syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
قراءة في مسلسل أبو خليل القباني .. بقلم حسن فاروق

يستمر شيخ المخرجين هيثم حقي في إثارة مشروعه التنويري الجريء وذلك بمواظبة أتباعه منهجه في أياء فترة هي من أخطر فترات بلاد لشام وذك بعد إنتاج ثلاثة أجزاء من تاريخ البديري الحلاق والتي كتب السيناريو لها الكاتب فؤاد حميرة ويعد هذا العمل من أهم الأعمال الدرامية التي تناولت التاريخ الحقيقي لمدينة دمشق في فترة حرجة جداً تثير بشكل واضح وجريء المحرضات الأولى لتأسيس دول بلاد الشام  وتكوين مجتمعاتها .


ويؤكد حقي دعمه لهذا النهج في تعاونه الأخير مع الروائي الكبير خيري الذهبي والذي أراد لرمضان هذا العام أن يكون إحياء لذكرى أحد أهم التنويريين العرب في القرن التاسع عشر ألا وهو الشيخ أحمد أبو خليل القباني مؤسس المسرح العربي والمسرح الموسيقي في العلم العربي عموماً ولكن هذه الشخصية الإشكالية والتي تعاون على ظهورها خيري الذهبي وهيثم حقي دافعاً المخرجة الموهوبة والواعدة اناس حقي لتنفيذه ،كانت قد خاضت معارك فكرية وأدبية وفنية مهدت لكل ما يسمى للفن في سوريا وبلاد الشام أن يكون .

فالشيخ أحمد أبو خليل القباني والذي كان الجناح الفني إذا صح التعبير لولاة التغيير في الإمبراطورية العثمانية مدعوماً بالولاة صبحي باشا بادئ ذي بدء والوالي العظيم أبو الدستور العثماني مدحت باشا صانع الديمقراطية في جوانب الدولة العثمانية ..

إذا فالشيخ أحمد واجه عتاة الجناح اليميني من رجال الدين في مدينة دمشق أو شام شريف كما كانت تسمى في تلك الفترة من الشيخ أبو سعيد الغبرة والذي ذكرته المراجع والوثائق المتعلقة بالقباني على أنه أشد من حارب القباني وأحرق له مسرحه مدعوماً بتلاميذه حتى وصل الأمر به إلى سفره بعريضة إلى الباب العالي لوقف هذه المهازل المسماة بالكميضة والمرسح.

وكان الراحل سعد الله ونوس قد اشتغل على الموضوع في مسرحية سهرة مع أبو خليل القباني ولكن الإضافة الكبيرة التي أضافها الذهبي وحقي إلى الصراع بين اليمين المتشدد ويمين الوسط الفني  الشخصية الرائعة التي جسدها الممثل الكبير خالد تاجا شخصية الشيخ سليم والذي يمثل الشخصية الدرامية الحقيقية التي تأثرت بالقباني والذي هربت ابنته نور الصبح (ديمة قندلفت)مع إحدى فرق الكوميضة اللبنانية إلى بيروت ومنها إلى القاهرة حباً منها بالتمثيل والفن..

 وبذلك يصبح الشيخ سليم معنياً بشكل شخصي بتدمير التجربة الفنية الوليدة التي بدئها القباني والتي لم تتوقف بمحاربة تياره الفكري بل بالوصول إلى عائلته و أسرته والتي دخلها السوس الفني كما يصفها الشيخ سليم وبذلك يشتد التحالف اليميني شراسة بين الشيخ سعيد الغبرة والشيخ سليم ويبدأان بضرب القباني وتجربته وينجحان بذلك مبعدينه إلى القاهرة والتي تلقفت تجربته  بنجاح وطورتها كما طورت الكثير من تجارب أبناء الشام الكبرى مثل الكواكبي والنقاش ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم الكثير.

وهكذا فإن العمل الدرامي أبو خليل القباني يقدم لنا أمثولة في التكامل الدرامي بين النص الذي أشبه بالنص السينمائي والإخراج السلس الذي يتيح لنا تخيل تلك الفترة بجلاء ووضوح كبيرين دون إرجاعنا إلى تراث باب الحارة السياحي وما أفرزه من تناسخات مشوهة لتلك المرحلة الحرجة من بلاد الشام .

فهاهنا يقدم الثنائي حقي - الذهبي شخصيات بديعة من مثل نور الصباح أول ممثلة مسرح في العالم العربي في شخصية تقدم لأول مرة في الدراما العربية كلياً وبأداء خطير ومحكم من ديمة قندلفت ، ويقدمان النجم باسل خياط بشكل مذهل حيث أكد هذا النجم تفوقه وتجدده الدائم ف يكل أدواره فهذا الأداء الهادئ لشخصية كثر الحديث فيها وقلت المشاهدة أرسخ في ذواكرنا وللأبد شخصية القباني العظيمة وأداء الخياط الكبير وصوته المهم في تجسيد موشحات القباني.

ومن غير باسل خياط يستطيع في العالم العربي تجسيد حركة وصوت وحالة أبو خليل بهذه البراعة الدقيقة بالتعاون مع الشابة اناس حقي التي أفردت له مساحة هائلة من الثقة بالعمل المشترك والتعاون .ونرى أيضاً الشيخان أبو سعيد الغبرة والشيخ سيلم يجسدهما إياد أبو الشامات وخالد تاجا ،فلأول ارتقى بأدائه إلى مصافي كبار الممثلين مؤكداً قيمته الفنية في الدراما السورية والثاني أكد وبالضربة القاضية تربعه على عرش التمثيل العربي عموماً بهذا الأداء الفخم لشخصية الشيخ سليم ومعالجتها بشكل لا يصدق من حيث الجدة والحداثة والشكل رغم أنه لو قام غيره بهذا الدور لخرج مكرراً من حيث الشكل والأداء .

من هنا أدعو الجميع إلى متابع العمل الهام والعظيم أبو خليل القباني وأدعو الثنائي حقي الذهبي إلى مزيد من التعاون لفائدة الفن العربي عموماً.

2010-10-05
التعليقات