syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الولايات المتحدة ..الناتو.. أبعد من تصفية حسابات ثنائية في القارة السمراء ... بقلم : د. محمد البطل

تتواصل الغارات الأطلسية على قوات النظام الليبي، وخاصة على أطراف العاصمة طرابلس، وعدد من مدن الغرب الليبي والشريط الساحلي


 وتتزامن مع تحركات سياسية تشمل زيارات لأعضاء المجلس الانتقالي المعارض إلى عدد من الدول الأوربية عبر مطار بنغازي معقل المعارضة، كذلك الزيارات المختلفة لوفود دول عديدة، وبخاصة الأوربية والإفريقية، إلى المنطقتين الشرقية “المعارضة” وطرابلس وعدد من مدن الغرب الموالية للعقيد القذافي، في محاولة من طرف للوصول إلى حل للأزمة الليبية المستمرة منذ شهور وفقاً لرؤيته. وبرزت مؤخراً في هذا السياق، العديد من التطورات، أبرزها تمديد الناتو لعملياته العسكرية فوق الأراضي الليبية، التي يفترض أن تنتهي في أواخر حزيران الجاري، إلى أواخر شهر أيلول القادم “ثلاثة أشهر إضافية”، كذلك تحركات العديد من وفود الاتحاد الإفريقي المعترض على الغارات العسكرية لحلف الناتو، والمطالب بوقفها، وإفساح المجال لمساومات بين طرفي الصراع في ليبيا. فضلاً عن تقديم موسكو وبكين أفكاراً تمهد لمبادرات روسية وصينية تهدف إلى إفساح المجال للحلول السياسية.

 

تجدر الإشارة إلى أن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1973 ينص على “حظر الطيران فوق الأراضي الليبية، فقط بهدف حماية المدنيين”، وامتنعت عن التصويت عليه دول أساسية كروسيا والصين وجنوب إفريقيا.. إلخ”، واستخدمته الدول الأربعة الأوربية “بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، البرتغال”، مدعومة من الولايات المتحدة لحماية المدنيين شكلاً، وعملياً بهدف تدمير الآلة العسكرية لقوات القذافي من جهة، وتغيير موازين القوى عملياً بين طرفي النزاع من جهة ثانية.

 

وما يمثله هذا التعاطي “الدولي” من خرق للقرار ،1973 يضاف إلى خرق فاقع آخر تجلى في تسليم قيادة العمليات العسكرية إلى حلف الناتو الذي حدد شهر حزيران فترة كافية لإنهاء عملياته، ثم مددها دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي ثلاثة أشهر أخرى، وربما قابلة للتجديد أيضاً إذا اقتضت الضرورة الأطلسية ذلك.

 

ورغم تحفظ الاتحاد الإفريقي على هذا القرار “الدولي” واعتراض غالبية دوله على العمليات العسكرية، وإرسال وفد إفريقي ضم عدداً من زعماء الاتحاد إلى طرابلس، بهدف الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية، فإن الزيارة التي جرت قبل أيام قليلة لرئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، بهدف وقف العمليات العسكرية وإيجاد حل مقبول من طرفَيْ النزاع، قد اصطدم بقرار الناتو تمديد فترة عملياته ثلاثة أشهر أخرى، مما ساهم إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بطبيعة النظام الليبي القادم، وكيفية التعاطي الدولي معه، وربما مصير القذافي وعائلته والمقربين منه في إفشال هذه المبادرة أيضاً.

 

وفي هذا الإطار ينظر إلى اتساع دائرة المعارضة للعمليات العسكرية الأطلسية من جهة، ومطالبة روسيا والصين ودول أخرى أعضاء في مجلس الأمن وخارجه بضرورة مراجعة القرار 1973 من جهة ثانية بوصفها عناصر ضاغطة على الملف الليبي برمته، وخاصة على القائمين على العمليات العسكرية الأطلسية والمنشغلين بها أيضاً.

