في حفل وداع بسيط تم تكريم المهندس محمد بعد مرور خمسة و عشرين عاماً قضاها في مدينة أبها السعودية حيث أكد المدير العام للشركة في كلمة الوداع اللطيفة التي ألقاها أمام بعض الحضور إن شركتنا لا يمكن أن تنس تلك الأيادي البيضاء التي تعبت و كلت وعملت بكل شرفٍ و إخلاصٍ من أجل الرقي بهذه الشركة و تحويلها من مجرد مكتب هندسي بسيط إلى شركة هندسية استشارية ضخمة تعتبر من أكبر شركات المملكة .
و لولا الأزمة الصحية الحرجة التي تعرض لها كبير المهندسين في هذه الشركة لكان من المستحيل الاستغناء عن خدماته الجليلة التي قدمها و لكن هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وحيث إن صحة السيد محمد و حياته هي فوق كل مصلحة واعتبار و تم بعون الله الموافقة على استقالته و صرف جميع مستحقاته المالية و تقديم العديد من الهدايا الرمزية تعبيراً عن الشكر و الامتنان لهذا الرجل العظيم الذي أفنى حياته في سبيل علمه و عمله.
استلقى على الكرسي الطائرة و ألقى نظرة الوداع الأخيرة على تلك المدينة الجميلة التي أخذت منه أحلى سنين عمره و مرت هذه السنين مرور السحاب بكل ما حملته معها من مشاعر فاختلط نغمات الفرح مع أهات الحزن و تاه الطموح مع الواقع وأصبح كل شيء في ذمة الزمان وطي النسيان إلا شيئاً واحداً لا يمكن أن ينساه هو طعم العلقم الذي لا يعرف مذاقه إلا من أنكوى بنار الغربة و شعر بآلام الوحدة .
أغمض عينيه من حرقة الدمعة في المحاجر و مر عليه شريط الذكريات كالحلم أمام ناظريه فلم يستطع في تلك اللحظات إلا أن يتذكر أمه التي ماتت دون أن يودعها قالت له: تعال ...تعال فقد كفانا الاشتياق تعال ...تعال و أرحم والدتك من حرقة الانتظار تعال.. فأنا لم أعد أقوى على الفراق .... وعدها أن يزورها في عطلة الصيف القادم و لكن القدر كان أسرع و حصدتها رياح الشتاء العاتية حتى قبل أن تشم نسمات الربيع الآتية , ماتت وفي قلبها لوعة على ابن ملت من رؤية صورته على الجدار و لم تلمس راحتيه في أخر المشوار .
و حمله شريط الذكريات إلى وجه زوجته الصبوح تلك المرأة الحديدية التي لا تكل و لا تمل في سبيل إسعاد الأولاد و تأمين مستقبلهم و زيادة تحصيلهم العلمي فسمير ابنه البكر قد تخرج العام الماضي من كلية الاقتصاد قسم إدارة الأعمال و هو يستعد الآن للزواج و ابنه الأصغر أمير لازال يتابع دراسته في الهندسة المعلوماتية و ما هي إلا سنتان حتى يتخرج و أما آخر العنقود المدللة أبدا ياسمين فهي أيضا على أبواب التخرج من قسم اللغة الانكليزية في كلية التربية .
لقد مل من الوحدة و ملته أيام الانتظار .. فشيء فظيع أن تأكل كل يوم لوحدك وأن تشرب القهوة من فنجان واحد و أن لا تجد من يغطيك إذا غلبك النعاس على الأريكة شيء يدعو للجنون عندما تجد من حولك كل شيء ثابت ولا يوجد من يرد عليك حتى تحية الصباح و إن أكثر ما كان يزعجه عند شراء الهدايا للأولاد هو عدم معرفته مقاساتهم و لم يستطع أن يتذكر حتى لون عيونهم فشعر أن ثمن الغربة باهظ دفعه من عمره بدون مقابل .
