syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الإصـلاحــات... ودوافعها ومعوقــاتهــا ...بقلم : د. داود حيدو

لا جدال في أن العالم العربي يتعرض حالياً لهزات عنيفة وتغييرات لا غنى عنها. إن جملة من الضغوط والسياسات، طوال عدد من العقود، أسفرت عن أوضاع دفعت بمعظم مواطني هذه البلدان إلى التهميش السياسي والبؤس الاقتصادي والاجتماعي.


فالسياسة حوصرت في نخب وسلطات ما لبثت أن غزاها الفساد، ونمّى ميلها إلى القمع.

ومعظم جهود النخبة ذهبت باتجاه التكيف مع العولمة والليبرالية الجديدة، فاستبيحت مكاسب الجماهير، من قبل طعم تلقى تأييد الاحتكارات الإمبريالية حتى باتت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتجاوز قدرة عامة الناس على التحمل، وغير قابلة للاستمرار، الأمر الذي نزع عن السلطات كل شرعيتها.

 

 وهذا أدى إلى أن تنتفض الجماهير. وكانت البداية في تونس، تبعتها مصر، حيث أطيح بالدكتاتورية. أما في ليبيا واليمن والبحرين وغيرها، فلا تزال المجابهات بل إنها خرجت عن نطاقها المحلي، الأمر الذي بدأ يعرض مكاسبها المحتملة لا شد المخاطر.

 

كان واضحاً منذ البداية، أن أحداثاً بهذا العمق لن تستثني سورية، وإن وصلتها متأخرة بعض الوقت. وقد برهنت التوترات والصدامات التي حدثت فيما بعد، ولا تزال تعكر صفو البلاد، وتوقع ضحايا بشرية وخسائر مادية، أن قوى معادية داخلية وخارجية كانت تعبئ قواها، وتتحيَّن الفرص، وبالدرجة الأولى الاستياء الشعبي، لزعزعة النظام وفرض شروطها وتصفية المقومات الأساسية للصمود الوطني.

 

لا خلاف في أن مواقف جوهرية تفرق بين سورية، ومعظم البلدان العربية الأخرى، أهمها الالتزام بالقضية الفلسطينية ومساعدة المقاومة والنضال من أجل استعادة الجولان، والمحافظة على اليسير من المكتسبات الشعبية، دون التقليل من أهمية الهوية العلمانية للنظام. إلا أن تطور الأحداث بيّن أن الركون لهذه الميزات وحدها لا يكفي لحماية البلاد، لا سيما أنها أحد أهم أسباب استهدافها. وهكذا نشأت وصعدت إلى مستوى الضرورات القصوى مهام يأتي في مقدمتها الاعتراف بالخلل العميق في الوضع الداخلي، والقبول بالمطالب المحقة للجماهير، والإعلان عن جملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية الهامة، والمباشرة في تنفيذها، الأمر الذي ساهم مساهمة فعالة في سحب تأييد بعض القوى الشعبية خاصة غير المسيسة، من القوى المعادية التي زادت من تعنتها ولجوئها إلى العنف الدموي بغية تحقيق أهدافها.

إن معظم القوى الوطنية في البلاد ومنظماتها وأحزابها، ويضمن ذلك جمهور الصناعيين والتجار صغارهم ومتوسطهم، تلح على التنفيذ الدقيق والسريع للإصلاحات المعلنة، وفتح المجال للمزيد منها، مما تحتاج إليه البلاد للمضي في التحديث والتطوير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر حوار شعبي عام يتناول كل مقومات الحياة السياسية، ويضمن عزل القوى المعادية، وخذلانها بفعالية أقوى وأنجع من أي قمع لبعضها، وأية مساومات مع بعضها الآخر.

إن تبديل الوزارة، وإنهاء إعلان حالة الطوارئ، والبدء بإعداد قانون لانتخاب المجالس المحلية ومجلس الشعب، وإصدار قانون الحق في التظاهر، وتعديل قانون الصحافة، والمباشرة بالحوار مع أطراف مختلفة تمهيداً لحوار وطني شامل وصولاً إلى عقد مؤتمر وطني، هذا إضافة إلى زيادة الأجور، وتثبيت العمال المؤقتين، وتحسين شروط التحاق الطلبة بالجامعات، وغيرها من الإجراءات، وبضمان ذلك تشكيل عدد من اللجان لإعادة النظر في العديد من القوانين والتدابير المتخلفة أو الضارة بالناس.