هذه المراجعة الضرورية للقرار والمحاسبة على خرقه ترافقت مع اقتراحات صينية- روسية جديدة، إذ أعلنت الصين عزمها على إرسال وفد من الخارجية الصينية لزيارة بنغازي وطرابلس والبحث في عناصر الأزمة القائمة وسبل الخروج منها، كما أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عزمه على إرسال مبعوث رئاسي خاص يلتقي طرفَيْ النزاع، بهدف الوصول إلى تسوية سياسية من شأنها إغلاق الملف أولاً، ووقف تدمير ليبيا ثانياً. إذ ترتبط الدولتان بشبكة متنوعة من العلاقات مع ليبيا، وتسعيان إلى عدم إطالة أمد أزمتها أو عرقنتها وصوملتها أيضاً، وتحويلها إلى بؤرة توتر في منطقة هامة من القارة الإفريقية.

 

ويشير العديد من المراقبين إلى أن أحد أهم أهداف هذه العمليات العسكرية للناتو، التي تشكل مرة أخرى خرقاً للقرار ،1973 إضعاف طرفَيْ النزاع وإنهاكهما، وتدمير القدرات الاقتصادية والعسكرية الليبية، فضلاً عن البنى التحتية، وصولاً إلى تدجينهما وإضعاف موقفيهما التفاوضيين مع الغرب أو تدجينهما إن أمكن ذلك وتالياً تكرار السيناريو العراقي بإعادة بناء ليبيا، بعد إغلاق ملفها غربياً- من قبل الشركات الاحتكارية واستثماراتها في ليبيا من جهة، وإعادة تسليح ليبيا غربياً من جهة ثانية.

 

ولا يغفل المراقبون أن يساعد هذا التحرك العسكري الأطلسي في البقاء بأشكال وصيغ مختلفة على مقربة من مناطق إفريقية ساخنة، يساعد في التأثير عليها، بدءاً من تداعيات ثورتَيْ تونس ومصر، وطبيعة التطورات الجارية فيهما، إلى إمكانية استقواء جنوب السودان بالناتو وتعقيد الحالة القائمة بين شماله وجنوبه وصولاً إلى دول منابع حوض النيل، فضلاً عن إشكالية دارفور وعرقلة التوافق المرجو بين الحكومة السودانية وبعض أطراف المعارضة الدارفورية، كذلك احتمالات “التدخل” و”مساعدة” دول إفريقية أخرى تعاني إما من امتدادات “الربيع العربي” أو ازدياد قوة الحركات الأصولية- السلفية، وبضمنها القاعدة..  

 

هذه الدول التي دعت مؤخراً “الجزائر، مالي، النيجر، موريتانيا” إلى لقاء على مستوى رؤساء أركان جيوشها للتنسيق فيما بينها حول كيفية محاربة هذه الحركات السلفية. ولهذه الأسباب وغيرها ينظر باهتمام إلى تولي الناتو قيادة العمليات العسكرية ضد نظام القذافي، وتمديد مهماته ثلاثة أشهر أخرى، كما ينظر باهتمام أيضاً إلى الحراك الذي يقوم به الاتحاد الإفريقي، المعني أساساً بحل إشكاليات دوله وفقاً لأنظمته وقوانينه، من جهة، وإلى التصريحات الرسمية حول زيارات وفود رسمية روسية وصينية رفيعة المستوى إلى ليبيا من جهة ثانية، في سعي منهما إلى وقف هذا النزيف الليبي وعرقلة مخططات الناتو في إفريقيا أيضاً.

 

أما مسألة عدم تولي الولايات المتحدة قيادة العمليات العسكرية مباشرة وعلناً فله أسبابه، بعد تجربتي العراق وأفغانستان و وحولهما، وتحميل “الحلفاء” وخاصة الأوربيين البقاء في الواجهة، ريثما تتضح ملامح الحل النهائي، فضلاً عن الحالة الشعبية الأمريكية والتجاذبات داخل الكونغرس حول أبعاد التدخل وكلفه، وتحميل أطراف أخرى جانباً من هذه الكلف وأسباب وحسابات انتخابية أمريكية أيضاً.

 

2011-06-11
التعليقات