حطت الطائرة رحالها بسلام و أمان و استقبلته زوجته و الأولاد و تبادلوا القبلات و العناق و انطلقوا فرحين غانمين و لقد حاول السيد محمد أن يخفي لونه الشاحب و نقص وزنه الكبير بعد الأزمة القلبية التي تعرض لها و لكن الحمد لله مرت الأمور بسلام ولم يسأله أحد عن صحته .. وبعد أن تناولوا طعام الغداء ومع أول رشفة من كأس الشاي نقل إليهم هذا الخبر السار بأنه ترك بلاد الغربة و عاد ليعيش بينهم للآبد و كان وقع هذا الخبر عليهم غريباً و ساد من حولهم صمت قاتل لم يتخلله إلا نظرات العتب و اللوم و الاستغراب ولم يقطعه إلا صوت المدام حيث قالت : لابد انك تمزح و عندما لاحظت إن الجو لا يحتمل أي مزاح تابعت و قالت وماذا ستفعل هنا و مصروف البيت و أجرة الشغالة و تابع ابنه الكبير : بابا أنت لم تفكر إلا بنفسك وماذا عني أنا و عن كسوة شقتي لقد وعدتني بذلك .. و رد عليه ابنه الأصغر : بابا لقد ورطتني وماذا عن قسط السيارة و حتى ابنته المدللة ذكرته بأقساط المعهد و برحلتها هذه الصيفية إلى بريطانيا لمتابعة دروس اللغة الانكليزية .
و مر الأسبوع الأول ولم ير من زوجته و أولاده إلا نظرات اللوم و كأن كل واحد منهم يتمنى عليه لو بقي هناك فترة أطول.
أما في الأسبوع الثاني فزادت الفجوة و جد إن الذي يفرقه عن الأولاد أكثر بكثير من الذي يجمعهم بهم و ما عادت الكلمات تحمل أكثر من هذه المعاني و أحس هنا بطعم الغربة بين الأهل أكثر و بساعات النهار أطول وتحطم الحلم الذي كان يعيشه طيلة خمسة و عشرين عاماً و بماذا بعد اليوم يحلم و ماذا ينتظر ....
و في اليوم التالي و مع أول خيوط الفجر حمل حقيبته الصغيرة و تسلل بهدوء خارج المنزل حيث لم يشعر به بعد ذلك أحد .
وبعد عدة شهور وفي أحد أحياء مدينة أبها السعودية اشتكى سكان المنطقة من رائحة كريهة تخرج من أحد البيوت فاستدعوا رجال الدفاع المدني الذين كسروا الباب و أخرجوا جثة رجل عاش وحيداً و مات وحيداً و لم تنقل الجثة إلى بلده لأنه طلب في الوصية أن يدفن في الديار المقدسة .
تمت
والله أبكتني هذه القصة و خاصة عندما قيل ومع أول خيوط الفجر حمل حقيبته و غادر دون أن يحس به أحد ياحسرة على من يظن ان واجبات الأب هي فقط تقديم المال مثل أي صراف آلي ان كلمة بابا تساوي كل ثروات الخليج و لو عمل كل انسان في بلده كما يعمل بالخليج لكان الانتاج أكبر و المستقبل أفضل و شكرا سيد احمد على هذه الكلمات و دمتم .
آيات من الشكر والامتنان لكل من ساهم في اغناء هذه القصة بالمشاركة و ابداء الرأي و ان الغربة الحقيقية التي نعيشها حالياًهي غربة الروح لا غربة الجسد فوسائل الاتصال الحديثة قربت المسافات و نسفت الحدود و تعالت فوق آلام الغربة و الوحدة و لكن الطامة في غربة الروح و عداء الاشقاء و اختلاف الرفاق و سادت المادة على الروح و أصبح تقييم الناس حسب رصيدهم في البنك و أصبح زيارة الأخ بحاجة الى موعد مسبق و سؤالك عنه أمر مستغرب و أصبح للأم يوم في السنة و صلة الرحم فرض كفاية و شكراً مرة ثاية و ثالثة و لكل من شارك.
