أخرج من جيب سترته المفتاح ..... فتح الباب و دخل... كان الجو بارداً و مظلماً ... أشعل النور و نظر حوله فوجد كل شيء حزين و كئيب و يشكو من وحدته ويعلن استسلامه و جحافل الغبار تملئ المكان وتلفظه دون استحياء و المقاعد فارغة تشبه الأوثان كم تمنى في تلك اللحظة لو يأتي بفأس سيدنا إبراهيم عليه السلام و يحطم كل هذه الأصنام .
ترقرقت الدموع في محاجر عينيه وأحس بغصة تملئ قلبه و تطبق على صدره و تذكره بأيام الزمن الجميل التي لن تعود أبدا....
كان كل شيء في هذه الشقة يذكره بها فتلك الستائر الذهبية هي من اختارت لونها و شكل عقدتها لتتناسب مع لون الفرش البني و تلك اللوحات هي من علقتها و وزعتّها في الشقة وتلك الورود بيديها الغاليتين نسّقتها و زيّنتها و غرفة النوم هي التي أصرّت أن تكون بيضاء ناصعة لأنها كانت مولّعةً باللون الأبيض ولا ترضى عنه بديلاً .
كان كل شيء جميل .... كان كل شيء جاهز... و بانتظار الربيع القادم لنقيم فرحتنا الكبرى ...
حيث كانت البدلة البيضاء تنتظر العروس في الخزانة و بطاقات الحفل جاهزة في المطبعة و كان كل شيء يملكه رهن سعادتها وإشارة من إصبعها و همه الوحيد هو إرضائها ولا يتخيل حياته لحظة واحدة بدونها كان يخاف عليها خوف الصائغ على ماساته و يداريها كما تداري الأم الحنون طفلها الرضيع حتى أصبحت هي كل حياته ومنتهى آماله و لا تنفرد أساريره إلا عندما يسمع بسيرتها و يقفز قلبه خارج صدره إذا ذكر اسمها و لا يرتوي من شم نسيم الهواء الغربي لأنه يمر من أمام بيتها حتى أصبحت قبّلته و أنفاسها عطره و لمسة يديها هي دوائه و استمرار وجوده .
لم يكن يتصور أن ينتهي ذلك الحب العظيم بهذه الطريقة و يطوى طي السحاب و يصبح مجرد ذكرى حزينة في ذاكرة الأيام المنسية.
أما لماذا حدث ذلك فتلك هي قصتنا ............
كانت ريم تسكن في منطقة شعبية بسيطة و بدء اسم هذه المنطقة يقفز إلى الواجهة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلد حيث بدأت تخرج من شوارعها و أزقتها بعض المسيرات التي تطالب بالحرية و الإصلاح و لم يكن يعلم أن في سورية يوجد ثلاثة و عشرون مليون مفكر و محلل سياسي و ناقد إعلامي إلا عندما يقوم بزيارة بيت خطيبته فهو مثل أي شخص عندما يريد زيارة خطيبته يحلم بجلسة رومانسية هادئة معها و كلام معسول يخرج من مبسمها و يخطط كيف يلمس يدها و ربما يكون محظوظ و يسرق منها قبلة و تصبح هذه القبلة شعلة تتوهج في قلبه أسبوع كامل و تعطيه زاداً و زوادة للزيارة القادمة.
أما منذ بدأت الأحداث فأن هذه الزيارة أصبحت جزءاً من برنامج أكثر من رأي و ربما كانت الأمور تتطور لتصبح حلقة من برنامج الاتجاه المعاكس كان كل من في البيت ينتظر زيارته ليدلوا بدلوه و يشرح وجهة نظره و يحلل الأحداث الأخيرة كما يحب و يشتهي و يتخيل.
يتحدثون عن المسيرات والمظاهرات و عن ارتفاع سقف المطالبات و عن العصي و الهراوات و يتوعدون بمزيد من الاحتجاجات و الإضرابات و كان يحاول دائماً أن يكون معتدلاً في موقفه لا يسايرهم في كل الأمور و لا يعارضهم في كل ما يقولون يحدثهم و يذكّرهم بأنه طالما سيد الوطن أعترف بوجود بعض الأخطاء و ضرورة الإسراع بالإصلاح و أن الكثير من المطالب هي مطالب محقة و وعدكم بمكافحة الفساد و محاسبة المقصرين و أصدر العديد من القرارات الجديدة لرأب الصدع بين الحكومة و الشعب و بيّن لكم الفرق بين السرعة و التسرع فعليكم الآن الانتظار و التروي لتتضح الأمور و تزال الغشاوة من العيون .
