syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الإعلام سلاح ذو حدين... بقلم : د. جميل بغدادي

لا يختلف اثنان في هذا العالم الذي نعيش فيه بأن الإعلام بات اليوم يشكل خطراً كبيراً على العقول وهو أكثر بكثير من الحروب التي كانت تعتمد في السابق على السلاح والقوة العسكرية الضاربة كوسـيلة لتحقيق النصر ، ولقد بدأ استثمار الحرب الإعلامية بشكل مؤثر فعال خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية على وجه الخصوص ، حرب اعتمدتها الحكومة الألمانية لتحاول جاهدةً رفع عزيمة قواتها المنتشرة في أوروبا وآسيا وأفريقيا والتي بدأت تتعرض للهزائم المتلاحقة في الجبهات المختلفة بسبب القوات الضاربة لقوات الحلفاء الرئيسية المؤلفة من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا .


لقد استغلت الصحافة العربية والعالمية نبأ مقتل الشهيد حمزة الخطيب و30 طفلاً آخرين أبشع استغلال لتثير الرأي العام العالمي وتؤججه ضد سورية وضد النظام ، فهي تتحدث بكثير من الإطالة والإسهاب عن المجازر التي ارتكبها الجيش السوري بحق المتظاهرين ، نحن جميعاً في سورية ضد العنف والقتل ، وسقوط أي ضحية هو في الأساس خسارة لسورية سواءً أكان طفلاً أو امرأة رجلاً أو شيخاً ، أكان من المتظاهرين أو المواطنين أو قوات الجيش ، ولكن الأطفال الشهداء يجب أن تطرح حولهم جملة من الأسئلة ، هل الجيش بالفعل يستهدف الأطفال ؟ ما هي الفائدة التي يحصل عليها الجيش من قتله للأطفال ؟ هل يرغب الجيش من خلال هذه التصرفات إرسال رسالة للعالم أجمع وخاصة أمريكا والدول الأوروبية الحليفة معها بأن الجيش السوري لا يخاف أحداً في العالم ؟ هل سيقول لهم أنه سيتمر على هذا النحو رغماً عن المجتمع الدولي ؟ إنها بالنتيجة حرب إعلامية تشن على سورية تهدف إلى إحداث التغيير بالقوة ، فهل هناك إنسان عاقل يتخيل أن أفراد الجيش يتصيدون الأطفال ويستهدفونهم برصاصهم ؟ هل أصبح الأطفال يشكلون خطراً على النظام ليقوم الجيش بتصيدهم واستهدافهم ؟ لماذا يسمح الأهالي لأطفالهم بالخروج بمفردهم إلى الشوارع دون أن يكونوا برفقتهم ؟ إنها أسئلة لا إجابة لها سوى أن ما يدبر لسورية من مكائد سيكون عظيماً . وأن الغرب لا يريد إلا أن يرى سورية مقسمةً وضعيفة بعد أن وجد الظروف مهيأة له لاستثمارها ، وأنه يستخدم الإعلام النفسي لتشويه الصورة ضمن الهدف الذي يعمل لتحقيقه .

 

 إن الصحافة الغربية والعربية تحاول جاهدةً اليوم أن تؤثر في المتلقي السوري على وجه الخصوص كي تحرضه ضد النظام ، لماذا تتحدث هذه المصادر عن سقوط أكثر من 1000 قتيل من المتظاهرين ولا تتحدث عن سقوط العشرات من رجال الجيش وقوات الأمن وإصابة المئات منهم بجراح ، أفراد الجيش أليسوا هم أيضاً من أبناء الشعب . أم أنهم مرتزقة من الخارج ؟ لماذا الازدواجية في المعايير ؟ أعتقد أن لكل عائلة سورية فرد من أفرادها يخدم في الجيش أو في الأمن ، لأن الخدمة الإلزامية واجب وحق على كل مواطن سوري من أجل الدفاع عن الوطن وحريته .  

