لملمت الأحداث القلوب المتفرقة التي كانت منهمكة بمشاغل الحياة لتأمين لقمة العيش حيث لم نكن نجلس معاً كعائلة كما لم نكن نعير بالاً للأمان الذي كان من بديهيات الحياة لدرجة عدم الانتباه لوجوده فمن يتفقد أصابع يده أو أعضاء جسده أو ينتبه لها قبل أن تؤلمه ليستخلص أن هناك الكثير من الحقائق المتماهية مع الوجود لدرجة عدم الانتباه لها .
ونتيجة لانقلاب الأمور وافتقادنا للأمن وخوفنا مما تخبئه لنا الأقدار على يد من باعوا ضميرهم ومستقبل أمتهم من أجل حفنة من الدراهم أو بسبب حقدهم وخلفياتهم الإجرامية صارت السهرات تجمعنا فنسهر أمام المنزل أو على الشرفات بانتظار تبادل إطلاق النار بين المخربين وقوى الأمن أو الجيش ليبدأ دورنا في تهدئة روع النسوة وإعلان الكذبة اليومية على الأطفال أن هذه ألعاب نارية أو تبادل طلقات خلبية بين الذين يلعبون دور اللصوص والذين يلعبون دور رجال الشرطة في لعبة "عسكر وحرامية " أو هي تحيات بين الرجال السيئين الذين لا يجدون إلا حديث السلاح للتعبير عن الفرح أو الحزن أو تبادل التحيات
وفي أحد السهرات وكانت الجلسة هادئة لم تعلن بدء توترها بعد وإن لم نكن ننتبه لضوء القمر النازف كما مئات الشهداء والجرحى في وطن صارت لغة الدم أحد وسائل تعبيره عن الحرية جاءت ابنة أخي من الداخل حاملة دفترها وتمشي بتباطؤها المعهود وتذمرها المعتاد من وظائف التعبير والنحو واللغة العربية وقالت " الآنسة تريد موضوع تعبير عن أحد الشهداء وأمي عم تقلي انو في شهيد اسمه هاني أنيس عباس وانتو بتعرفوا عنو معلومات معقولة من صف الرابع أنا بدي أعرف أكتب موضوع تعبير بدون ما حدى يساعدني ؟
لم أدري في تلك اللحظة كيف اغرورق الدمع في عيني وشغّل الذاكرة ومحا كل الأحداث الجارية ليظهر فجأة الدفتر العتيق يملاً كل تلافيف وخلايا الدماغ بغلافه البني الذي كنت دائماً أنزعه وأعيده إليه والذي كانت أمي تصر على الاحتفاظ به لقناعتها أنني مع فشلي الكبير في كل المواد العلمية لصعوبتها وعدم تناسبها مع الفكر المبدع لابنها والمواد النظرية لأن ابنها المتميز لا يحب الحفظ البصم ولكنه في التعبير تحديداً مميز لدرجة أن كل النسوة صرن يكرهن التعبير والمواضيع لأن أمي كانت تطلب من أختي أن تقرأ كل ما أكتبه من مواضيع على الجارات وهي تفتخر وتقول "عنجد مو مواضيعوا حلوة كتير " وطبعاً الجارات كنّ يوافقنها الرأي على اعتبار أنه لا ضير من سماع بعض العبارات غير المفهومة مع فنجان القهوة أو كأس المتة و الأكيد أنهنّ كنّ يتناجين سراً " كل أم بتفكر أنو ابنا عبقري زمانو "
وأجبرني صعود الدم إلى رأسي في تلك اللحظات إلى الوقوف فذهبت إلى غرفتي وبحثت بين الأغراض القديمة ووجدته بعد جهد كبير وجدت دفتري العتيق وبدأت بتقليب صفحاته المغبرة إلى أن وصلت إلى مطلبي
اليوم الخميس 11 / 4 /1976 الحصة الثالثة الدرس تعبير الموضوع الشهيد
بالقلم الأحمر على امتداد ثلاثة أسطر وبخط كبير وواضح
أكتب موضوعاً عن شهيد تعرفه تبين فيه معنى التضحية و الشهادة وتذكر أسباب استشهاده ونتائجها نجمتان باللون الأخضر على امتداد ثلاثة اسطر بيضاء في النجمة الأولى مكتوب "الشهيد " وفي النجمة الثانية " أنيس عباس "
باللون الأسود تعريف للشهيد وأيضاً ثلاثة اسطر
الشهيد هو من استشهد على يد العدو الصهيوني أثناء تحريره الأرض العربية المحتلة أو أثناء دفاعه عن وطنه ضد هجمات الجيش الإسرائيلي المدعوم من أمريكا وانكلترا وفرنسا ذلك الجيش الذي يتصف بأنه طماع وغدار يريد دائماً احتلال المزيد من الأرض العربية تثبيتاً لمقولة حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل
باللون الأحمر والشهيد أنيس عباس ضحى بدمه في حرب تشرين التحريرية عام 1973 في معركة تحرير القنيطرة من الاحتلال الإسرائيلي وله أربعة أولاد سمير وهاني وعباس ووائل وكانت زوجته حامل وقد قالت أنها ستسمي ابنها القادم إن جاء ذكراً أنيس على اسم أبيه وإن جاء أنثى أنيسة أقرب الأسماء إلى اسم أبيها وهذا ما حصل
نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى "استشهد في " وفي الثانية " معركة التحرير "
وباللون الأسود إن العدو الإسرائيلي هو وحده سبب الدمار والخراب والقتل في المنطقة وعدم إحلال السلام ووحده من يقوم بقتل الشهداء ولم أسمع يوماً أن هناك من شهيد استشهد إلا على يد العدو الإسرائيلي ( )
باللون الأحمر عندما سئل ابن الشهيد الثاني واسمه هاني عن ماذا سيصبح في المستقبل قال أريد أن أصبح شهيداً مثل والدي فأبي بطل وأنا أريد أن أكون بطلاً مثله
نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى " أنيس عباس " وفي الثانية "هاني أنيس عباس " ( )
باللون الأسود مهما فعلت إسرائيل وأعوانها من جرائم وقتل وتدمير فهي لن تستطيع هزيمتنا لأن أطفالنا يحلمون بالشهادة ويخططون لها من صغرهم
باللون الأحمر أي كرم يميز الشهيد الذي ضحى بدمه من أجل وطنه وأي كرم يميز عائلته التي لن تبخل بشهيد ثان وثالث
نجمتان باللون الأخضر مكتوب بالأولى " النصر " وفي الثانية "لسوريا "
باللون الأسود إن إجرام الصهيونية لن يمنعنا من تحرير أرضنا العربية المحتلة في الجولان وسيناء وفلسطين العربية مهما حاولت إسرائيل وأمريكا طمس ملامحها العربية
وما إن انتهيت من القراءة حتى انتبهت إلى أن الدموع تركت أثارها الدائرية والعشوائية فوق الصفحات المغبرة فأمسكت الأقلام التي كانت مع الدفتر وكتبت بالقلم الأحمر في الآثار الموجودة عند تعريف الشهيد بالعبارة "أو تم اغتياله من العصابات الإجرامية لأنه يحافظ على سلامة وطنه وأمنه " أما باللون الأخضر وعلى بعض آثار الدموع جانب النجمة التي تضم اسم الشهيد هاني أنيس عباس فكتبت " حقق حلمه " وأما باللون الأسود فكتبت جانب إن إجرام الصهيونية " أو المتآمرين الخونة المتعاملين معها والعصابات الإجرامية التي تسعى لتخريب وطننا الغالي وجره إلى المجهول "
وفي نهاية الموضوع كتبت :
أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ودمعة أم شهيدٍ وزوجة شهيد
أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر وزغاريد النسوة ترحيباً بالعريس
أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ورش الأرز على موكب الشهيد ابن الشهيد
وبحثت عن صفحة بيضاء في آخر الدفتر العتيق وكتبت بين الدمع والكلمات
الشهيد هاني أنيس عباس تولد عام 1966 لديه صبين وبنت عمرها ثلاث سنوات استشهد في طريق عودته من دوامه على طريق حماة حمص عند مفرق الغجر ومعه اثنين من رفاقه على يد العصابات الإجرامية
وأبوه أنيس عباس استشهد في حرب تشرين التحريرية عام 1973 على يد العدو الصهيوني
لم تندب أم الشــــهيد لم تشهق بالبكاء
ما سمعنا إلا الزغاريد ومواويل الرثاء
ما سمعنا إلا الأناشيد عن طهر الدماء
الأم :
يا بني الحكي بسرّك
موتك كسر ضهري
الرصاصة بصدرك
يا ريتا بصدري
الأخوة :
رافع راسي بهاني خي ودمو غالي كتير علي
قال الوطن ساكن في وفدى الوطن انا وبي
الأم :
ابنك اجى لعندي
ودمعي على خدي
تيتا متل جدي
بي انقتل غدرِ
شو بقول لخي
كيف انقتل بي
يا ريت لو فيّ
اعطيه من عمري
هل هناك من يستطيع أن يفسر لنا قتل الشهيد هاني من قبل المتظاهريين السلميين والى متى سيبقى أولئك المدافعين والمتستريين يعمهون في ضلالهم
الرحمة للشهيد ةالصبر والسلوان لأهله شعرت بالألم عندما قرأت قصتك وأحسست أن هؤلاء المجرمين قد انتقوا الشهيد من بين كل الناس ليحققوا حلمه من جهة وليزيدوا حسرتنا عليه من الجهة الأخرى
أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ودمعة أم شهيدٍ وزوجة شهيد أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر وزغاريد النسوة ترحيباً بالعريس أحمر وابيض واسود ونجمتان خضر ورش الأرز على موكب الشهيد ابن الشهيد
جميل استخدام ألوان العلم العربي السوري في تجزئة الموضوع
الشهيد مثال حقيقي على قدرة البشر على العطاء والشهادة قدرة البشر على الكرامة ولا يكون ذلك إلا من كريم عزيز النفس
أكتب موضوعاً عن مئة وعشرين شهيد استشهدوا في مجزرة جسر الشغور تبين فيه معنى التضحية و الشهادة وتذكر أسباب استشهادهم ونتائجها وكيف أن الكثيرين لا زالوا يصرون أنه لا يوجد مسلحين وأن المظاهرات سلمية وأن أمريكا تدعم الحرية لن أنسى أن أشكرك على الموضوع
كم كانت أكثر فخراً لو كانت شهادته كشهادة أبيه على يد العدو الغاشم في تحرير الجولان كما استشهد اباه في تحرير القنيطرة وليكن استشهاد ابنه لتحرير فلسطين العربية فكلنا أولا وآخرا مشاريع شهداء
ابنك اجى لعندي ودمعي على خدي تيتا متل جدي بي انقتل غدرِ شو بقول لخي كيف انقتل بي يا ريت لو فيّ اعطيه من عمري ألهم الله أهلك يا هاني الصبر والسلوان
سوريا بتستاهل ونيال الشهيد
دفترك العتيق ألهب مشاعرنا وأبكانا الرحمة للشهيد ابن الشهيد والله يصبر أهله
علمو أنّهم مهما تفوقوا عسكريا لن يهزمونا لأننا نمتلك سلاح الشهادة ..... فحاربونا بنفس السلاح عن طريق بعض المشايخ ومتل مابيقول المتل "مترين شاش ودقن ببلاش "
ماذا نقول لام الشهيد هل نقول أننا لم نكتفي بتضحيتك بزوجك في محاربة اسرائيل فعليك التضحية بابنك من اجل العرعور والقرضاوي وسعد وبندر وخدام وكل ذلك من أجل عدد من المرتشين والمخربين الذين باعوا وطنهملأعدائنا
للأسف وحتى الآن يوجد من يقول أنه لا يوجد مسلحين ولا يعترفون بوجود المؤامرة شكرا لكل قلم يوضح ما تقوم به اسرائيل وأعوانها من جرائم بحق الشعب السوري
انا ياأخي كحال كل المعلقين احسست بقشعريرة تسري دمي واوصالي وكأكننا فعلا كنا معك وانت تنبش بين دفاترك القديمة بس اسألك؟! ... ان حافظ على هذا الدفتر العتيق..؟! ودع تلك الطفلة البريئة تحافظ على دفترها؟!... رحم الله شهداءنا الابرار ...شكرا جزيلا لك..
ما أقدس وما أروع تلك التضحية بالروح من أجل الوطن صحيح إن الشهيد كريم وإلا كسف سيقدم أغلى ما يملك وصحيح أن عائلته أكرم وإلا كيف تستطيع أن تهب الشهيد تلوا الشهيد وفق الله بلدنا وحماها من كل شر
الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر أسكن الله الشهداء فسيج جنانه والخلود للرئيس الراحل حافظ الاسد وروحه الطاهرة
إن أقسى ما في هذه القصة أنها حقيقية وأنا من أصدقاء هاني ابن الشهيد أنيس وأقول إن من قتلك يا هاني قد وقف بجانب العدو الاسرائيلي الذي قتل أباك وهنيئاً لك الشهادة كما كانت لأبيك والويل الويل لكل من ساهم بقتلك سواء باخفاء المعلومات أو بالتظاهر أو بحمل السلاح ويلهم من عذاب ربهم الذي يمهل ولا يهمل
احسست بالقشعريرة تسري في اوصالي و انا اقرأ ما كتبته اخي فواز. .احسست انني كنت معك في كل لحظة من كلماتك . . رحمة الله على شهداء الوطن
كلماتك سيدي دخلت عيوننا فأدمعتها ودخلت قلوبنا وعقولنا بجد كلماتك أثرت فينا كثير ،وصفك مميز ،بس هالعصابات يلي عم تطلع ما هي إلا أذناب لاسرائيل وتتمة لما تخطط له من زمن بعيد،واذا بعرف الشهيد رح ابقى قول يلي بيموت وهو عم يدافع عن وطنه وأمن وطنه ضد اسرائيل(بكل ما تحمله كلمة اسرائيل من تبعات)
كل الشهداء دمهم غالي على قلبنا ولكن أين هذه الجريمة من مجزرة جسر الشغور والحمد لله لم يتم تقطيع الشهيد ولم يتم التمثيل بجثمانه