syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
يجب استخدام اساليب ادارة معاصرة غير تقليدية ..ج 1... بقلم : عبد الرحمن تيشوري

المطلوب منا في سورية الآن هو الانتقال إلى استخدام أساليب الإدارة المعاصرة كأداة لإحداث التغيير المدروس الهادف إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مناسبة قادرة على تحسين الأوضاع المعيشية لكافة أفراد المجتمع .


أولاً : مقدمة

تعتبر الإدارة من أهم العناصر الحركية الهادفة إلى دفع حركة الإنتاج وتحسين مستويات الأداء ، حيث أن تحقيق التقدم والتطور في كافة ميادين الحياة يتوقف بالدرجة الأولى على مدى كفاءة أجهزة الإدارة العامة في فهم واستيعاب الأهداف الحالية والمستقبلية لحركة التطور والعمل على تحويلها إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع .

ولن تقوى أجهزة الإدارة العامة التقليدية المتقوقعة والمتمسكة بالنهج القديم على النهوض بعملية الإصلاح الإداري الذي يقود إلى الإصلاح الشامل بالنسبة : لأحداث تغييرات هيكلية واسعة للتخلص من التعقيدات الإدارية وتبني أساليب متطورة تكفل ترشيد اتخاذ القرارات وتعظيم المنافع من خلال الاستخدام العقلاني لكافة الموارد المتاحة ، الابتعاد عن القوالب النمطية الموحدة التي تشل حركة الإبداع والابتكار ، التحول إلى المزيد من اللامركزية ومنح الإدارات التنفيذية المزيد من الاستقلالية الإدارية والمالية ، إشراك المؤسسات الرسمية والمجتمعية في اتخاذ القرارات الهامة وتحمل نتائجها ، المطلوب منا في سورية الآن هو الانتقال إلى استخدام أساليب الإدارة المعاصرة كأداة لإحداث التغيير المدروس الهادف إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مناسبة قادرة على تحسين الأوضاع المعيشية لكافة أفراد المجتمع . إن إحداث كل هذه التغييرات الجذرية في الأوضاع والمفاهيم والأساليب الإدارية وتفاعلاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وفي فلسفة وبيئة الإدارة السورية تستدعى بالضرورة تدخل السلطات السياسية العليا لإقرار خطط وبرامج الإصلاح الإداري لإزالة كافة القيود والعراقيل التي تحد من حركة التفاعل الطبيعي بين المتغيرات ذات العلاقة بالإدارة وإطلاق قوى الضبط الطبيعية المستمدة من واقع العمل والإنتاج لتمارس تفاعلاتها المنطقية التي تتحكم بها المعايير العلمية الإدارية منها والاقتصادية في إطار الأهداف والسياسات التي توفر عنصر الضبط والتحكم الرشيد في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والإداري التي تعالج كافة الظواهر المسببة للفساد والتخلف الإداري .

 

ثانيا: مفهوم الإصلاح الإداري

من السمات الأساسية التي يتصف بها علم الإدارة وتطبيقاته المختلفة في كافة ميادين الحياة هي الديناميكية والحركية وسرعة الاستجابة للتطور والتقدم العلمي والتقني وبما يتماشى مع التغييرات الحاصلة في البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ولذلك كانت ولا تزال تظهر اتجاهات جديدة في مختلف دول العالم وخاصة المتقدمة منها تؤكد ضرورة تحديث الأنظمة والهياكل الإدارية وأساليبها وأدوات وتقنيات عملها. وذلك من أجل رفع وتحسين مستوى كفاءة الأجهزة العامة للإدارة .

لقد قدم علماء الإدارة مجموعة كبيرة من المصطلحات الدالة على عمليات التحديث والتطوير منها : التنمية الإدارية ، الإصلاح الإداري ، التطوير الإداري ، إعادة الهيكلة ، الهندرة ، أعادة اختراع الحكومة وغير ذلك كثير من المصطلحات . لكن جميع هؤلاء العلماء لم يتمكنوا من تقديم تعاريف موحدة لهذه المفاهيم نظراً لتباين مدارسهم واتجاهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية .

