syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
ظاهرة الفساد ظاهرة الظواهر العالمية _3_... بقلم : نصر زينو

الجزء  ثالثاً: الديمقراطية الواقعية (( أي القابلة للتطبيق )):


وهي الديمقراطية الخاصة بالمجتمع العربي السوري، فليست هي من الديمقراطيات الدكتاتورية الفئوية، وليست هي أيضاً من الديمقراطيات الغربية الليبرالية المفترسة للأغلبية المهمشة، وكيفما كانت ايجابياتها وسلبياتها، فهي بالنهاية لا تلاؤم هذا المجتمع غير المؤهل بعد لممارستها فعلياً بالشكل المناسب والصحيح، لمليون سبب... لذلك فالديمقراطية الواقعية هي ديمقراطية مسؤولة ومنظمة ومحددة بتطور القوى الفاعلة بالمجتمع، كتعبير واقعي عن الحرية بأسلوب حكيم وقابل للتطور تحت سقف مقولة _ تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخر _ وتنتهي حرية الجماعة عندما يبدأ الإضرار بالجماعات الأخرى _ أي أنها ضد الفوضى من جهة، وضد الإرهاب والديكتاتورية من جهة أخرى، فانجح في بنائها وتطبيقها إن كنت تستطيع..!!  

 

والإنسان في كافة الأحوال مع الحرية مهما كان الثمن باهظاً كأغلى قيمة جوهرية في حياته، وكأمضى سلاح في مكافحة ظاهرة الفساد، والأقوى فاعلية في التصدي لانتشارها وتفشيها، والأشد مقاومة لغزوها الأكيد والمستمر والفاجر لكل الجهات والاتجاهات، والأضمن لحماية حق الإنسان وكرامته وطاقاته الإبداعية.

وتتجلى هذه الحرية بأساليب ديمقراطية متنوعة منها:

 

أ- في حرية الإنسان بالتعبير عن رأيه في كل ما يجري حوله من أمور سيئة ومخالفات بكل صراحة وصدق، وفي حريته في الكلام عن ما يراه من سلبيات وأخطاء وثغرات في السلطة والمجتمع على حد سواء، مهما كانت وأينما كانت وكيفما كانت متعمده أو عادية، لإصلاحها من أصحاب القرار وتفادي تكرارها كأسلوب وقائي. وفي حريته في رفض الإذعان للابتزاز، والاعتراض على الخوات والاحتجاج والتظاهر ضد الممارسات المؤذية والضارة، وللتعبير عن المطالب الحياتية لتحقيق أهدافها المشروعة " غلاء الاسمنت مثلاً حتى يعود لسعره القديم أو دونه" بأسلوب حضاري يسمح به القانون.

 

ولو سأل سائل من يمنع هذا الإنسان من ممارسته هذه الحرية؟! لكان الخوف أولاً واللاجدوى ثانياً. فالفساد متماسك الوجود ومترامي الأطراف المتضافرة، فلا احد يجرؤ على الشكوى، ولو حصل فرعاة الفساد لا يعالجون ولا يسمحون لغيرهم بذلك " ما في فائدة فالج لا تعالج " فاستسلموا لواقع مرير، ولا ينفع معه التخدير والتبرير، بل لا بد من هدير الحساب وجنزير العقاب...

 

ب- في حرية اختيار الجماهير لقيادتها بانتخابات حرة نزيه وشفافة على كافة المستويات ولكافة القوى السياسية والمنظمات الشعبية، لتكون بمثابة اختيار لإرادة القواعد الناضجة والجماهير الخيرة بصدقيتها وشجاعتها وموضوعيتها في المحاسبة الديمقراطية العادلة بالحكم على من أساء أو أهدر أو خرب أو قصر أو انتفع بكسب غير مشروع أو قام بصرف النفوذ، أو اخل بالتزامه العقائدي الأخلاقي بسلوك غير إنساني مدان، إلى آخر المثالب التي ارتكبها الرفيق أو المسؤول الحكومي أو الشعبي بالسقوط أو العزل، وسحب الثقة، وفضح تصرفاته وأفعاله غير المسؤولة وغير السوية وتعريته جماهيرياً بكل الوسائل والسبل المشروعة، ومن يسقط من الفاسدين في هذه الانتخابات، تتولاه لجنة محاسبة سياسية من جهة ولجنة محاسبة قضائية من جهة أخرى، مستقلتان ترتبطان بالقيادة المركزية لضمان صدقيتها وموضوعيتها، وبالتالي تنفيذ مقترحاتها وقراراتها بجدية وحسم، وكل ذلك يحتاج لنشاط سياسي وتوعية شاملة، معتمدة على المكاشفة والصراحة وقول الحقيقة.

