حدثنا عيسى بن هشام ، عن بطل من هذا الزمان ، فقال :
و بعد سنين من الانتظار و الصبر ، رزق الزوجان بولدهما البكر
فكانت فرحتهم لا توصف و لا تقدر بثمن ، فقد جاء من ينسيهم الهموم و المحن
و سيحقق حلمهم في أن يكون بطلاً يسهم في بناء هذا الوطن .
و مضت السنين و الأيام ، إلى أن حان الوقت الذي سيدخل فيه فارسنا المقدام ، إلى المدرسة ، ليتعلم و يدخل كما أراد له أبواه الطب أو الهندسة .
و بعد نجاحه في المدرسة و انتهائه من تحصيله الجامعي ، أصبح الوضع لديهم مأساوي
فابنهم و بطل هذا الوطن بات يشعر بالضجر ، و ظهرت في الأفق عقود للسفر
فكان لا بد من السؤال عن مستقبل السفر أو البقاء ، ليحقق النجاح في وطنه دون ذاك العناء
و بدأ البحث عن ذلك الخبير الذي سيهديه لطريقه في هذا الوطن .
و كان يلوح في مسامع الجميع اسم " شريف أبو أمانة "
فهو معلم قدير ، و مستشار خبير ، و قد تخرج من تحت يديه الطبيب و المهندس و حتى الوزير ، و تربطهم به علاقة حميمة،
و بعد الشرح و الإفصاح ، أراد الخبير " شريف " أن يتم الإيضاح ،
فقال لبطلنا ، اسمعني يا صاح :
إن كنت تريد أن تكون ذو قيمة و فكر ، و أن تصبح بطلاً في عالمه ليلبس أكاليل النصر
و تبحث عن الإيمان و الأخلاق ، و تبتعد عن الكذب و النفاق
و تتمسك باحترام نفسك بحيث لا تكترث لمديح الناس و إطراء الكثير ، بل تصغي لما يمليه عليك الضمير
و يتتبعك الناس فلا يرون فيك محلاً لغير الخير و الجمال ، و لا موضعاً سوى للحق و الكمال
فأنصحك يا صاحبي أن تكمل أحلامك في عالم الخيال ، أو بجانب ضريح الجندي المجهول
فليس لك مكان هنا و لا لأحلامك الجميلة هذه
.....................
و أما إن كنت تريد أن تكون رجلاً من هذا الزمان ، يعيش عالمه الحقيقي في هذا المكان
فيحييه الناس في الطرقات ، و يسافر في المركبات المحجوزة و ينزل في أفخر النزلات
و يرى بأن الفضيلة و المبادئ كلمات و صفات الأموات .
فأنا مقتنع بأنك ستكون ذو نهاية ثرية محتومة ، و ستصبح موظف في الحكومة .
و لذا أقول لك هذه الكلمات :
احرص على ألا تذكر نفسك إلا بخير ، و طبل و زمر لذلك بلا ضير
و لا تقف في هذا عند حد ، بل عظم نفسك و ترنم بالثناء عليها و سرد مناقبها و مآثرها و بكل جد
و استعمل لذلك جهدك من الفصاحة ، و أضف لنفسك أفخم الصفات بعيداً عن الصراحة
و ارفع أعمالك إلى السماء السابعة ، و قل بأنها ذات صبغة صادقة و من القلب كانت نابعة
و أكد لسامعيك أن العالم بأسره معجب بها
و لا تنس إذا لزم الأمر ، أن تنقل بعض أقوال المعجبين و المقرظين لهذا الفكر
فإن لم يكن قد بلغك منها ما تنقله لآراء الجماعة ، فاختلقها للتو و الساعة
و سترى أي نجاح تصيب إذا انتصحت بنصيحتي .
نعم إن من الشرفاء من يسخر منك و يستوقح فيك بنظره هذا الغباء ، و لكن أين هم العقلاء ؟؟
و لا تتمسك بإتقان عملك كثيراً، فمهما عظم سيظل في نظر الكبار صغيراً
لأنك ان اعتمدت على مقولة أن العمل الجيد يفصح عن نفسه
فإن صوت الأعمال خافت و يغطي عليه صخب المسؤول عنك و ناسه
فما بالك يا بني تبدد عمرك بالأمانة و الاجتهاد ، فلست ممن يريدون طريق الهدى و الرشاد
إنما عليك أن تدرس أطوار الجمهور ، و تتعلم كيفية استثارة الحضور
و اعلم أن سواد الناس لا طاقة لهم بالتمييز و الحكم ، فإن أنت أقنعتهم فلن يفرقوا حينها بين المدح و الشتم
و ليس لهم فكر ممحص أو نظر بعيد ، وهم أبعد ما يكونوا عن الرأي السديد
و اعلم أن سواد الناس بلداء الإحساس ثقال السمع لا يفهمون التورية و المزاح
فانسب كل حسن إليك ، و حاول أن تلقي بأخطائك على أكباش الفداء لديك
و اعلم أن سواد الناس ضعاف الذاكرة ، فكرر وعودك الكاذبة لهم حتى ولو قلتها للمرة العاشرة
و لا تحجم عن طريق تؤديك إلى غرضك فإنك متى أدركته لم يذكر احد ، كيف وصلت إليه
فبهذه المبادئ الأساسية تصبح غنياً و عظيماً و تصل إلى مبتغاك و تستتب لك أمور دنياك
**************
" تنويه : عفواً نسيت أن أخبركم أن المحدث ليس عيسى بن هشام ، و إنما هو نوردو اليهودي ، و قد استقيتها من فكره العقاد في ذكرى وفاة نوردو في جريدة الأهرام أيام الخمسينات "
************
m.3ssaf 27/9/2010