين وبيونغ يانغ وواشنطن ، الذين يكرهون بعضهم البعض ، عالقون في
مثلث غريب يكتنفه الشك والمخاطر.
ومن الواضح أن كوريا الديموقراطية تحتاج إلى الغذاء والطاقة من الصين ، ولكنها
تغتاظ من حقيقة كونها أصبحت تابعة لبكين في كل شيء تقريباً ، ولذلك طالما سعت إلى
إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة . إن إجراء مثل هذه المحادثات يمنح
الرئيس كيم بلا شك فرصة لإعادة التوازن في علاقات بلاده مع الصين ، ويُشكل لقائه
أولاً مع الرئيس الصيني شي بمثابة رسالة تطمين لبكين بأنه لا يقاطعها . إذ إنها
تقوي من موقفه وتشد من أزره وهو يقترب من عقد مباحثات ثنائية مع الرئيس ترامب ،
وتوفر له الأمان في حال عدم نجاحها.
وفي الوقت نفسه ، لا تريد الصين أن يتم تهميشها في ما يخص الوضع في شبه الجزيرة
الكورية . وقد أعادت هذه الزيارة إقحام بكين في صلب تحركات دبلوماسية تهيمن عليها
كل من سيئول وبيونغ يانغ وواشنطن ، وأعادت تأكيد وضع الرئيس شي . ولم يتم إطلاع
البيت الأبيض على هذه الزيارة إلا بعد مغادرة الرئيس كيم لبكين . وقد تكون هناك
أيضاً فائدة إضافية لبكين من الزيارة تتمثل في زيادة نفوذها لدى الولايات المتحدة
حيث يفرض الرئيس ترامب عقوبات تجارية عليها.
ومن الواضح أن بكين غير مرتاحة للبرنامج النووي لكوريا الديموقراطية لأسباب ليس
أقلها أنها تشجّع سباق التسلح في المنطقة . ولكن النتائج المرجوة منه بالنسبة للصين
تختلف تماماً عن تلك التي ترجوها أمريكا . فمن المؤكد أن الصين لا تريد حدوث هجومَ
عسكري أمريكي شديد الخطورة على عتبة بابها . وهي تفترض أن الحديث عن مثل هذا الهجوم
يهدف إلى تقوية ساعد بكين في ممارسة الضغوط على بيونغ يانغ . لكن من منا يستطيع
الاعتماد على ذلك مع وجود الرئيس ترامب في السلطة وهو محاط بمستشارين مثل جون
بولتون الذي لم يكره الحروب يوماً في حياته .
وفي المقابل ، تعتبر الولايات المتحدة الصين عنصراً أساسياً في حمل كوريا
الديموقراطية على تحسين سلوكها في العلاقات الدولية ، وهذا صحيح جزئياً فقط لكون
بكين لديها أداة تأثير وليس نفوذ تمكنها بالتسبب في انهيار كوريا الديموقراطية ،
ولكن لا تمكنها من تغيير سياستها . ولكن من الأفضل أن تحقق الولايات المتحدة ذلك
بدون أن تقدم للصين شيئاً في المقابل. ومن المؤكد أن الرئيس ترامب يُحب أن يجعل من
نجاح هذه المحادثات نصراً شخصياً يحتسب له خلال ولايته الرئاسية .
ويكمن الخطر هنا في أن تكون نتيجة هذه المحادثات المرتقبة بمثابة كارثة محققة .
فالمفاوضات مع كوريا الديموقراطية تتطلب المهارة والصبر والتنسيق. والرئيس ترامب ذو
نزعة انفرادية متقلبة ، مفعمة بالأنانية ، يسير على جانب تعوزه الخبرة فيه إلى حد
كبير. إضافة الى ذلك ، عندما تتحدث كوريا الديموقراطية عن نزع السلاح النووي ، فإن
ذلك لا يعني بالضرورة بالنسبة لها نفس ما يعنيه الرئيس ترامب . وهناك أيضاً مخاوف
من أن يقدم الرئيس ترامب تنازلات كبيرة على رؤوس المستشارين والحلفاء ، وبنفس القدر
فقد يُنهي أيضاً هذه المحادثات بسرعة ، ويحذر من أن الخيار الوحيد المتبقي امامه هو
استخدام القوة.
ويبقى ما ناقشه الرئيسان شي وكيم هذا الأسبوع لغزاً بعيداً عن العناوين الرئيسة
المعتادة لوسائل الاعلام المختلفة ( قالت وكالة شينخوا الرسمية الصينية أن رئيس
كوريا الديموقراطية قام بهذه الزيارة ليهنئ الرئيس شي جين بينغ شخصياً بمناسبة
إعادة انتخابه رئيساً للصين، وهو ما يتوافق مع التقاليد الودية بين البلدين ـ
المترجم ) . فهل وافقت الصين يا ترى على خفض حدة التوتر في شبة الجزيرة الكورية ؟
وإلى أي مدى تمكن الطرفان من تنسيق مواقفهما حول القمة القادمة ؟ لكن الغموض يظل
يُعتّم حسن الرؤيا على اللاعبين والمشاهدين أيضاً . وكل طرف لديه في أفضل الأحوال
معرفة جزئية بمصالح وأولويات وتكتيكات الطرف الآخر . وإذا ما التقى الرئيسان ترامب
وكيم كما هو مخطط لهما ، فإن الجهل وسوء الفهم قد يكون لهما عواقب مخيفة حقاً .
صحيفة الغارديان . الجمعة 30-3-2018 .
الرابط : https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/mar/29/the-guardian-view-on-north-korea-and-china-three-in-this-relationship