المبحث الأول: لمحة تاريخية عن بدايات نشأة
الدبلوماسية:
نشأ القانون الدبلوماسي عُرفيًا، وبدأت عملية تدوين قواعد العمل الدبلوماسي تدريجيا
من خلال النصوص المكتوبة من قوانين ومراسيم وتشريعات داخلية أهمها القانون
البريطاني الخاص بالامتيازات الدبلوماسية لعام 1708.
ومنذ القرن الخامس عشر برزت الحاجة لتحديد وتنظيم وتقنين قواعد الدبلوماسية على
الصعيد الدولي سيما بعد الانتقال الى مرحلة الدبلوماسية الدائمة، فأصبحت المعاهدات
والاتفاقيات الدولية من المصادر الأساسية للعلاقات الدبلوماسية، وأهم تلك المصادر
كانت:
أ - معاهدة او اتفاقية " ويستفاليا " لعام 1648
التي جاءت بعد حروب طائفية ومذهبية وسياسية مُدمّرة في القارة الأوروبية كما ( حرب
الثلاثين عاما ) بين عامي 1618 و 1648 ، وهي سلسلة صراعات دامية وقعت بداية في
أراضي الإمبراطورية الرومانية المقدسة ( أراضي ألمانيا الحالية) بين البروتسانت
والكاثوليك وشاركت فيها معظم القوى الأوروبية ما عدا إنكلترا وروسيا، ثم انتهت
كصراعٍ سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى.
وكذلك كانت حرب الثمانين عاما، أو حرب الاستقلال الهولندية عن أسبانيا، بين عام
1568 وحتى 1648 .
ولا ننسى أيضا قبل كل ذلك وقعتْ حرب المئة عام وكانت عبارة عن صراع طويل بين فرنسا
وإنجلترا، وقد دام 116 سنةَ مِنْ 1337 إلى 1453. وقد إدّعى الملوكُ الإنجليزُ
العرشُ الفرنسيُ وكافحوا من أجله. هذه الحرب قوطعتْ بعِدّة فترات طويلة مِنْ
السلامِ قَبْلَ أَنْ تنتهي بطردِ الإنجليزِ مِنْ فرنسا، باستثناء كاليه.
المهم جاءت اتفاقية ويستفاليا عام 1648 لتضع حدّا لتلك الحروب الدينية والسياسية
وباتت أحد المصادر الأساسية للعلاقات الدبلوماسية. كما أعادت مبدأ التوازن الأوروبي
ومبدأ البعثات الدبلوماسية الدائمة لمراقبة هذا التوازن.
ب - مؤتمر فينيا لتسوية النزاعات عام 1815 التي انبثقت عنه معاهدة فيينا.
ج - بروتوكول إكس لاشابيل Aixe La Chappel، المبرم عام 1818، ويُعدُّ بمثابة
معاهدة، وتضمّن عدداً من الأعراف والقواعد في أسبقية رؤساء البعثات الدبلوماسية
ومعاملتهم ودرجاتهم، ويُعد علامة بارزة في تطور البروتوكول الدبلوماسي.
د - اتفاقية هافانا لعام 1928 و التي تتعلق بالتمثيل و الحصانة.
ه - إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
و - اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعون بحماية
دولية، بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون لعام 1973.
إذا كل هذه الاتفاقات والمعاهدات باتت من المصادر الأساسية للعلاقات الدبلوماسية
عبر التاريخ الدبلوماسي. و بصفة عامة، نظّمت هذه الاتفاقيات عمل البعثات
الدبلوماسية الدائمة والمؤقتة، بوضعِ أهم المفاهيم الأساسية للقانون الدبلوماسي
والمتمثل في مفهوم الحصانة الدبلوماسية بكل عناصرها : أي حصانة فريق العمل
الدبلوماسي، وحصانة البعثة الدبلوماسية ومقراتها، وأمن المراسلات والحقائب
الدبلوماسية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حصانة الدولة.
وقد تطور مدلول الدبلوماسية مع الزمن وأصبح يشير إلى معان مختلفة، فهو يستعمل اليوم
إما دلالة على النهج السياسي المتبع في زمن معين، وإما للدلالة على اللباقة
والكياسة والدهاء التي يتحلى بها شخص ما بالنسبة إلى علاقاته مع الغير، فيقال
مثلاً: أن فلاناً يتحلى بدبلوماسية رفيعة.
وإما للدلالة على المفاوضات وما يتبعها من مراسم، فيقال: أن هذه المعضلة الدولية
مفتقرة إلى حل دبلوماسي أو قولنا: " حل المنازعات بالطرق السلمية"، أي عن طريق
المفاوضات والاتصالات بمعنى عدم اللجوء إلى العنف.
وتستعمل بمعناها الواسع حين الإشارة إلى التاريخ الدبلوماسي لدولة ما أو لفترة
زمنية معينة لتعنى التسلسل التاريخي للعلاقات الرسمية بين الدول فيقال مثلا
دبلوماسية الدولة الفلانية خلال الأزمة الفلانية .
