syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
القلب بين الإخاء و الرجاء ... بقلم : د. مصطفى ماهر عطري

يولد الانسان وحيدا ، و يموت وحيدا ، و لكنه لا يملك سوى أن يحيا مع الآخرين ، يقاسمهم حلو الحياة و مرها ، ويبذل قصارى جهده في سبيل تحقيق التواصل الاجتماعي معهم ، بكل محبة و اخلاص ، لأنه يعلم بعفوية صادقة ان البشر جميعا هم اخوته من امه الاساسية الاولى هذه الارض الطيبة .


ان الاخاء العالمي هو ابرز سمات عالمنا المعاصر ، مهما كانت الخلافات التي قد تنشب بين البشر ، و مهما كان من امر تلك الفوارق و المواجهات المستمرة التي قد تضطرنا اليها احيانا فوارق الاجناس و الطبقات و العصبيات و القوميات و ما الى ذلك ، فإننا لا نكف لحظة واحدة عن التجاوب مع غيرنا من البشر في أرجاء العالم كافة ، عن طريق مد يد العون و المساعدة ، أو الشعور الصادق بالعطف نحوهم ، خاصة في النكبات و الازمات و الحروب ، لأنها قضية انسانية تمس كياننا البشري في صميم القلب و الوجدان .

 لقد أصبح انسان القرن الحادي و العشرين أقدر على فهم مواقف الآخرين ، مما كان عليه انسان القرون السابقة ، كما أصبح في الوقت نفسه أكثر استعدادا لتوسيع آفاقه الذهنية و النفسية و القلبية مما كان عليه أسلافه في القرون الخوالي ، و كل هذا يعود إلى فضل حسن استخدام الثورة العلمية و التقنية الهائلة في الشبكات العنكبوتية و عالم الكمبيوتر ، و الاتصالات الفضائية الضخمة ، وليس هناك من شك ، في أن تزايد قدرة البشر على التواصل و التفاهم و التجاوب في المحن و المصائب ، انما هو الدليل الحي الساطع على أن البشرية ماضية قدما في سبيلها نحو تحقيق المزيد من التكافل الاجتماعي و الاخاء العالمي بين ابناء آدم و حواء ، أبناء الكوكب الأزرق .

 

و يعتقد بعضهم ان الانسانية سائرة في الطريق إلى تزايد الفردية و الأنانية ، و لكن التاريخ الإنساني يشهد بأن كل تقدم تحرزه البشرية ، لا بد أن يتجه نحو المزيد من التوافق و التماثل و الإخاء و المحبة ، لا نحو المزيد من التفرد و الانقسام و التنوع ، و الدليل على ذلك ذاك التضاد الدولي مع شعوب العالم أجمع إذا هزتها الكوارث الطبيعية من الزلازل و حمم البراكين أو حتى الحروب المفتعلة لأكل خيرات و قوت الشعوب الفقيرة مهما كان لونها أو عرقها .

 

ان الانسانية اليوم تسير نحو تحقيق قسط أكبر نحو التوافق و الاخاء و التماثل ، و القضاء على الفوارق الطبقية الشاسعة و تحقيق العدالة الانسانية و عالم الحق و المحبة ، ونحو الحد من ضروب التفوات الاجتماعي القائمة بين مختلف الطوائف و المذاهب ، و على تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة ، و كذلك تسير نحو التسوية بين أفراد البشر في الحقوق والواجبات ، و حق الجميع في الحياة بما فيها الحيوان و النبات ، لما فيه خير البيئة الانسانية و الكونية .

 

و اذا كان فلاسفة القرون الماضية قد ظنوا أن " الصراع " و "القوة " هو السبيل الأوحد إلى التقدم ، إلا ان عالم اليوم و غالبية فلاسفته و علمائه ، يؤكدون و يجزمون بأن " الاتحاد الانساني " و عالم المحبة و الاخلاق و العدالة هو الطريق الأوحد للتقدم البشري و الحضاري ، و لكن هذا ليس مجرد نتيجة حتمية لقانون طبيعي ، بل " معيار " نسهم نحن أنفسنا بإرادتنا و عقولنا و قلوبنا في العمل على تحقيقه ، أو هو " قيمة عليا " نعمل نحن كبشر بحريتنا على تثبيت دعائمها في عالمنا الإنساني اليوم .