 

لماذا لا تتحدث وسائل الإعلام الغربية والعربية عن سقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء برصاص عصابات مندسة ؟ لا تحاولوا إقناع العالم من خلال الإعلام المضاد بأن المتظاهرين جميعهم مسالمين ؟ أليس بينهم حاقدين وناقمين ؟ ألا يوجد في الغرب وأمريكا على وجه الخصوص أسلحة بأيدي المواطنين ؟ إننا كثيراً ما نقرأ في الصحافة عن جرائم تقشعر لها الأبدان عندما يقوم طالب ما بإطلاق النار على زملائه الطلبة في الجامعات وحتى في المدارس الثانوية والإعدادية ، فمن أين وصل لهم السلاح ؟ وكيف سمح لهم بحمله ؟ لماذا لا يتحدث الإعلام عما يقدمه الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً لاحتواء الأزمة من إقرار المزيد من القرارات التي تصب في إطار الإصلاحات التي يدعو إليها الغرب ؟ إصلاحات وقرارات وإطلاق سراح المعتقلين وتشكيل لجنة الحوار الوطني ؟ لماذا يسدون أذانهم ويغمضون أعينهم ؟ لماذا لا يمنحون القيادة السورية الوقت المناسب لترجمة الإصلاحات على أرض الواقع ؟ لأنهم وباختصار شديد لا يهمهم الإصلاح بقدر ما يهمهم الهيمنة على الوطن واستثمار المعارضة لتحقيق أهدافهم .

 

 وهنا لا بد لي مرة جديدة من العودة إلى الوراء لنتذكر بأن الوطن العربي كان منذ عهود قديمة قبلة الأنظار بسبب الموقع الجغرافي الذي يتمتع به ، وبسبب الثروات الهائلة التي شكلت السبب الأساس في احتلاله ، بدايةً من الاحتلال العثماني الذي دام 400 عاماً وحتى الاحتلال الغربي ، وبدأ الاحتلال الجديد يظهر إلى العلن ابتداءً من توقيع اتفاقية سايكس بيكو في 16 أيار 1916 والتي ترجمت على أرض الواقع من خلال مؤتمر فرساي الذي عقد في 23 شباط 1919 في قصر فرساي في فرنسا والذي كان الهدف منه فرض العقوبات على دول المحور المنهزمة في الحرب العالمية الأولى ألمانيا والدولة العثمانية ، وتمت معاقبة ألمانيا يومها باقتطاع أجزاء من أراضيها لصالح فرنسا والتشيك والنمسا ، وفرضت غرامات ضخمة ضدها وتم تدمير مصانع أسلحتها ، ثم جاء الدور على الدولة العثمانية التي دفعت ثمناً باهظاً للغاية نتيجة دخولها معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل ، حيث توزيع بلاد الشام على كل من فرنسا وبريطانيا . وقد استمع المجلس الأعلى للحلفاء في هذا اليوم إلى وجهة النظر الصهيونية التي مثلها خمسة من أقطاب الحركة الصهيونية كان على رأسهم الدكتور حاييم وايزمان ، وتركزت كلمات أعضاء الوفد الصهيوني على المطالبة بإنشاء وطن قومي يهودي يتطور مع الزمن ليصبح كومنولث يتمتع بالاستقلال الذاتي ، وأن يشمل هذا الوطن فلسطين وشرق الأردن وجنوب لبنان وشطراً من سورية ، وهو ما أطلق عليه وايزمان فلسطين التاريخية .

 

 واستندوا في مطالبهم على تصريح وعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني 1917 وموافقة حلفاء بريطانيا على ذلك التصريح الذي طلبوا إدراجه في معاهدة الصلح . كما طالبوا أن تكون بريطانيا العظمى هي الدولة المنتدبة على فلسطين طبقاً للحدود التي أشاروا إليها ، وقدموا للمجلس خريطة بها . وعندما استفسر وزير الخارجية الأمريكية من وايزمان بعد إلقاء كلمته عما يقصده من عبارة الوطن القومي لليهود ، أجاب الأخير أنه إنشاء إدارة تنبثق من الظروف الطبيعية لفلسطين ، وفي الوقت نفسه تحافظ على مصالح غير اليهود ، وأنه بمضي الزمن وبفضل الهجرة اليهودية تصبح فلسطين يهودية ، كما أن انجلترا انجليزية . وانتهى هذا المؤتمر بترتيب خطوات تمكين اليهود للولوج إلى فلسطين .  