وعموما واعتمادا على ما سبق فان العلاقات الدبلوماسية تجد مصدرها في القانون
الدبلوماسي أحد فروع القانون الدولي العام الذي يضم مجموعة من القواعد القانونية
التي تهتم بتنظيم العلاقات السلمية بين أشخاص القانون الدولي بالاضافة الى فن إجراء
المفاوضات من أجل الحفاظ على المصالح المتبادلة .
المبحث الثاني: مفهوم الدبلوماسية
بداية الدبلوماسية، وكما وردَ في كتاب (الدبلوماسية) الصفحة التاسعة للدكتور علي
حسن الشامي الصادر عن دار العلم للملايين في بيروت، هي: عِلمٌ وفن . عِلمٌ ، لأنها
تقوم على أسس ، وتعتمد على قواعد، وتخضع لأصول، وتتطلب إلماما عميقا بكل جوانب
القانون الدولي، ومعرفة دقيقة بكل مراحل التاريخ الدبلوماسي ، وإحاطة شاملة بكل
أنواع المعاهدات الدولية.. وهي فنٌّن لأنها تتطلب مواهب وطاقات وكفايات معينة لا
تتوافر في أي إنسان. فالشهادة الجامعية وحدها لا تكفي .
في " الموسوعة السياسية"، الدبلوماسية هي كلمة يونانية الأصل، مشتقة من اسم دبلوما
“Diploma” المأخوذة من الفعل “Diplom” وكانت تعني الوثيقة التي تصدر عن أصحاب
السلطة والرؤساء السياسيين للمدن وتمنح حاملها امتيازات معينة. وقد استخدمها
الرومان فيما بعد للإشارة إلى الوثيقة المطويّة، أو المكتوبة التي تُطوى بشكل خاص،
وتُعطي بعض الامتيازات لمن يحملها مثل جواز السفر، أو الاتفاقات التي كانت تُعقد
لترتيب العلاقات مع الجاليات، أو الجماعات الأجنبية الأخرى.
وقد امتدّتْ لفظة دبلوماسية فيما بعد وحتى نهاية القرن السابع عشر، لِتشمل الأوراق
والوثائق الرسمية وكيفية حفظها وتبويبها، وترجمة كلماتها وحلّ رموزها من كُتّاب
متخصصين، أو ما يسمى أمناء المحفوظات. وأُطلِق على من يقوم بهذه المهمة اسم
الدبلوماسي، وأُطِلق على العلم المتخصص بهذا الموضوع اسم الدبلوماسية وذلك نسبة إلى
الدبلومات.
ولم يتم استخدام لفظ الدبلوماسية أو الدبلوماسي للإشارة إلى المعنى المتعارف عليه
اليوم، وهو إدارة العلاقات الدولية إلا في نهاية القرن الثامن عشر وتحديداً عام
1796، حيث استعملت كلمة “Diplomacy” باللغة الإنكليزية في إنكلترا وأصبحت الكلمة في
ذلك الوقت تُطلق على ممثلي الدول الأجنبية الذين يحملون كتب اعتماد من دُولهم. كما
عُرفت عند قيام الثورة الفرنسية بمعنى التفاوض، وعُرف الدبلوماسي بأنه المفاوض.
وأخَذَت كلمة الدبلوماسية تتبلور وتكتسب بصورة محددة قواعدها الخاصة وتقاليدها
ومراسمها على إثر مؤتمر فيّنا لعام 1815، وفي ضوء هذا التطور ظهرت كوادر دبلوماسية
متخصصة ومتميزة عن غيرها من رجال السياسة.
إن هذا الاختلاف في تاريخ استخدام كلمة الدبلوماسية تجاوزه الأسبان فكانوا أول من
استخدم كلمة سفارة وسفير، بعد نقلها عن التعبير الكَنَسي (Ambactus) بمعنى الخادِم
و (Embassy) بمعنى السفارة. واتسع مفهوم الدبلوماسية فيما بعد وأصبحت تستعمل في عدة
معان:
معنى المهنة، ومعنى المفاوضات، ومعنى الدهاء و الكياسة، ومعنى السياسة الخارجية...
ويَذْكُر "عز الدين فوده"( أستاذ المنظمات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
بجامعة القاهرة، والمتوفى عام 2005)، أن كلمة دبلوماسية قد تطورت وانتقلت من
اليونانية إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأوربية وبعدها إلى العربية مشيراً إلى
أنها استعملت في معنيين:
المعنى الأول: الشهادة الرسمية أو الوثيقة التي تتضمن صفة المبعوث، والمهمة الموفد
بها والتوصيات الصادرة بشأنه من الحاكم بقصد تقديمه وحسن استقباله أو تسهيل انتقاله
بين الأقاليم المختلفة.
المعنى الثاني: وهو الذي استعمله الرومان لكلمة دبلوماسية، والذي كان يُعبِّر عن
طباع المبعوث أو السفير، وما كانت تقتضيه التعليمات الموجهة إلى البعثة من وجوب
الالتزام بالآداب وإنماء المودة وتجنب أسباب النقد.