و لكن لا حياة لمن تنادي ....و لا نداء لمن تحاكي ....
كان كلما صدر مرسوم أو عفو جديد يحمله بين ذراعيه و ينطلق فرحاً نحو بيتهم لعل المياه تعود إلى مجاريها و تردم الهوة بينه و بينهم فتقام على شرفه قمة مصغرة لمناقشة التطورات الأخيرة و ما يستجد من الأمور و لكن كل ذلك لم يكن مجدياً معهم وكان كل واحد منهم لا ينظر إلا من منظاره و لا يسمع إلا صوت عقله يريدون فقط خراب هذا البلد والعودة به إلى النفق المظلم .
وما زال يذكر جيداً أخر زيارة لبيت خطيبته حيث كان الجو متوتراً للغاية بالقرب من منزلهم و اضطر للوقوف أمام الحواجز عدة مرات ليصل إليهم وحين طرق الباب و دخل و سلم عليهم لم يستطع أن يخفي مظاهر الملل و الضجر التي أصابته على الحواجز و بدأ بإلقاء اللوم على من افتعل هذه الأحداث و حرمنا من نعمة الأمان و الاستقرار التي كنا نعيش بها و لكن خطيبته لم تشاطره الرأي و ألقت باللائمة على عناصر الأمن الذين يطوقون المكان ويفتشون السيارات و يحتجزون الشباب و ما كان منه إلا أن ذكرها بأن سبب المشكلة محصور في منطقتهم و باقي أحياء المدينة آمنة و هادئة و لا يوجد فيها أي من هذه المظاهر وعدنا إلى السؤال الأزلي و النقاش الأفلاطوني من خلّق أولاً البيضة أم الدجاجة أو بالأصح هل بدأت المشكلة بالمظاهرات التي خرجت تنادي الحرية و الإصلاح أو عن طريق ممارسات بعض عناصر الأمن و الشرطة التي حاولت بسط سيطرتها و أعادة الأمور إلى نصابها أم أن أطراف أخرى دخلت على الخط الساخن و بدأت تصطاد في المياه العكرة ....؟
كانت كل سبل الحوار مقطوعة وكافة قنوات التواصل مغلقة و أحس بحاجته إلى محكمة دولية تفرق بينهما وتزيل اللبس الحاصل في كل أحاديثهم حيث كان كل منهم يتربص بالطرف الأخر ولا يغفر له زلة.
ضاقت بهما الطرقات بعد أن رحبت و وصلا إلى حافة الهاوية و ظهرت علامات التعب و الإرهاق على خطيبته وانفجرت باكيةً واتهمته بالجبن وعدم الشعور بالمسؤولية وفقدان الإحساس بالناس ورمت محبسها في وجهه وطلبت منه نسيان كل ما جمع بينهما ....
مسح دمعة أخرى ترقرقت من عينيه .. قام و أطفئ النور و ترك المكان بارداً مظلماً وهو لا يلوي على شيء .
نختلف أحياناً في الرّأي لكن لنكن بعيدين عن الفراق والحزن ، واختلاف وجهات النظر لا تورّث العداء وإنّما تغني التفكير ، وعلى كلّ شريك أن يصبر على شريكه في هذا الأمر لأنّ الحبّ هو الأقوى والأثبت ، والاختلاف أحياناً سببٌ لبقاء الشريكين معاً لأنّ كلّ واحد باختلافه يكمّل الآخر . استحضرني قول ثائر فرنسي :"أخالفك في الرّأي ، لكنّني مستعدٌّ لأن أموت في سبيل حقّك في أن تعبّر عن رأيك ". أرجو أن يكون الحبّ هو الغالب بين المتفرّقين ...اللّهمّ أبعد الحزن والهمّ .
ارجوالتوضيح لكل القراء الاكارم نسرين التي هي أنا الآن فتاة مغايرة للأخت نسرين التي نعتت الكاتب بالجبن فمن وجهة نظري أرى في بطل قصة كاتب المقال شعلة متقدة من الوطنية و الغيرية على الوطن ورفض كل المآسي والأزمات والمحن ألا أصلح الله حال بعض البشر أمثال بطلة المقال ومن مثلها في هذا الزمن كل الشكر لك أخي الكريم أحمد أبدعت في السرد سلمت الأنامل ودمت بخير ...