 

إن معظم هذه التدابير وغيرها كان مطلوباً ومقراً منذ عام ،2005 يقال إن ظروفاً داخلية وخارجية حالت دون تحقيقها في حينه، مع أنها تتم الآن تحت ظروف أصعب وأخطر، وتسفر عن نتائج هامة، وبضمانها الحد من ضغوط الظروف ذاتها، لذا فالأصح أن أهم العراقيل التي حالت دون تنفيذ الإصلاحات المقرة وتطوير الحياة السياسية للبلاد، إنما يرجع إلى بعض التبدل في موازين القوى، والقبول بالليبرالية الجديدة، والركون لإغراءات العولمة، وتوجيه التنمية نحو فروع الخدمات والاقتصاد الريعي، والسماح بنمو فئة مالية تجارية احتكارية فاسدة، أفسدت مؤسسات الدولة ومعظم إداراتها، وفرضت نمط سلوكها على المجتمع، إنها الرأسمالية الطفيلية، العدو الأول لأية وحدة وطنية، والتي تقتنص الفرص وبضمان ذلك قوى الأوضاع الحالية لتحقيق الأرباح الاستثنائية.

 

إن الإطالة في الإجراءات الضرورية لوضع الإصلاحات في التنفيذ، لا بد أن يسفر عن إضعاف تأثيرها الإيجابي، ويفسح المجال لعرقلات خطيرة من قبل جهات متنفذة، تجد في الإصلاحات ما يحد من امتيازاتها، وتعديها على القوانين، وتقلص مظالمها، ومنافعها. لا ريب أن لكل قانون أو إجراء هام مقتضيات إعداده وإصداره وتنفيذه. وغالباً ما يقتضي الأمر تشكيل لجان لهذا أو ذاك من المواضيع، وخاصة التعديلات التي تقتضيها بعض القوانين والقرارات. ولكن لا يخفى أن الخبرة الطويلة مع اللجان ونتائج أعمالها، يبعث على الشك، ويعزز الرأي القائل، إن الكثير من اللجان ليس سوى مضيعة للوقت وتسويف للحلول. ولذلك نأمل أن يشمل الإصلاح المطلوب عمل اللجان، وتأثير البيروقراطيات الحكومية أيضاً.

 

مع ذلك لا بد من التأكيد أن بعض الإصلاحات الجذرية، تتجاوز معالجتها مفهوم وإمكانات أية لجنة بالمستوى الذي عهدناه. نخص بالذكر هنا مكافحة الفساد الذي ليس حالة مؤقتة شاذة خارجة على القانون وحسب، بل هو تحول مع الزمن، وبنفوذ القوى المستفيدة منه، إلى ظاهرة اجتماعية اقتصادية سياسية، يصعب معالجتها وتجفيف منابعها عبر أية بيروقراطية أو لجان. فالمعروف إن القوانين النافذة تقمع الرشوة، ومع ذلك فهي نمت وتجذرت وتخطت كل القوانين والأعراف والأخلاق.. إنها إذاً إحدى مهام الإصلاح الشامل للوضع الإداري والاقتصادي ولسيادة القانون على جميع المستويات، وتعبئة قوى المجتمع، ورفع مستوى الاحترام للنزاهة والإخلاص للخدمة العامة، وتقديم القدوة في التواضع والالتزام من قبل القيادات.

 

مثال آخر هو اللجنة المشكلة مؤخراً لدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والوقوف على الثغرات وتحديدها، ومعرفة الفرص المتاحة.. إلخ، يُعد هذا أيضاً من المواضيع التي تتجاوز قدرات أية لجنة، وأية إدارة مع الاحترام لكل المساهمين فيها. ومع ذلك لا يمكن النظر في مثل هذه اللجان، دون الأخذ بالحسبان إلى جانب المؤهلات الفنية لأعضائها، ما هو أهم، ونعني بذلك اتجاهات بعضهم الفكرية ومجمل نشاطاتهم الماضية، ومدى مساهمتهم في الصعوبات والانحرافات التي حدثت في اقتصاد البلاد، وتكبد الجماهير الكادحة لأشد الخسائر.

