syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
دولة الديمقراطية في خطر .. ؟!.. بقلم : محمـود طالـب الحـريـري

في خطوة لم تكن مفاجئة لأحد، واستباقاً لأي عمل قد يُقدِم عليه الفلسطينيون بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي للاعتراف بدولة فلسطينيّة، تداعى الكونغرس الأمريكي خلال الفترة الماضية القريبة لدراسة مشروع قرار يعارض أيّ انسحاب صهيوني محتمل إلى حدود الرابع من حزيران عام /1967/، بحجّة تعارضه مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكيّة ومع الأمن القومي الأمريكيّ، وذلك في تحدٍّ سافرٍ للقوانين والشرعيّة الدوليّة التي تدّعي قيادتها لأجل دعم "إسرائيل" والحفاظ على "حدودها" لتبقى العملاق الأكبر في المنطقة.


       وفي حقيقة الأمر إنّ حالة الخوف والقلق الأمريكي المتزايد على ربيبتها "إسرائيل" وأمنها مردها تلك التطورات الحاصلة على صعيد الصراع العربي- الصهيوني، سواء أكانت لجهة الداخل أو الخارج، فالداخل المتمثل بإنهاء حالة الانقسام والصراع بين مختلف الفصائل الفلسطينيّة وعلى رأسها حركتي حماس وفتح، وتوحيد الجهود لمواجهة استحقاقات انتظرها شعبنا العربي الفلسطيني منذ سنوات، أما الخارجي فهو متمثل بحالة الحراك الشعبي العربي وخاصة في مصر وما رافقها من عودة إلى الحضن العربي ( حتى هذه اللحظة على الأقل ) بعد غياب قسري دام عقود، ناهيك عن أثر هذا الحراك  الايجابي الذي تجلّى بالهبّة الجماهيرية نحو حدود فلسطين المحتلة.

 

وفي العودة إلى ما سيتم تداوله في الكونغرس الأمريكي فإن التفكير البراغماتي للإدارات الأمريكية المتعاقبة وخوفها على هذا الكيان الصهيوني الصنيع يعتبر حقاً مشروعاً لأمريكا حسب وجهة نظرها، كونها قاعدتها المتقدمة في المنطقة، وحصان طروادة الخاص بها، وذراعها الطويلة، ودولتها الديمقراطية الأولى في      المنطقة !! .

 

 وعلى هذا لابد لنا من التذكير لماذا يعتبرون "إسرائيل" الدولة الديمقراطية بامتياز؟!. مع ملاحظة قضية هامة تكمن في انقلاب المفاهيم والقيم الإنسانية والأخلاقية في العقلية الأمريكية تجاه ما يمس "إسرائيل" وأمنها.

 

فإسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض تحديد حدودها منذ اغتصاب فلسطين وحتى يومنا هذا، وهي الوحيدة التي تتزايد مساحتها باستمرار على حساب دول أخرى، والوحيدة في العالم التي يسري فيها قانون الطوارئ منذ أن فرضه الانكليز عام /1945/ أثناء احتلال فلسطين، فهي - إسرائيل- دولة الطوارئ بامتياز وهي بلد المراقبة المخابراتية والأمن، وهي التي كل شعبها يعتبر مجنداً ويحمل سلاحاً ومنظم ضمن أجهزته المخابراتية، ويتغنى بمجازر جيشها ووحشيته ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ولا يحق لـ /40%/ من شعبها التصويت في الانتخابات.

 

وإذا سألنا عن حقوق الإنسان فيها سنجدها تسن قوانين تُلزم الاعتراف بيهودية دولتها وأداء قسم لها، وتطلب من العرب الواقعين تحت الاحتلال تغيير أسمائهم العربية كشرط لتوظيفهم، وفوق كل ذلك تجبرهم على أداء القسم لدولتها ويهوديتها، وهي الدولة العرقية التعصبية الباقية في العالم التي تمارس التمييز العنصري على مواطنيها.

أما في مجال حرية الاعتقاد والحفاظ على التراث الإنساني فسنجدها الوحيدة التي تمنع ممارسة الطقوس الدينية، بل وتعتدي عليها، وتهدم المساجد وتعتدي على أراضي الكنائس وزوارها، وتمتلك أكبر ترسانة عسكرية ونووية في المنطقة ولا تقبل بوضعها تحت المراقبة الدولية.

 

وخلافاً للحقائق فإن هذه ( الدولة الديمقراطية !! ) تتفنن بقلب الحقائق وتزوير التاريخ لصالحها، وتتهم كل من يتعارض مع مصالحها بمعاداة السامية حتى ولو كان سامياً، وتمارس إرهاباً فكرياً وجسدياً على كل من يحاول دحض أكاذيبها، وهي تدّعي أن النازيّة الأوروبيّة مارست بحق اليهود جرائم إبادة وتستفيد من هذا الادعاء ماديّاً ومعنويّاً كتعويض عما لحق بها من ضيم، بينما ترفض التعويض للشعب الفلسطيني جرّاء مجازرها اليوميّة بحقهم، وتؤكد أن قتلها للأطفال والنساء والشيوخ إنما هو دفاع عن النفس !!.

 

واحترامها للشرعيّة الدوليّة يتجلى بعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وممارستها لإرهاب الدولة بحق شعب أعزل منذ ما يزيد على / 66 / عاماً، وتعتدي على بشكل دائم وسافر على دول عربية مجاورة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي قتلت وتقتل يومياً ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية والسماوية، وتشعر بحرية التصرف كما تشاء دون عقاب ومحاسبة يساعدها على ذلك سياسة الغرب التي تغض الطرف عن تصرفاتها وسياستها اللإنسانية، فتجد كل شيء جاهز لها دون حساب على ذلك ودون تبرير لأحد، وكل جرائم الإبادة في العالم تتحول بأسرع وقت ممكن إلى المحكمة الجنائية الدولية  / icc / لكن مع إسرائيل الأمر يختلف ؟!.

 

"إسرائيل" الدولة التي يقوم وجودها على أساس ديني محض، دولة مختلقة ومبتكرة، وفكرة وجودها خيالي، فَجَمع اليهود والجمعيات الدينية التي تعيش في دولة مختلقة وحصرهم في منطقة واحدة يبدو كتحقيق لحلم المدينة الفاضلة الأفلاطونية،  لكن لليهود فقط، وهذا الحلم غير قابل للعيش لزمن طويل لأنه مجتمع بني صناعياً بلا جذور، تماماً كغصن شجرة غرسوه بالأرض، وأوجدوا له كل مقومات الحياة، وهيئوا له جميع الظروف المواتية للعيش من ماء وهواء وطاقة، فهو قابل للعيش، لكن سيأتي يوم لابد أن يُقطع فيه هذا المصدر المغذي للغصن، وتنتهي تلك الظروف، وذلك بحكم المسلمات الكونية التي تحكم بفناء كل شيء، بعكس فلسطين التي تبدو كشجرة جذورها تمتد عميقاً في الأرض والتاريخ، والحياة فيها حقيقة لأبنائها الذين يكتبون قصة تاريخها بدمائهم، ويفندوا بتضحياتهم المقولة الصهيونية بأن الآباء يُقتلون والأبناء ينسون .. وما الزحف باتجاه فلسطين إلا الدليل على ذلك.  

 

2011-06-22
التعليقات