عيناها مغمضتان تنهمر منهما الدموع، شفتاها المنفرجتان تهتفان باسمه، وجهها النائم يختلج بألم، أنفاسها المتهدجة ارتفعت في صمت المخدع. ومن آن لآخر ترفع يدها بحركات لا إرادية لتتحسس خصلات شعرها. وعلى المخدع الحريري، بجوارها بالضبط، ضفيرة مقطوعة- بطولها تقريبا- ممددة على نفس السرير.
تناديه، تناجيه، تعاتبه، تشتاق إليه، تستدعي روحه من بين الأرواح، تشف وكأنها أثير، تبحث عنه في الخيالات الهائمة، تهتف باسمه في المخدع الصامت، ولم يكن هناك من يسمعها إلا الجدران وطاولة الزينة، ونصف السرير البارد منذ أن رحل، هناك في عالمه الآخر بعيدا عن الدنيا.
في البدء ظلت تعاند الحقيقة، تقضي النهار كيفما اتفق، وفي المساء تتزين له وكأنه لم يمت، تمشّط جدائلها بعناية من المنبت حتى نهاية أطرافها. شلال شعرها المنسكب حتى أطراف أقدامها، تاجها الذي لم تقاسمه فيه امرأة، ضفيرتها التي أحبها حتى غارت منها، يدفن فيه وجهه مستنشقا عبيرها، هامسا بأسرار لا تسمعها، يدللها وكأنها امرأة أخرى. حبه الجنوني لشعرها كان يسعدها وأحيانا يضايقها.
في البدء كان يزورها كثيرا في المنام، يهيمن عليها، يتخللها، يمتزج بها، تستيقظ كل صباح على طعم حضوره وأنفاسه اللاهبة. على رائحته الرجولية التي تود لو تعبأها في أثمن قواريرها.
لا تدري ماذا حدث! صار طيفه يغيب بالأسابيع. تستيقظ كل صباح على طعم الخيبة، وخواء فظيع في ذلك الموضع الذي يسمونه القلب. لكن المشكلة كانت في المرأة الأخرى، الأنثى في الضفيرة لم تعلم النبأ المشؤوم، لم تفهمه، بالتالي ظلت تنتظره، تفتقد لمساته الحنون وأنفاسه اللاهثة.
غيابه جعل شعرها عبئا لا يُحتمل. تشعر به وكأنه امرأة أخرى يلهبها الحرمان إليه. امرأة كفّت أن تنافسها واكتفت بتعذيبها، مخلوق عطشان إلى أخر حدود العطش.
..............
في هذه الليلة كان غيابه قد طال عنها، وبدأت تشعر بالغضب. هل تعلّق بامرأة هناك!. قصت شعرها وكأنها تقتل مخلوقا حيا، اختلجت الأنثى الأخرى في يدها ثم لفظت أنفاسها، ووسط دموعها وضعتها على السرير، وجلست بجوارها تنتحب.
لا تدري متى انزلقت إلى النوم ولا متى جاء لها!. كان شاحبا منطفئا حزينا لائما، عيناه تسألاها عما فعلته بشعرها!. حاولت أن تبرر له، تعتذر إليه، لكنها لم تقدر أن تنطق بكلمة واحدة. راحت تبكي وكأن يدا خرافية تعتصر قلبها وتوشك أن تقتلعه من مكمنه.
كانت تعرف أنه ضعيف أمام دموعها، بالفعل شاهدت وجهه يرق وملامحه تلين لها. ابتسم فأشرقت روحها، ثم اقترب فابتسمت في خجل، ثم لم تدر بعدها ماذا حدث، شاهدت- وهي مغمضة العينين- ضفيرتها تطير في الهواء- وكأن يدا غير مرئية ترفعها- ثم تعود لتلتحم بشعرها.
..............
حينما استيقظت في الصباح مفعمة بحضوره، سعيدة رغم عينيها المنتفختين، ومن قبل أن تنظر في المرآة أو حتى تتحسس شعرها، لم يكن يراودها شك أن ضفيرتها قد عادت إلى سابق عهدها.
هناك همسات لطيفة في هذه المشاركة،... لكني لست مع أن تجعل المرأة كل ها فيها لرجل،... فلها الحق والحرية والأهمية أن تكون لنفسها هي وبكل ماعندها من جمال،... شكرا دكتور جندي وبانتظار جديدك
أيها الفاضل .. منذ زمن لم أقرأ نصا بهذه الرومانسية المفعمة .. القصة متكاملة حبكتها رائعة .. وموسيقاها أروع .. شكرا لأنك أسعدت ذائقتي ..