 

خلال السنوات العشر الماضية لم يحظ أي موضوع اقتصادي اجتماعي بالاهتمام، وتعد بشأنه الدراسات، وتقدّم الاقتراحات، وتعد مشاريع القوانين، كما حدث بالنسبة للوضع الاقتصادي الاجتماعي للبلاد، تكفي الإشارة إلى جهود النقابات والمنظمات الفلاحية والمهنية، وأحزاب الجبهة وبضمان ذلك حزبنا الشيوعي، وجمعية العلوم الاقتصادية، وغيرهم الكثير. ومع ذلك لم ننس بعد مقولة الفريق الاقتصادي المتغطرسة والبعيدة كل البعد عن العلم (قولوا ما تشاؤون ونحن نعمل ما نريد)، دون أن يخفي ما كانت توحي به الهيئات الدولية والخبرات الأجنبية المنتقاة على هواهم، ضاربين عرض الحائط بالمبدأ المعروف منذ أيام سقراط والقائل (من لا يقبل النقاش أو النقد لا يجوز أن تسند له أية مسؤولية عامة).

 

إذاً فالإصلاح الاقتصادي الاجتماعي هو، إلى جانب الديمقراطية والتمثيل الشعبي في السياسة الداخلية، من المهام التي تتطلب تناول النهج المتبع ومجمل العلاقات بين الطبقات والفئات وتصحيح العقد الاجتماعي وتحديثه، واتباع تعددية متوازنة تعبئ قوى الشعب، وتكتسب قناعاته. وقد عرفت بلادنا طوال تاريخها الحديث بمعارضتها ومقاومتها لكل خطط وأهداف الإمبريالية والصهيونية وأعوانهما. وأمام الحدة التي تحيط بالتوتر السياسي الحالي، يقتضي الاستمرار في المواقف الوطنية تعزيزها بإصلاحات تعمم الديمقراطية والعلمانية والالتزام بمصالح الطبقات الكادحة.

2011-06-12
التعليقات
مندس ببلاش
2011-06-13 23:15:55
المعوقااات
شكرا لكاتب المقال وأحب أن أضيف أن من أهم المعوقات هو تجاهل بعض الآراء في مقالات أخرى والتي لا تروق للطرف الآخر. عوووووووووووووجه حتى هون بسيريا نيوز

سوريا
أبو الجود
2011-06-13 00:55:12
ثورة كرامة
إن هذه الثورة هي ثورة كرامة ,ثورة من أجل الحرية والديمراطية وثق تماما بأن الديمقراطية هي التي ستوفر المناخ للنهضة الاقتصادية والاجتماعية وأي حلول لاتتناول الوضع السياسي وبشكل جذري ستكون منقوصة وتضييع للوقت والجهد

الإمارات
سوري أعشق بلدي وأريد الخير لها
2011-06-12 15:33:39
أنقذ البلد ياسيادة الرئيس قبل فوات الأوان
أنا لم أقرأ المقالة لأن الجميع في سوريا يعرف معوقات الاصلاح ومن يمنع عجلة الاصلاحات التي اطلقها الدكتور بشار والذي لايستطيع لوحده الوقوف بوجه مافيات الفساد التي تجذرت في بلدنا وتمتص دماء المواطنين واليوم هذه المافيات تهرب أموالها قبل خراب البلد -لاقدر الله- إلا إذا أصدر السيد الرئيس قرارات شجاعة جدا تضع حدا للفاسدين والقمع ويبدأ بمحاسبتهم جميعا الكبير قبل الصغير واطلاق قانون يضمن انتخابات حرة ونزيهة حينها -فقط- سيلتم شمل الوطن تحت قيادة الدكتور بشار الذي سانتخبه بالدم "مرة اخرى" وبارادتي الحرة

سوريا
حمورابي
2011-06-12 12:45:16
لف ودوران
يا عزيزي لم يتظاهر احد من اجل زيادة الاجور اوالمازوت بل مناجل انتخابات حرة تلغي سيطرة الحزب الواحد وهذا مفتاح جميع الاصلاحات

سوريا