- المدلول الإداري لمفهوم الإصلاح الإداري

الإصلاح الإداري وفقاً لهذا المدلول يعني أن القيام على فكرة " الثقة في أن الدول الغربية قد حققت أفاقاً عالية من الكفاءة الإدارية ، تلك التي يكون نقلها إلى الدول النامية أمراً ضرورياً ، ويكون الإصلاح الإداري طبقاً لهذا التعريف هو عملية نقل التكنولوجيا الغربية .

كما عرف مؤتمر الإصلاح الإداري في الدول النامية الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة بجامعة ساسكي البريطانية لعام 1971 " عملية الإصلاح الإداري على أنها حصيلة المجهودات ذات الإعداد الخاص التي تستهدف إدخال تغييرات أساسية في المنظمة الإدارية العامة من خلال إصلاحات على مستوى النظام جميعه ، أو على الأقل من خلال معايير لتسحين واحدة أو أكثر من عناصرها الرئيسية مثل الهياكل الإدارية والأفراد والعمليات الإدارية .

كما هو واضح من التعريفيين السابقين فإن الأول تناول مسألة الإصلاح الإداري على أنها عملية نقل تقانات فقط من الدول المتقدمة إلى الدول النامية متجاهلاً مسائل الإصلاح المرتبطة بالهياكل والنظم الإدارية وتخفيف المركزية وتطوير الأطر البشرية وغيرها. أما التعريف الثاني فإنه لم يتطرق لأثر البيئة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية على نشاطات الإصلاح وهذا يعني إنكار هذه المدلولات الرئيسية في أية مسألة للإصلاح الاقتصادي أو الإداري .

وبناء على ما تقدم يمكن التأكيد على أن المدلول الإداري لمفهوم الإصلاح يجب أن يعالج المسائل المتعلقة بكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية .

ويؤكد بعض الخبراء في الإدارة رداً على المدلول الإداري لمفهوم الإصلاح " أن هناك مشاكل معينة تعوق عمل المنظمات الإدارية أي تعوق سبيل تحقيقها لأهدافها العامة وتلك المشكلات أو المعوقات تحتاج لعلاج أو لإصلاح إداري كي تتمكن الإدارة العامة من تأدية واجباتها في تحقيق الأهداف العامة . ومرد تلك المشكلات إلى أحد أمرين : فإما أن تكون نابعة من داخل أجهزة الإدارة العامة أي أن أسبابها كامنة داخل الأجهزة أو المنظمات الإدارية العامة ، وأما أن تكون نابعة من خارجها أي من البيئة الخارجية والأجهزة السياسية والاقتصادية . " وهناك فريق من الباحثين يفند المدلول الإداري للإصلاح على اعتبار أن هذا الأخير له أبعاد أوسع وأشمل من مجرد حصره في نطاق الجهاز الإداري المحدود ، حيث أن أي نظام يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مجموعة نظم أخرى ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تؤثر وتتأثر بالنظام الإداري السائد . وهذا يعني أن " أي تغيير إداري غير كاف ما لم يكن جزءاً من تغيير شامل بجميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

 

- المدلول السياسي لمفهوم الإصلاح الإداري

 

يربط العديد من الباحثين الإداريين الإصلاح الإداري بالإصلاح السياسي أو( بالنظام السياسي) لدرجة أن البعض يؤكد أن الإصلاح الإداري يقوم أساساً على الإصلاح السياسي وبدون هذا الأخير لا معنى للأول وخاصة في الدول النامية حيث عرف البعض الإصلاح الإداري بأنه " تلك العملية السياسية التي تصيغ من جديد العلاقة ما بين السلطة الإدارية والقوى المختلفة في المجتمع". وهذا يستتبع أن مشاكل الجهاز الإداري هي بالأصل سياسية وبالتالي فإن معالجتها يجب أن تأتي من قمة الهرم السياسي ، على اعتبار أن وظائف الدولة تتسع وتتعمق أفقياً و شاقولياً .