ثالثاً: الكفاية والعدل الاجتماعي:

 

كيف نحارب الفساد الظاهرة الأشرس في السلطة والمجتمع التي تسرح وتمرح فيها والفقر والمرض والتجهيل ينخر كالسوس في الجسد العليل!؟ وكي نفلح في هذه المواجهة الصعبة لابد من العمل على خطين متوازين, خط مكافحة الفساد وتحجيمه والحد من استشرائه في كل السبل والوسائل المتاحة, وخط مجابهة الفقر, وبإعادة النظر بأسلوب توزيع الدخل القومي بالعدل والإنصاف على الشعب مما يرفع من مستوى معيشة المواطنين الذي لا يوفر مسؤول مناسبة إلا ويتحدث عن هذا التحسين, فكأني اسمع جعجعة ولا أرى طحيناً, ( ومثال وزير المالية صرح في وقت سابق قبل زيادة الأجور الأخيرة الهزيلة بان كلفتها جاهزة لدى الوزارة, وبعدها يقول أن الزيادات في الأسعار لا توفر إلا نسبة من هذه الكلفة ) فكيف تهضم هذه المفارقة!؟

 

فربما إعادة التوزيع المذكور ورفع مستوى المعيشة يعيد بعضاً من الطبقة الوسطى التي اندحرت وتلاشت تقريباً, تحت ضربات كبار الملاك الجدد وكبار الرأسماليين الجدد وكبار أثرياء الفساد الجدد من المسؤولين والمتحالفين معهم, وربما يساعد ذلك في ردم جزء من الهوة السحيقة بين الأغلبية الفقيرة وبين الأقلية الفاحشة الثراء... فالنجاح على طريق مكافحة الفساد يقدم خدمة جليلة على خط مكافحة الفقر ويقلل من أعداد الفقراء, بينما الفشل يزيد من أعداد الطرفين... وربما إذا ما فتحت ملفات الحيتان الذين توالدوا وتكاثروا عبر سنين التسيب واللامسؤولية, وجرت محاسبتهم وفق أصول العدل والقانون والموضوعية من دون استثناء, وتم استرداد بعض المال المنهوب من الشعب لانعكس على الآخرين إيجاباً فيقل عدد الفاسدين وكذلك عدد الفقراء أيضاً

 

- على ما يبدو أن العكس هو الذي يصير ويتم، فاقتصاد السوق الجاري تنفيذه ولو أضيف إليه الاجتماعي، الذي لن يكون أكثر من مخفف للألم والصدمة، سيساهم في إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، مهما حاولوا تجميله فهو وحش كاسر ولو كشر عن أنيابه ضاحكاً، فسيتم بموجبه سرقة الدخل المهدود أصلاً كما تسرق أدوية الفقراء المستحقين من مشافيهم، كما سرقت فرحتهم في الزيادة سلفاً بالغلاء الذي أخذها واخذ بطريقه الأمل بالإصلاح والقضاء على الفساد، وأودع الانكسار والإحباط واليأس في النفوس والعقول الحائرة...

 

ما العمل وما المصير.؟! وهل دولة العمال والفلاحين الـ 51% ما زالت كذلك؟! فعلى ما اعتقد لا يمكن العودة إلى النظام الاشتراكي الحقيقي لتحقيق العدالة والمساواة، ولا زيادة الرواتب والأجور المقننة والشحيحة، إذا ما استمر على نفس المنوال تجدي، ولا توزيع الدخل القومي بالأسلوب المتبع حتى الآن تجدي... فتخيل معي مثلاً كم من ملايين السكان والأجيال نحتاج لنجمع 28 مليار ليرة سورية أرباح شركة واحدة في عام، وقس على ذلك يا صاح، أرباح الكبار وعوز الفقراء... وأعطني الأمل بانتصار الحرب على الفساد مع وجود كل هؤلاء، وشركائهم المسؤولين أو على الأقل الحد منه، ومن الفقر المرافق له، وعلى كل إذا ما استطعنا الحفاظ على النعم التي نحن فيها، فالشكر والحمد لجميع المساهمين والسلطة على هذا الانجاز العظيم...فنحن لم نحضّر جيداً وبالشكل الكافي وفي الوقت المناسب، ما يلزم لاستقبال اقتصاد السوق أو المنطقة العربية الحرة الكبرى!! ولا للدخول في الشراكة الأوربية!! ولا للسعي للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية!! فوضعنا البلد في وضع لا يحسد عليه، ولا طاقة له في السباق المحموم مع الزمن والكتل الاقتصادية الكبرى للحاق بقطار الحضارة المتسارع، فبالرغم من التقصير والعجز الحضاري... نهدر يوم إنتاج وطني كامل بالعطلة المستوردة من بلاد التقدم مقلدين الغير بغباء، والانكى أن اتحاد العمال يعتبره مكسباً كأنه لحق بالحضارة الرقمية ولم يبق غير هذا، ولذلك يجب إلغاء يوم العطلة الإضافي في القطاع الإنتاجي والتربوي التعليمي الإنساني، وكفا القيمون المواكبون مزاودة وتزلفاً هنا، وعلى الصعد الأخرى...

2011-05-19
التعليقات