على مايبدو أن همك الوحيد هو أن تهدأ الأحوال و تعود الأمور الى طبيعتهامن أجل أن العرس و بعد العرس يلي بدوا يصير يصير و يلي بدوا يطير يطير
الاختلاف في الرأي وليس الخلاف قد نختلف في الرأي للطريقة لبناء الوطن ام من يريد اب يهدم البلد ومن يريد ان يبنيها فهذا خلاف حقيقي وليس اختلاف في الرأي
انت من خلال عرضك لقصتك حاولت ان تلقي بالخطا على خطيبتك وعلى اهلها وبانهم متمسكون برايهم ولايقبلون الراي الاخر ولكنك من حيث لاتدري وقعت في نفس الخطأ حيث انك اعتبرت وبشكل لايدع مجال للشك بانك على حق وانهم مخطئون بقولك "لا يسمع إلا صوت عقله يريدون فقط خراب هذا البلد والعودة به إلى النفق المظلم ." اي انك حللت لنفسك ما حرمته عليها وهنا المشكلة انك لم تفكر للحظة واحدة ان رايها يمكن ان يكون صحيحا وان خالف رايك فكل منا يرى الحل بطريقته
انا برأي انو خطيبتك معها حق فمو معقول الواحدة تعطي قلبهاوعقلها لواحد جبان ولا يعبر عن رأيه ولا يتعاطف مع أهل خطيبته وحظها حلو انها اكتشفت ذلك قبل العرس
كل ماقرأته هو من صلب الواقع و هذا التباين في الرأي نجده داخل كل اسرة و ضمن كل بيت و أصبحت النقاشات على كافة المستويات و الأصعدة حتى الأطفال بدأت تعبر عن رأيها و تحرج أهلها و أصبحنا عاجزين عن اقناع أشدالمقربين منا و نخاف على مصير أسرتنا أن تتفرق كما حصل في هذه القصة المعبرة .
أرجو أن يكون عنوان هذه القصة فال خير على بلدنا و أن تكون نهاية هذه الأحداث قريبة و تعود الأمور الى سابق عهودها و يعود الأمن و الأمان الى البلد و تعود العجلة الاقتصادية الى الدوران لأن الكثير من يراهن على عودةاقتصادنا الى النمو و الزدهار و شكرا للكاتب
فعلاً المشكلة في طريقة تفكيرنا هي عدم اعترافنا بالطرف الأخر فكل من يخالفنا الرأي هو عدونا وهذه الثقافة لا يمكن أن تتغير في ليلة و ضحاها و هذا الاختلاف خلق المزيد من التصادمات حتى داخل البيت الواحد و لكل شيء فوائده و لعل الاحداث الاخيرة تقربنا من بعض أكثر
أهم شي بالعلاقة الزوجية لتكون ناجحة التوافق العقلي واذافي اختلاف أقل شي احترام الرأي بس اذا بأمور عامة هيك صار فبأمور البيت الداخلي كيف رح يكون
و الله العظيم ياخي و اقسم بالله الف مرة عندما قرأت قصتك احسست انها تتحدث عني لاني عشت نفس الوضع تقريبا و فسخت خطبتي لنفس الاسباب تقريبا و اكتشفت ان هناك اشخاص يفكرون بشكل متحجر ؟؟؟؟؟؟
قد نختلف أحياناً في الرّأي لكن لنكن بعيدين عن الفراق والحزن ، واختلاف وجهات النظر لا تورّث العداء وإنّما تغني التفكير ، وعلى كلّ شريك أن يصبر على شريكه في هذا الأمر لأنّ الحبّ هو الأقوى والأثبت ، والاختلاف أحياناً سببٌ لبقاء الشريكين معاً لأنّ كلّ واحد باختلافه يكمّل الآخر . استحضرني قول ثائر فرنسي :"أخالفك في الرّأي ، لكنّني مستعدٌّ لأن أموت في سبيل حقّك في أن تعبّر عن رأيك ". أرجو أن يكون الحبّ هو الغالب بين المتفرّقين ...اللّهمّ أبعد الحزن والهمّ .