يؤخذ على هذا المدلول أنه يوازن مابين السلطة التنفيذية وباقي سلطات الدولة من حيث ضرورة التوافق في برامج الإصلاح بالنسبة لمستويات التنظيم الإداري والسياسي ، لأن تغليب الإصلاح الإداري على السياسي سيقود إلى سيطرة الجهاز الإداري على سياسة الدولة . لهذا فإنه من المطلوب تحقيق التوافق في برنامجي الإصلاح الإداري والسياسي معاً

 

- المدلول الاجتماعي لمفهوم الإصلاح الإداري

 

ترجع أهمية هذا المدلول إلى نشأة علم اجتماع الإدارة العامة , ذلك العلم الذي كان له أكبر الأثر في توجيه أنظار الباحثين إلى أهمية الوسط الاجتماعي في دراسات الإدارة بصفة عامة وفي جهود الإصلاح الإداري بصفة خاصة ، حيث أن الأساليب والمفاهيم الإدارية ما هي إلا العناصر اللازمة لكي تحقق المنظمات الإدارية أهدافها في إطار اجتماعي محدود لها في ضوء الظروف والمعطيات الاجتماعية ، ولهذا فإن العملية الإدارية لا يمكن استيعابها إلا بالفهم الكامل لإبعاد الوظيفة الاجتماعية للمنظمة ، حيث أن المنظمات الإدارية ما هي إلا أنظمة اجتماعية فرعية تتكامل في نظام أكبر هو النظام الاجتماعي .

ويؤكد بعض الخبراء البعد الاجتماعي " للإصلاح الإداري الذي يربطه بعملية ترشيد وإصلاح يساعد على التقدم والتحول في البناء الاجتماعي وهو يعكس إلى حدٍ ما إيديولوجية النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة " .

ويرى فريق آخر من العلماء أن اختلاف أراء الباحثين حول مفهوم الإصلاح الإداري يعود لعدة أسباب أهمها : أن الإصلاح الإداري له مفهوم معياري قيمي وله أبعاد أخلاقية متعددة ذات أهداف تختلف معايير قياسها ( الإصلاح يمثل عملية تنموية وسياسية واجتماعية لها جوانب تنفيذية واقتصادية ) ليس علاجاً فقط لسلبية إدارية بل هو مضامين سياسية واجتماعية وارتباط بعملية تحول من وضع لآخر .

يعتبر جيرالد كايدن من أهم أنصار البعد الاجتماعي للإصلاح الإداري حيث يرى أن " التغير الاجتماعي يشكل الإطار العام للإصلاح الإداري ، ولا يمكن التحدث عنه بمعزل عن التغير أو التطور الاجتماعي إذ أن كليهما يساند الآخر ويتداخل معه هذا يعني بأن الإصلاح الإداري هو نتيجة حتمية وطبيعية لتطور القوى الاجتماعية التي تسعى لتحقيق التطور الإداري المطلوب ليس بصورة تلقائية بل بصورة إرادية مدروسة .

وهكذا فإن المدلول الاجتماعي للإصلاح الإداري لا يمكن تجاهله على اعتبار أن " الارتباط بين النظام الإداري من ناحية والنظام الاجتماعي من ناحية أخرى . وهي حقيقة علمية تقوم عليها نظرية الإدارة العامة ، ولا مناص من الأخذ بها كشرط أساسي لتطبيق الأسلوب العلمي للإصلاح الإداري" .

من خلال الاستعراض السريع لمدلولات الإصلاح لأدارى من النواحي الإدارية والسياسية والاجتماعية فإنه لا يمكننا إلا أن نسلم بضرورة تكامل هذه الأبعاد الثلاثة مع بعضها البعض لتشكل النسيج الشامل والمتوازن لمفهوم الإصلاح الإداري الذي لا تكتمل مضامينه في ظل غياب البعدين السياسي والاجتماعي .

يتبع
2011-03-12
التعليقات