لا تلوموا الزوجة والابناء لوحدهم وإنما اللوم يقع على الوالد الذي انغمس في العمل ليحقق طموحه في بيت أنيق وسيارة فارهة وترك سنوات العمر تنسل من بين أصابعه ولم يرحم قلب أم تلوع ولم يزرع في بيته إلا غراس المال والمصلحة طلباتهم مجابة وأوامرهم مطاعة فباعتقاده أنه يعوضهم بالهدايا عن بعده عنهم وعندما كبروا واحتاج أن يقترب منهم لم يستطع لأنهم تعودوا النظر الى الحقائب عند قدومه وهو كان يرى هذا الفرح في عيونهم فينغمس في العمل ليزيد الهدايا ولم يفطن مع مرور الايام أن ما يشتاقون اليه هو هدياه وليس هو...يتبع
انا مغترب قضيت أكثر من عشرين عام في بلاد الغربة و عدت الى وطني و للأسف وجدت الأمور مختلفة كلياً فلاالناس ناس ولاالعالم عالم تغيرت المفاهيم و القيم و ساد الكذب و النصب و الخداع و ندفع كل يوم نحن و أطفالنا ضريبة الغربة و نعيش غربة حقيقية في بلدنا و حتى الأن لم ننسجم مع هذا النسيج المعقد رحم الله والدي الذي نصحني كثيرا و لكن الحياة قد سرقتنا و عدنا الى البداية من درجة الصفر لقد قلبت علي المواجع و يكفي السيد محمد انه مات مرة واحدة و أنا اموت كل يوم مرتين .
رحمه الله. لمن يهمه الأمر أنا كنت مغترب لوحدي أوّلا ثم تزوجت وتغربت مع زوجتي وأولادي. قضيت في الغربة 9 سنوات. عدت أوّل السنة وكنت قد حضرت للعودة. عمري الآن 35 سنة و أشعر بكامل الحيوية والنشاط لأستمر ببناء مستقبلي في بلدي. لم يكن قراراً سهلاً ولكن ضروري. إن كنت تفكر في العودة, عد في وقت مناسب لتكمل بناء نفسك في بلدك ولا يسرقك العمر. حظاً موفقاً للمغتربين اللذين يريدون العودة.
ما أصعب أن نكسب العالم و نخسر أولادنا كل التعليقات ركزت على جحود الاولاد و لكن في الواقع ان هولاء الاولاد لم يشعروا بحنان الاب و عطفه و العلاقة بينهم لم تتجاوز علاقة البنك مع العملاء فلا تتوقعوا منهم ان يقدموا الحب و قد حرموا منه سنين طويلة و المال ليس هو كل شىء و ليست البطولة بجمع المال انما الترية الحقيقية هي ان تعيش الاسرة معاً على السراء و الضراء وهذه عبرة الى كل من يجد سعادته خارج الوطن .
قصة واقعية جميلة ومعبرة لكن كما يقال بعيد عن العين بعيد عن القلب لم يوجب عليه السفر لهذه المدة الطويلة ولم يعتاد الأولاد أن يرو أباهم أو يصرفوا عليه أو حتى يجلسوا معه لكن هذا ثمن الغربة وهذا جزاء التضحية فيا لهذا الزمن الغدار الذي لم يعد يعرف الأبن أباه
الحياة لا تعطي كل شيء فهي تمنحنا المال فتحرمنا الصحة تعطينا الجمال وتحرمناالحظ لذا على الانسان ان يختار ومن ثم يقنع ويرضى ويدفع الثمن فلا شيء في الحياة دون مقابل قصة جميلة ومؤثرة شكرا جزيلا لك
أرجو ان لا تكون القصص حزينه بدنا قصص سعيدة مثل قناة الدنيا ( صح النوم و حمام الهنا أخي مثل مسلسل صبايا ماشي الحال ) شقينا ثيابنا من كثر البكي قصة حلوة بس ليش مات البطل كان لازم يطلق مرته و يقلع الاولاد و يطقها احلى جوازة
والله قصة مؤثرة و مبكية في نفس الوقت مشكلة المغترب انه في غربته غريب و عندما يرجع الى وطنه قد يحس نفسه غريب لان نظرة الناس اليه تكون ماديةفيفضل غربته على العودة الى الوطن
قصة عميقة جدا، واقعية ومحزنة
لا حول ولا قوة إلا بالله بتنزل لبلدك بعد مجهود جبار في الغربة وتعتقد أن الناس بلهفة لك وإلى لقائك ثم ما تلبث أن تتحول تلك السعادة الزائفة إلى لوم وعتاب ونظرات استهجان !! لماذا يا أهلي .لماذا يا أخوتي ....لماذا يا أحبائي .ألا يحق لنا العيش بجواركم بعد فناء العمر هناك في الغربة !! آه ...يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا
بصراحة لا يجب أن يكون الموت هو الحل الوحيد للخروج من هذه القصة فأسهل نهاية هي الموت و كان يجب عليه أن يبدأ حياة جديدة وفق أسس جديدة و أن يبقى في بلاده لأنه كان يكره الغربة فلماذا عاد الى السعودية مع العلم ان موقف السعوديين كان أفضل من موقف زوجته و الأولاد .
