رسالة إلى زعماء أمريكا وفرنسا وقادة الاتحاد الأوروبي
سورية في موقع الحدث
رأيت من الواجب أن أرسل هذه الرسالة إلى زعماء أمريكا وفرنسا وقادة الاتحاد الأوروبي حول تطورات الأوضاع في سورية ، بداية أعلن رفضي القاطع كما أعلنت الحكومة السورية للتصرف غير المسؤول الذي قام به بعض الشباب السوري المتحمس في مهاجمة السفارتين الأمريكية والفرنسية وقذفها بالحجارة والبيض والبندورة ، رداً على زيارة السفيرين الأمريكي روبرت فورد والفرنسي أريك شوفالييه إلى مدينة حماة واللقاء الذي جمعهما مع المعارضة في نفس اليوم الذي كانت تنعقد فيه أعمال مؤتمر الحوار التشاوري بين أطياف المعارضة والنظام وعلى مستوى عال ، حيث مثل الحكومة نائب الرئيس فاروق الشرع بهدف الخروج السلمي من الأزمة التي تشهدها البلاد .
نعم أقول إننا ضد التهجم على السفارتين وعلى أي سفارة أخرى ، ولكننا في نفس الوقت نرفض التحريض الخارجي لأي مسؤول كان ، فالزيارة غير المسؤولة للسفيرين إلى مدينة حماة جاءت في توقيت غير مناسب لأن أنظار السوريين جميعها كانت تتجه إلى هذا المؤتمر الذي عقدت عليه الآمال لأن الحوار هو الكفيل بالتوصل إلى نقاط يتفق عليها المشاركون .
لقد أدانت الخارجية السورية الهجوم الذي استهدف السفارتين وأمنها ، وفي الوقت ذاته أعربت عن امتعاضها لهذه الزيارة لأنها اعتبرتها خرقاً للمادة 41 من معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية واعتبرتها تدخلاً غير مسؤول في الشأن الداخلي السوري . وهنا أريد أن أقول إن المجتمع الدولي أدان التعرض لسفارتي البلدين ونحن معهم في ذلك ، ولكننا لم نسمع من المجتمع الدولي ومن أمريكا وفرنسا على وجه الخصوص أي ردود أفعال حول قيام المتظاهرين السوريين بمهاجمة رجال الأمن والجيش ؟ لماذا يسمح للمتظاهرين بمهاجمة المراكز الحكومية وقوات الأمن ويغضون النظر عن ذلك ، في حين يلومون الجيش عندما يحاول الدفاع عن نفسه ؟ لماذا يسمح لحرس السفارة الأمريكية باستخدام القوة في الدفاع عن مبنى السفارة ضد المتظاهرين ولا يسمح للجيش بأن يدافع عن نفسه ؟ المقارنة بين الاثنين واحدة فحرس السفارة من واجبه الدفاع عن نفسه وعن مقر السفارة التي يتولى حراستها ، وينطبق ذلك على الجيش الذي من حقه الدفاع عن نفسه وعن سلامة وطنه . أنا لا أريد أن أقول أن المتظاهرين من المعارضة جميعهم يحملون السلاح ، ولكننا لا نستطيع أن ننفي وجود بعض المسلحين ممن يستغلون التظاهرات لتوتير الأوضاع وبث الفوضى .
وسؤال بسيط يشكل مفارقة غريبة لماذا قامت الدنيا ولم تقعد عندما تعرض المتظاهرون السوريين للسفارتين لقد دان مجلس الأمن يوم أمس بأشد العبارات هذه الهجمات ، مطالباً دمشق بالالتزام بالقوانين الدولية ذات الصلة وحماية مقار السـفارتين والعاملين بها . ولم يحرك أحد ساكناً في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا لتعرض السفارات العربية التي تشهد بلادها ثورات وأزمات إلى هجمات مماثلة من قبل المعارضين للنظام في هذه الدول وإلى شتم الدبلوماسيين أثناء دخولهم إلى مقر سفاراتهم وأثناء مغادرتهم العمل ، أليـس في ذلك برأيكم ازدواجية في المعايير ؟ .