وعموماً فإن تطور كلمة دبلوماسية ارتبط على مر الزمن بتطور الممارسة الدبلوماسية
إلى أن شاع استعمالها بالمعنى المتعارف عليه في القرن التاسع عشر في أوربا عندما
عُقدت "اتفاقية فينا " في نيسان عام 1961 ودخلَتْ حيِّز التنفيذ في نيسان 1964 ،
والتي حددت الوظائف الدبلوماسية، ونظمت ترتيب أسبقية رؤساء البعثات الدبلوماسية
ومزاياها وخصائصها.
في كتاب " التاريخ الدبلوماسي" للأستاذ ج. ب. دُروزيل، أستاذ التاريخ الحديث في
جامعة " لِيل " الفرنسية ، والمُترجَم إلى العربية من طرف الدكتور " نور الدين
حاطوم" أستاذ التاريخ الحديث في جامعة دمشق سابقا، فإنه ينظر إلى تاريخ العلاقات
الدولية في أوروبا في القرن العشرين، وما سادها من حروب منذ العام 1900 وحتى عام
1939، بداية الحرب العالمية الثانية، ومن ثمّ بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام
النظام الجديد في أوروبا وفترة الحرب الباردة في الخمسينيات، على أنه كله "تاريخ
دبلوماسي" !.
وهذا يُذكِّرنا بقول المفكِّر العسكري الألماني المعروف " كارل فون كلاوزفيتش Carl
Von Clausewitzالمتوفى عام 1831، وصاحب المقولة الشهيرة : " إن الحرب هي استمرار
للسياسة ولكن بوسائل أخرى " . فحينما نتحدث عن التاريخ السياسي وعن تاريخ الحروب
ونضع كل ذلك تحت عنوان " التاريخ الدبلوماسي" فإنما نحنُ نتفق مع نظرية كلاوزفيتش.
ولكن علينا أن لا ننسى إطلاقا أن هذا "التاريخ الدبلوماسي" الذي تحدّث عنه ج. ب.
دُروزيل، هو من خلقَ لنا مشكلة فلسطين، واغتصاب الصهاينة لها، إذ أن ما ارتكبهُ
النازيون في ألمانيا ضد اليهود، قد أثار عاصفة من عطف الرأي العام العالمي معهم،
وكان ذلك على حساب شعب فلسطين وعلى حساب العرب. وكانت الدبلوماسية البريطانية
والأمريكية تأخذان بتوصيات " الوكالة اليهودية " ، وهذا ما تجلّى في موافقة لجنة
التحقيق المشتركة الإنكليزية ــــــ الأمريكية حول فلسطين، في تقريرها في نيسان
1946 حينما أوصَتْ، بناء على اقتراح الوكالة اليهودية، بإدخال 100 ألف يهودي من "
ضحايا" النازية إلى فلسطين. هذه كانت دبلوماسيتهم. (1)
سيتم نشر باقي البحث لاحقا على شكل أجزاء
للتذكير مخطط البحث:
مُخطّط البحث:
المبحث الأول: لمحة تاريخية عن بدايات نشأة الدبلوماسية:
أ - معاهدة او اتفاقية " ويستفاليا " لعام 1648
ب - مؤتمر فينيا لتسوية النزاعات عام 1815 التي انبثقت عنه معاهدة فيينا.
ج - بروتوكول إكس لاشابيل Aixe La Chappel، المبرم عام 1818
د - اتفاقية هافانا لعام 1928 و التي تتعلق بالتمثيل و الحصانة.
ه - إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
و - اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعون بحماية
دولية، بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون لعام 1973.
المبحث الثاني: مفهوم الدبلوماسية
المبحث الثالث: تعريف الدبلوماسية
المبحث الرابع: الدبلوماسية في حضارة الشرق القديم
1.الدبلوماسية في الصين القديمة
2.الدبلوماسية في الهند القديمة
3.الدبلوماسية في عهد الإغريق
4.الدبلوماسية في عهد الرومان
5.الدبلوماسية في عهد البيزنطيين
6.الدبلوماسية لدى الشعوب القديمة
7.الدبلوماسية في حضارة الشرق الأوسط القديمة
8. الدبلوماسية في التاريخ الإسلامي
المبحث الخامس: مصادر القانون الدبلوماسي
المبحث السادس: الدلالات الإيحائية التي تُقلّل من شأن الدبلوماسية
المبحث السابع: الألقاب الدبلوماسية والقنصلية
المبحث الثامن: الحصانات الدبلوماسية
المبحث التاسع: البعثات الدائمة لدى المنظمات الدولية وحصاناتها وامتيازاتها
المبحث العاشر: الدبلوماسية الوقائية
المبحث الحادي عشر: الحماية الدبلوماسية وأساسها القانوني
المبحث الثاني عشر: استدعاء الممثل الدبلوماسي وطرد الدبلوماسيين وقطع العلاقات أو
تجميدها
المبحث الثالث عشر: مسألة اللجوء السياسي إلى مقر البعثة
المبحث الرابع عشر: البعثات الخاصّة
المبحث الخامس عشر: الحصانة الدبلوماسية وحقوق الإنسان
المبحث السادس عشر: الحصانات وامتيازات الموظفين الدوليين
المبحث السابع عشر: الدبلوماسية العربية
رائع ... بانتظار كل الأجزاء.