و الواقع انه هيهات هيهات للبشرية أن تحقق أي سلام دولي عادل ، أو أن تصل إلى أي إخاء انساني ، اللهم إلا بالعمل الجاد على التخفيف من غلواء ذلك الطموح الطبيعي الذي قد يدفع بعضهم نحو القضاء على الآخرين بمنطق القوة ، من أجل اشباع لذاتهم و شهواتهم الخاصة .

 

فالأخلاق في صميمها معارضة للأنانية البيولوجية ، و إن كل ما من شأنه أن يعمل على احلال التوافق و المحبة و السلام ، محل التنازع و الصراع و الاختلاف ، لا بد من أن يمثل في حركة موكب التاريخ التقدمي الحقيقي للانسانية ، عاملا ايجابيا و فعالا و ساميا من عوامل الترقي الأخلاقي ، و يجب ان يعلم الجميع ، جميع الشعوب بأنهم لن يطيب لهم عيش إلا بلغة الحب و التواصل و الحوار الإنساني ، لأن الذات الإنسانية ليست قوقعة صلبة يحيا في داخلها موجود فردي أناني قد كتب عليه أن يعيش في عزلة شاقة أليمة ، بل هي حقيقة سامية مفتوحة تدرك نفسها منذ البداية في عالم المساواة مع الآخرين ، و خاصة بالشعور بالمسؤولية و الاحساس بضرورة التعاون و الشعور بوجود الآخرين ، مع امكانية قيام " تواصل روحي و نفسي " بين بني البشر قاطبة في كل مكان و زمان ، و علينا أن نحتكم دائما و أبدا إلى منطق العقل و الحق ، لأن الانسان المعاصر يعرف بلا شك أن الحق و العدل و المحبة هم أساس الحياة الطبيعية مثل الماء و الهواء ، و أن منطق القوة بالحروب و أسلحة التدمير و افتعال الازمات الاجتماعية و شتى مظاهر الصراع فهذا يعني نهاية الانسانية ؟!...

 

ليس هناك " نوع بشري " بل هناك " نوع انساني " وما دامت الانسانية قد أرادت لنفسها المحبة و البقاء ، فلم يعد أمامها الا أن تسير على درب الرجاء ، درب المحبة و السلام و الاخاء ، و ستظل تحية الانسان لأخيه الانسان " السلام عليكم و رحمة الله و بركاته " مليئة بشعور المحبة و الأمن و الأمان في كل زمان و مكان ، و لمن خاف مقام ربه جنتان و هل جزاء الاحسان الا الاحسان

 

د – مصطفى ماهر عطري

حلب في 23/5/2011

2011-06-15
التعليقات
الدكتور زكريا اشطه
2011-06-16 18:53:07
شكراً يا صاحب القلب العطري
ما أحوجنا في هذه الظروف الصعبة إلى أناس تفكر بهذه الطريقة الانسانية الحضارية .....بوركت يا دكتور عطري وجزاك الله خيراً على دعواك للخير

سوريا
فنان
2011-06-16 10:15:37
صمت الكلام امام الرجاء
جميلة ه القلوب التي تحبو نحو الاخاء سواء بالرجاء او بالغناء لهاا عسى ان تكون حقيقة حياتية يومية بينناا.. في ظل هذه الظروف العالمية لتي نعيشهااا نلاحظ انا هناك اخاء ايديولوجي فقط بعيد عن الاخاء الانساني الحقيقي... وكما قال الشاعر وليس الذئب ياكل لحماا ذئبا .. وناكل بعضنا بعضا عيانا..

سوريا
اخ بالانسانية
2011-06-15 14:48:01
رجااء من قلب انسان الى قلوب الناس بالاخــــاء
ما أحوجناا في هذه الظروف الى اخااء الشعور والقلوب بين الناس .. جميل ان يقترن الشعور بالاخاء بالعمل لتحقيق هذا الشعور وليس لرفع الشعاراات... فالعالم الان يعتبر قرية صغيرة كمان نرى وفي ظل العولمة( السيطرة للقوة العظمىفقط وسحق القوى الضعيفة) نرى مدى الهيمنة واستغلال الانسان لاخيه الانسان.. واحتلال الدول لاخرى والسيطرة عليهاا وهذاا الاحتلال باشكال ومسمياات كثيرة حديثة... وكل هذاا تحت اسم الديمقراطية المفترضة والانسانية المصطنعة والعدالة المزاجية

سوريا
MARCK
2011-06-15 12:26:53
القلب بين الإخاء و الرجاء ... بقلم : د. مصطفى ماهر عطري
شكرا للدكتور عطري المقال غني ويشف عن خبرة كبيرة علمية وحياتية

سوريا