لقد فرضتم كأمريكيين وفرنسيين وكقادة في دول الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات شملت الرئيس السوري بشار الأسد وعدد من المسؤولين السوريين لأنكم كنتم على قناعة بأن النظام لم يقدم شيئاً للمعارضة وأنه لم يستجب إلى مطالبهم العادلة على الرغم من الجدية التي أبداها الرئيس السوري بشار الأسد مع بداية الأزمة . وطلبتم منه مراراً وتكراراً ضرورة ترجمة الأقوال إلى أفعال وعندما أراد تطبيق ذلك على أرض الواقع من خلال مؤتمر الحوار التشاوري الذي يؤسس إلى مؤتمر الحوار العام ، والذي براد منه طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ، بحيث يؤسس لسورية أكثر قوة ، بدأتم بعرقلة هذا الاجتماع لأنكم رأيتم جدية المؤتمر وأن سيحقق مطالب الشعب العادلة وفي مقدمتها تغيير الدستور بكامله وليس المادة الثامنة التي طالبتم بها ، وتغيير قانون الانتخابات والإدارة المحلية والإعلام ، أليست هي برأيكم نقاط هامة تستوجب التوقف عندها ؟ أليست هذه النقاط هي ما طالبتم الرئيس الأسد بتحقيقها ؟ لماذا لا تعطون سورية والسوريين فرصة لممارسة الحوار الذي شاهدنا وسمعناه ، حواراً اتسم بالشفافية والحرية والجرأة ، حواراً اتسم بالمصداقية والشفافية ، حيث تم كسر حاجز الخوف والصمت الذي ساد المجتمع لعقود عدة ، أليست هذه كلها مؤشرات تشير إلى الديمقراطية والحرية الجديدة في سورية ؟ إنه حوار تم نقل تفاصيله على الهواء مباشرة وأشار إلى نقاط الالتقاء والاختلاف وإلى أماكن الخلل وضرورة معالجتها ، وأعتقد وأنكم تعرفون ذلك تماماً أن البيان الختامي الذي صدر عن هذا المؤتمر أسس لمرحلة جديدة ، سورية الأكثر قوة وديمقراطية ، سورية الحرة القوية بالتفاف الشعب حول مصلحة الوطن بعيداً عن الأطماع الخارجية .
نعم لقد رفض الكثيرون من المعارضين في الخارج الاشتراك في المؤتمر ولكن هذا الرفض عكس أن لديهم أجندة خارجية وأنهم لا يرغبون بالإصلاح . هل جاء هذا الرفض كما ادعى البعض منهم أن الجيش ما زال متواجداً في بعض المدن السورية ؟ نحن جميعاً نطالب بعودة الاستقرار وعودة الجيش إلى ثكناته ولكن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها فسلامة الوطن تستوجب التريث قليلاً لضمان سلامة الأهالي من أي أذى قد يكونون عرضة له . علماً أن هناك سقفاً ننادي به وهو ما اتفق عليه المشاركون في المؤتمر وهو أن وجود الجيش وقوته ضرورة حتمية لأن أمن واستقرار أي وطن مرتبط بجيشه .
إننا في سورية نؤمن أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تهدد البلاد ، هذه الأزمة التي تقودنا إلى المجهول وإلى الضياع والدمار الاقتصادي الذي سينعكس وبالاً على المواطن ذاته والذي سيدفع ثمن أي تأخر في عملية الإصلاح ، حين يحاول البعض عرقلتها من خلال التدخل في الشأن الداخلي بحجج وذرائع لا مبرر لها ، هذا التدخل الذي يعتبره السوريون جميعاً بمختلف أطيافهم ومذاهبهم خطاً أحمر لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزه ، فزمن الوصايات والانتدابات قد ولى منذ عهود بعيدة ، نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين قرن الحريات والديمقراطيات الذي تنادون به ، ولكننا نقول إننا نرفض هذه الديمقراطية التي تنادون بها لأننا نرى بالعين المجردة ما يحدث يومياً في العراق من تفجير لسيارات مفخخة وعمليات قتل تتم بلا رحمة تستهدف تمزيق العراق ، نرفض الديمقراطية التي تعتقدون أنكم تطبقونها في ليبيا من خلال تدخل قوات الحلف الأطلسي والتي أدت صواريخها إلى مصرع أكثر من 1000 مدني وإصابة ما يقارب خمسة آلاف ، إضافة إلى الخراب الكبير الذي أصاب البنية التحتية . نحن نرفض الديمقراطية التي تشهدها مصر هذه الأيام ، الديمقراطية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد أن سحبت أمريكا الغطاء عنه بعد أدائه الدور المطلوب منه ، كما فعلت الإدارة الأمريكية سابقاً مع الرئيس العراقي صدام حسين ، نحن نشاهد أن التظاهرات في مصر لم تتوقف وأن الموقف قابل للانفجار مجدداً هناك من خلال اعتصامات الجماهير في ميدان التحرير ، وزيادة سقف مطالبها باستقالة رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الوزراء عصام شرف لأنهما لم يقوما حتى الساعة بمحاسبة الرئيس مبارك وأركان نظامه ، هم محقون في مطالبهم بتحقيق العدالة ، ولكن يجب أن يأخذ القانون مجراه ، فسلامة الوطن هي الغاية والهدف وتطبيق القوانين لا يكون بالغوغائية والفوضى ، بل بتطبيق قوانينه العادلة التي تطال الجميع بدون قيد أو استثناء . الديمقراطية والحرية لا تعني بأي حال من الأحوال التعرض للناس وبث حالة من الذعر والرعب ، لا تتحقق هذه الديمقراطية عبر الدمار والخراب الذي يطال البنية التحتية ، لا يكون من خلال القدح والذم ، الديمقراطية هي أن نتحلى جميعاً بروح المسؤولية ، حب الوطن والانتماء إليه .