عاش وحيداً و مات وحيداًتلك هي ضريبة الغربة أما نحن فغربتنا بين أهلنا فلم تعد الأسرة هي الجوهر بفرحها وحزنها بضيقها و انفراجها ومكانتك تزيد بقدر ما تقدم ومهما قدمت وأعطيت فهولا شي هل من مزيد ليته لم يعد لأنه عاش غربتين .و ليتني أسافر لأتخلص من غربة أسرية لغربة أبدية.
قصة تملؤها الغصة ... أنا لا أعرف على من أعتب ومن هو الجاني في هذه القصة ..هل هو الأب اللذي تعود الغياب حتى اعتاد أولاده العبش على حوالات أبيهم الماليه ولم يعد يخطر ببالهم أي تساؤلات عن أحواله الحياتية أم على القدر التعيس اللذي يجعل أغلب شبابنا يحلمون بالإغتراب دون النظر لما ستحدثه الوحدة والفراغ في نفوسهم..هي كما سميتها ثمن الغربه .... أقل أثمانها باهظ حد الألم
شكرا للكاتب على هذه المقالة المؤثرة والمعبرة والتي تظهر بأن الغربة الحقيقية هي ليست البعد عن الوطن وإنما هي شعورنابالغربة ونحن مع ابناء اسرنا أو حتى مع أبناء وطننا.......
ياويلي شو هالقصة /معقول يقضي شبابه وصحته وعمره كله ليسعدهم وهنن يقابلوه هيك ،بس ببعده حرمهم أهم شي بالدنيا حرمهم حبه وحنانه حرمهم وجوده حرمهم يشعروا فيه كأب مو بس كمصدر للمصاري وهذا ثمن الغربة وبرأيي كل مرأة بتقبل زوجها يبعد ويسافر يشتغل بدونها فهي عم تبيعه كرمال شوي مصاري والله ياخد المصاري شو عاملة فينا قلتها
بس هولاء الحقراء الأنانيون لو انتظروا عليه هذه الشهور و مات براحة و طمأنينة بينهم و قدموا لأبوهم الجزء اليسير من رد الجميل فعلا ضاعت الأخلاق و وانعدم الضمير و خسارة على هذه السنين .
It's a very exciting story.I,as an expat,suffer the same case.I feel stranger here and there(home) .Nothing can substitide your native country.
عندما لايدري المرء لمن يعطي عمره..!! العمر يمضي .. وتمر فيه السنون في البداية بطيئة تبحث عن لحظة نجاح أو تفوق لترضي حاجة اثبات الذات لدى المرء. ولكن سرعان ما تأخذه الحياة بمنطق التفاني والاخلاص لتبني قيما أخلاقية يكون فيها الايثار لتفضيل مصلحة الأولاد والأسرة على حساب طموحه الخاص.. يشعر أنه يعطي بسخاء فيفرح.. ولكن لمن يكون الاخلاص في العطاء..؟ أقولها وأنا أعيش في بلاد الغربة.. الأحق في العطاء هو الوطن بكامل أطيافه وبمحبة تراب الوطن الذي أعطى من خيراته حتى غادرناه .. وحصد الآخر الثمار
قرأت كلشي بهالصفحة... لاأوافق الرأي السائد هنا.. مصطلحات مثل: حنين، إشتياق... لاتجدلدي أي صدى.. ولاأذكرأنني زرت سوريا بدون ماإقطع إجازتي وإرجع لإتمتع بماتبقى منها.. الحياة بالإمارات ممتعة ولذيذة..