وهكذا ضاعت بلاد العرب ، وضاعت أوهام رجال الثورة العربية الذين كانوا يضعون الأمل على الحلفاء بالحصول على حريتهم بعد تعهد سابق قطعوه للشريف حسين بن علي أمير مكة الذي أطلق الرصاصة الأولى في 10 حزيران 1916 من شرفة منزله معلناً الثورة ضد الدولة العثمانية في الحجاز وبلاد الشام بعد محادثات طويلة استغرقت أكثر من عام ونصف العام مع بريطانيا في مفاوضات عرفها التاريخ باسم مفاوضات حسين مكماهون .

 

 لقد بدأت الحرب الإعلامية والسياسية تأخذ اليوم منحى أكثر خطورة ، لقد جعلوا من مصرع الفتى الشهيد حمزة الخطيب قضية ليشنوا من خلالها حملة شعواء ضد سورية وجيشها ورموزها السياسية ، حرب يراد منها أن تكون لصالح المعارضة مهما كانت انتماءاتها أو ميولها وأهدافها السياسية ؟ ومن هنا أسأل كل إنسان سوري يهتم بمستقبل بلاده وأمانه وسلامته وحريته ؟ هل يعقل أن يقوم الجيش بقتل الطفل حمزة الخطيب والتمثيل بجثته وبعد ذلك يتم إعادتها إلى أهله على هذه الصورة المؤلمة ؟ هل يمكن أن يكون الجيش على هذه الدرجة من القسوة والحماقة لتسليم الطفل إلى ذويه على هذه الصورة ؟ أليس من المنطق إن كان الجيش بالفعل هو من قام بقتل الغلام والتمثيل بجثته أن يقوم بدفنها بدلاً من تسليمها لعائلته ؟ إذا فكرتم بمجمل هذه الأسئلة فأنتم ستجدون الإجابة المناسبة وستدركون حجم المؤامرة والخطر المحدق بسورية .

 

 إنها بالفعل حرب إعلامية وهي سلاح ذو حدين ، ويفترض بإعلامنا السوري أن يكون على قدر المسؤولية وأن يتحرك بشكل أكثر فاعلية لإظهار الحقيقة للعالم الذي لا تصله منها إلا ما يريده أصحاب المصلحة ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تحرك جدي عبر التلفزيون والفضائيات ومن خلال مراسليه الإعلاميين المنتشرين في العالم ؟ إن الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات بحيث يعبر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم

 

  ومن أهم ما يجب أن يراعى الأخذ به في وسائل الإعلام بصفة عامة والتلفزيون بصفة خاصة ، التيقن من صدق المصدر الذي جاء في الخبر والتثبت من سلامة الخبر ومدى صحته في أكثر من مصدر ، خاصة إذا كان هذا الخبر أو ذاك موضع شك ، وهذا ما تطبقه بعض القنوات الفضائية فالدعاية هي عملية إقناع ونادراً ما تكون العملية صحيحة في جميع عناصرها  وأذكر قول الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر : الدعاية هي التي سمحت لنا بالحفاظ على السلطة وهي التي ستمكننا من السيطرة على العالم . وفي الختام لا بد من القول إن الحرب النفسية هي اسـتخدام الدعاية الموجهة ضد جهة ما لإحداث التغيير ، مع تقديم المساعدات العسكرية واقتصادية والسياسية لاستكمال الدعاية ، وهي الطريقة الأفضل والأجدى للوصول إلى شريحة كبيرة من الجماهير بهدف إحداث التأثير في عقول ومشاعر فئة معينة من الناس من خلال استخدام وسائل التخاطب الحديثة بغرض الوصول إلى الجماهير المستهدفة لكي يتم إقناعهم بقبول معتقدات وأفكار معينة .

 

2011-06-08
التعليقات