لقد أدى توالي الكوارث الطبيعية في النصف الأول من هذا العام إلى خسائر اقتصادية بقيمة 265 مليار دولار ، وهو رقم قياسي نسبة إلى الأعوام الماضية ، فماذا يمكننا القول إذا أضفنا ما تشهده الدول العربية من أزمات تزيد من حجم الخسائر الاقتصادية هذه أضعافاً مضاعفة . إننا جميعاً مع الحراك الشعبي الهادئ الذي ينادي بالمطالب العادلة ، ولكننا نرفض أي ضغوطات خارجية تهدف إلى تقسيم البلاد . البعض يقول إن الشعوب العربية بدأت الخروج من القمقم الذي كانت تعيش بداخله لتعبر عن رأيها بإرادتها ودون أي تخطيط مسبق ، والبعض الآخر يقول إنها لم تخرج اعتباطياً بل كان مخطط له منذ سنوات ، وما أريد الإشارة إليه أنه في شهر شباط 2006 عقد في العاصمة القطرية الدوحة منتدى المستقبل وسط اهتمام كبير من قبل حكومتي أمريكا وقطر وبمشاركة مسؤوليها وفي مقدمة المشاركين من أمريكا كلينتون وكونداليزا رايس ، وكان الهدف الرئيسي منه التحفيز على الإصلاحات الديمقراطية وتعزيز دور المؤسسات في المجتمع المدني . وكانت الغاية الأساسية من انعقاده تشجيع الشعوب على الخروج إلى الشارع لقلب الأنظمة العربية . لقد اشتركت قطر بهذه اللعبة تنفيذاً لأجندات خارجية ، وتولت قنوات عربية وفي مقدمتها الجزيرة والعربية دعم هذه التوجهات مع اندلاع الثورات العربية بإعلان انحيازها المباشر إلى جانب المتظاهرين في هذه البلاد ضد النظام ، حتى أنها غطت على مدار الساعة ما يحدث في مصر وليبيا واليمن وسورية ، وقالت إنها شفافة وصادقة في نقل الأحداث لأنها تتوخى نقل الحقيقة بكل صراحة وشفافية وأمانة ، أنا لا أريد سؤالهم عن شهود العيان ، لا أريد سؤالهم عن الأخبار المفبركة أو عن اللقاء مع ناشط حقوقي لا نعرف هل هو بالفعل ناشط حقوقي كما تدعي المحطة ، ولكني أتوجه بسؤال إلى هاتين القناتين أتمنى الإجابة إذا ملكوا الحد الأدنى من الجرأة والمصداقية التي يتغنون بها ، أين أنتم من قضية الصحفي اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي ؟ ألم تسمعوا بهذا الصحفي أثناء تغطيتكم للأحداث بما جرى ويجري في مصر وليبيا ، لماذا تم تغييبه عن وسائل إعلامكم التي تتغنون بها ؟ هل تعرفون أن له دور فاعل وحاسم فيما تشهده المنطقة ، هل شاهدتم صوره في موقع الحدث في أفغانستان والسودان والعراق ومصر وليبيا ، لماذا غيبتم أخباره وهو الطامح في رئاسة دولة إسرائيل عندما أنزل العلم الليبي بيديه ورفع علم ليبيا أيام الملك الإدريسي ، لماذا تجاهلتم كلمته في بنغازي ضد العقيد معمر القذافي ؟ ألم تشاهدوا صوره مع مسؤولي الثورة في ليبيا واللقاء الذي جمعه مع قائد الجيش في المجلس الانتقالي الليبي ورؤيته للخرائط والمخططات الحربية التي ينفذها الثوار ؟ تريدون منا أن نسكت وأن نتجاهل هذه الحقائق في الوقت الذي تتهمون فيه وسائل الإعلام الرسمية في هذه الدول التي تشهد توترات بقتل المتظاهرين ، أين أنتم من هذا الرجل ولماذا أقصيتموه من أخباركم ؟ ما هي مصلحتكم ودوافعكم من وراء ذلك ؟ لقد أصبحت أوراقكم مكشوفة وأنكم مع الأسف تنضمون إلى صفوف المؤامرة التي يتعرض لها الوطن العربي بإملاءات تفرض عليكم لتحقيق أجندات تهدف إلى إضعاف الوطن وتقسيمه .
أقول أخيراً إلى القادة الغربيين ، نحن ضد التعصب مهما كان عنوانه ، ومن كان خلفه ، سواءً أكان يتظلل تحت مظلة الدين ، أو تحت أي ستار علماني أو سياسي ، والحراك السياسي الذي تشهده سورية والنتائج التي تمخض عنها مؤتمر الحوار التشاوري يشير إلى أن الشعب اختار وسيلة الحوار وليس لغة القوة ، ولكننا نطلب منكم الابتعاد عن الشأن الداخلي لبلادنا لأننا نستطيع تجاوز المحنة لأن الشعب السوري بمختلف أطيافه وفئاته كفيل بحل المعضلات وتجاوز الأزمة .