syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
السلطة الرابعة في قلب الحدث ... بقلم : باسم عبدو

أصدر رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 24 أيار ،2011 قراراً بتشكيل لجنة من الاختصاصيين والإعلاميين وأصحاب الخبرات في المهنة من الإعلام العام والخاص، أوكلت إليها مهمتان هما الأولى صياغة قانون إعلام جديد. الثانية وضع الآليات اللازمة لإعادة هيكلة منظومة الإعلام الوطني المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني، والمقترحات اللازمة لتطوير عملها، بما يتناسب مع المهام التي يتضمنها القانون الجديد، والدور المنوط بهذه المنظومة، وبما يتناسب مع حاجات المجتمع وبيئة الإعلام المعاصر.


لقد كانت الرقابة على الصحف متعبة للصحفيين من جهة، ولصاحب الصحيفة، إن كان فرداً أو حزباً من جهة ثانية.. وعلى سبيل المثال (العملي) وكي لا نغوص في التنظير، كان الحزب الشيوعي السوري و(جميع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية) يرسل جريدة (نضال الشعب) إلى القيادة المركزية أو(مُخبر الرقابة). ويوضع الختم على كل صفحة. وإذا وجدت بعض الملاحظات تسجل أيضاً، ويؤخذ بها حتماً.. ولكن للإنصاف بعد السماح لصحف الجبهة بالصدور، تمَّ ترحيل الرقابة. ومنذ صدور جريدة (النُّور) عام 2001 حتى الآن لم تتوقف الجريدة أو تمنع من الصدور أو تشطب أية مقالة منها.

 

لقد صدرت حزمة مراسيم هامة جداً، تشكل ملامح برنامج وطني لسورية المستقبل، منها تشكيل لجنة لوضع مشروع قانون عصري للإعلام. وتتألف اللجنة من خمسة عشر عضواً. وكلّها أسماء صحفية وإعلامية معروفة في الوسط الإعلامي، ولكن معظمها من الإعلام الحكومي (الرسمي) باستثناء بعض الأسماء، من صحيفة (الوطن) و(أبيض وأسود) وكاتبة كما أعلم من خارج القطاعين(العام والخاص). السؤال ألا تتسع هذه اللجنة لصحفي من جريدة (النور)؟ ألا يمكن توسيع دائرة اللجنة أكثر؟ وبرأيي أن الملاحظة الموجودة في أسفل قائمة أعضاء اللجنة (يحق للجنة أن تستعين بمن تراه مناسباً لتسهيل مهمتها) هي ملاحظة (رفع عتب..!).

 

إنَّ مشروع قانون الإعلام الذي سيصدر بعد شهرين، وسيناقش شهرين آخرين أيضاً، نسعى لأن يكون قانوناً عصرياً يلبّي حاجة المواطنين. ويعبّر عن مطالبهم وقضاياهم الصغيرة والكبيرة. ويلغي السؤال المكرر (البليد) ماذا تقرأ؟ أي جريدة حكومية تفضّل؟ ويتضاحك السائل ويردد(ثلاثة في واحد..!).

 

إنَّ المرحلة التي تمرُّ بها سورية هي مرحلة انتقالية، ستنقل البلاد إلى (سورية الجديدة)، بعد إنجاز ما يسمَّى بـ (تطهير الإعلام الحكومي) وتغيير السياسة الإعلامية، من سياسة تتحكَّم في القارئ، وتلزمه بقراءة العناوين نفسها في ثلاث صحف يومية، وتنفيذ البرنامج الإصلاحي. ولا يرى المتلقي القارئ أن الإعلام يهمّه كثيراً..وهذه نظرة الناس وما يقولون. ولكن ليس كل ما يقال هو حقيقة، وحتى الصحافة الحكومية في(وجهها الآخر) كشفت الكثير من الجرائم، وعمليات الفساد والرشاوي وسرقة المال العام، وغيرها. فالإعلام كما عرَّفه الدكتور إبراهيم فواز الجباوي (نشاط إنساني لأنه فكرة ومشاركة وإقناع، عن طريق بث المعلومات والحقائق والأخبار والأرقام والإحصائيات). ويقول أيضاً(وبرز عنوان آخر مرادف لكلمة الإعلام، وهو الاتصال الجماهيري، مع وضوح الفرق بين الإعلام الذي يفترض فيه الموضوعية والحياد، وبين الدعاية التي تتبع أسلوب الاغتراب والإثارة وتحريك العواطف).

 

ويشكو الصحفيون منذ سنوات طويلة من حجب المعلومات عنهم، ويحذّر المديرون الموظفين، بل ويهددونهم بالطرد أو بفرض عقوبات شديدة، على كل من يدلي بأية معلومة لأي صحفي.

 

يؤكد الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، أنَّ مصادر الصحفيين نوعان إمّا شخصيات مهمة لديها المعلومات الصحيحة والمؤكدة، وتُسمَّى بـ (الرؤوس)، أو أشخاص لا وزن لهم، يعرفون القليل من المعلومات. وكثير مما يذكرونه يندرج تحت بند الشائعات، أو المعلومات المنقوصة وتُسمَّى بـ (الذيل). ويرى هيكل أن على الصحفي أن يحتفظ بعلاقات طيبة مع المسؤولين السابقين. والمعلومات هي المادة الخام التي يتعامل معها الصحفي، وتجميعها والتحقق من دقتها ثمّ تحليلها فهذا صحيح ولكن..! ليس سهلاً الحصول على المعلومات، لأن هذا المسؤول أو ذاك مثلاً، يقدم المعلومات التي يسمح له وضعه أو مركزه الوظيفي بأن يقدمها. وكي يكون الصحفي منفرداً والصحيفة متميزة، عليه أن يغرد خارج السرب، وأن يتخلَّى عن منظومة القطيع التي تكتفي بالحصول على المعلومات المتاحة للجميع، والبحث عن معلومات وموضوعات تحقق السبق والتفرد. وينصح خبراء الصحافة بعدم الاعتماد على ما تقدمه العلاقات العامة من معلومات لأنها متاحة للجميع.

 

يقول المثل الغربي (إذا كنت صحفياً وقالت لك أُمُّك أنا أُحبّك، فاذهب إلى مصدر آخر لتتأكد من المعلومة). وهذا المثل يعكس أهمية الدقة فيما يكتبه الصحفيون..فالدقة هي دُرَّة التاج في العمل الصحفي، لأنها المبرر الوحيد لثقة القارئ فيما يكتبه الصحفيون. ويرتبط الصحفي لكتابة مقالة أو خبر بمصدر ما، والمصدر حريص جداً، كما قلت على عدم تسريب المعلومات، أي هناك عملية توازن بين الصحفي والمصدر.

 

السُّؤال الذي ينتظر الإجابة عنه ما هي التصورات المرتقبـة في مشروع قانون الإعلام بعد شهـــــــرين من الانتظار؟

هناك تصورات كثيرة، واقتراحات عملية ناتجة عن التجربة الصحفية في سورية، يجمع عليها الصحفيون والإعلاميون،من أبرزها

أولاً : أن يكون قانون الإعلام قانوناً عصرياً، يتناسب مع الثورة التكنولوجية ومتطلبات العصر وملبياً لتطلعات المواطنين السوريين.

 

ثانياً:  إعادة الثقة بين جمهور القراء والإعلام بأنواعه كافة.

ثالثاً : إلغاء مواد العقوبات القسرية التي (تُرْعب) الصحفي، وإيجاد مواد تسهّل عمله للحصول على المعلومات الصحيحة... بكلمة رفض قانون العقوبات رفضاً قاطعاً.

رابعاً : الحفاظ على سرية المعلومات التي يحصل عليها الصحفي، وعدم البوح بها إلاَّ أمام المحكمة المعنية.

خامساً  :إقامة دورات تدريبية، خاصة للصحفيين الشباب المتخرجين حديثاً، من القطاعين العام والخاص.

 

سادساً : أن تكون المؤسسة التي يعمل فيها الصحفي، هي المسؤولة أمام القضاء فيما إذا تقدمت إحدى الجهات بإقامة دعوى ضد الصحفي.

سابعاً:  إلغاء الأبوية الإعلامية والوصائية الفوقية، وإيجاد ما يسمى بالرقابة الداخلية من قبل المؤسسة نفسها.. وهذا ما يتطلبه العمل المؤسساتي، بكلمة (مأسسة العمل).

ثامناً : وضع مادة في القانون الجديد تعطي الصحف الخاصة حق التنظيم النقابي المستقل، وحق الانتساب إلى اتحاد الصحفيين لأي صحفي ينطبق عليه النظام الداخلي، وإلغاء ما يسمى بـ(الصحفي المشارك).

 

تاسعاً : حرية الكلمة والتعبير بما لا يخالف المواد القانونية. وعدم التعرض للقضايا الشخصية، أو التجريح والاستهتار بأي شخص أو مدير أو مسؤول أو أي مواطن.

إنَّ الإعلام رسالة يومية متجددة، تهدف إلى إضافة معلومة جديدة للمواطن المتابع، ورافد معرفي يزيد الوعي ويطور المعرفة..والإعلام زوَّادة لغذاء الذاكرة وغذاء الروح.

باسم عبدو

2011-07-11
التعليقات