(البوطي ، تيزيني ، حبش ، نجمة ، دليلة ، الصالح ) مع حفظ الألقاب
تحية عربية :
1. الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي :
عرفتك يوم كنت أهرب من دروس المحاسبة المملة في كلية الاقتصاد لأحضر دروس العقيدة الإسلامية في كلية الشريعة ، لأتعلم منك فلسفة الدين الإسلامي على حقيقتها ، حيث كنت تقارن بين الفلسفات المختلفة بإتقان صنعة ، وبإيمان واثق ، لتوضح لنا بأن مسألة الحرية في الإسلام بشكل عام تضبطها قوانين إلهية ، ويحددها أمر الباري – عز وجل - بإطار ( افعل أولا تفعل ) أما حرية الاعتقاد فهي تتعلق بذات الفرد وهو مسؤول عن اختياره في إطار ما هو : ( مخير به أو مسير له ) ، ومنذ ذلك الحين لا أرى مسافة بين الإيمان الفطري بالله تعالى والوعي العميق لحقيقة وجوده وبعد : تواضعك المريح ، هدوئك واتزانك ، رقة قلبك وصفاء نفسك ، طيبتك وحكمتك ، وأشياء كثيرة أخرى جعلتني أحبك وأتعلم من هذا الحب كيف تكون المحبة في الله ، وعدت الآن وبعد مضي أكثر من ربع قرن لأتعلم منك كيف تكون المحبة في الوطن .
2. الدكتور طيب تيزيني :
رأيتك أول مرة - تدخل قاعة المحاضرات في مركز ثقافي - أشيباً رزيناً واثقاً ، وبعد أن قدمت لجمهورك - وكان كبيراً - بشكل جميل يليق بشخصك ، عرفت لنفسي أن الانطباع الأول الذي كونته عنك يعكس ذات الصورة التي عرّفت بها ، والتي تظهر تميزك وتوازنك ، مما يدل على أن فطرة في الناس تجعلهم يحكمون على الآخرين من النظرة الأولى فيقبلون بعضهم ويرفضون الآخر ، ومنذ تلك الواقعة قبلتك دفعة واحدة ورأيت في شخصك نموذجاً ، في تلك المحاضرة تكلمت عن الحرية في النظرية الماركسية ، وتحدثت بإسهاب في تفسيرها وتوضيحها وطريقة ممارستها ، وفي محاضرة أخرى تحدثت عن تحليل الظواهر علمياً وعن أثر السياق التاريخي ، والبعد المكاني في ذلك وعن تأثير القوانين الموضوعية والذاتية وعما هو خاص وعام في المكونات وعن الأسباب المباشرة والبعيدة وعن العوامل الداخلية منها والخارجية ، وبعدها حضرتك في دورة الإعداد الحزبية تتحدث عن الماركسية (عرض – نقد – تحليل) لتعود إلى تكرار أفكار مبدئية تؤمن بها وتتبناها وتركز فيها على تجاوز المسألة التوفيقية وأحياناً التلفيقية - حسب ما يحلو لك تسميتها ووفقاً لما كنت أسمعه منك – حين يؤثر الموضوعي بالذاتي والذاتي بالموضوعي ، ويصبح الداخل خارجاً والخارج داخلاً وينعكس الخاص على العام والعام على الخاص ، والفعل يقيسه رد الفعل ، كل ذلك كي يتم الانتقال إلى حالة جديدة في الفكر أو الممارسة مما يؤدي إلى تجاوز الإزدواجية التي تعكس حالة تناقض ما ، وكنت أسمعك تقسّم التناقضات إلى أساسية ورئيسة وثانوية وتحلل سياسياً وفقاً لذلك
وفي مسألة التغيير كنت تتحدث عن تحولات الكم إلى حالة كيفية ، وكنت تقيس المستقبل باستقراء الواقع بعد تحليله موضوعياً بهدف تجاوزه والأخذ بالاعتبار سياقه التاريخي ومستوى تطور علاقات الإنتاج فيه ، وأكثر ما وجدته مميزاً فيك أنك كنت تستخدم في التحليل أدوات معتبرة ومعايير موضوعية ومقاييس دقيقة مأخوذة عن المادية كنظرية تؤمن بها وتدافع عنها وبعد : عندما سمعتك تتحدث في المؤتمر التشاوري - وبرأي الشخصي - تذكرتك كما عرفتك دفعة واحدة لكني وجدتك أو هيئ لي أنك أصبحت في موقع آخر غير الذي كنت فيه وكأن الديالكتيك قد فعل فعلته بك ولكني وجدتها مناسبة لأذكرك – وأنت أستاذ كبير – بأفكارك وأدواتك وبمقايسك تلك التي أشرت إليها آنفاً لأن الديالكتيك لا يستطيع التأثير عليها وكل ما أتمناه لك أن تبقى في السياق التاريخي لتكوين منطومتك القيمية و مفرداتها التي تتعلق بمفهومك للحرية وموقفك من الليبرالية ومقاربتك للفكر الديني لكي تجسد بذلك قولك عملاً ونظريتك واقعاً وإلا عدت بنا إلى ثنائية غير منسجمة وصورة متداخلة المعالم وهذا ما لا يحلو لي أن أراك فيه.
( أجدها مناسبة لألفت إلى حلقات ثلاثة قديمة اذكّركم بها قدمت في برنامج حوار مفتوح للدكتور عادل يازجي جمع فيها بين الدكتور البوطي والدكتور تيزيني في مناظرة ممتعة ومفيدة بثها التلفزيون السوري في الثمانينات من القرن الماضي )
3. الدكتور محمد حبش :
أراك إنساناً مجدداً مجتهداً نبيهاً حالماً وطنياً مؤمناً ، وأخاف أن ينطبق عليك المثل الشعبي عندنا في الشام والذي يقول بالعامية ( لا فطر بدوما ولا تغدا بحرستا ) ويضرب على ضيف عزم على وليمة أيام كان التنقل مشياً على الأقدام وهو مقيم في دمشق فتردد في الذهاب مقارناً بين فطور دوما وغداء حرستا وقد جاء قراره بعد ذلك في الذهاب إلى فطور دوما لكنه وصل متأخراً حيث كان المدعون قد أنهوا فطورهم فعاد إلى حرستا على عجل ليلحق بالمدعوين للغداء فوصل متأخراً أيضاً ، وبالمناسبة أعجبني اللقاء الأخير الذي أجرته السيدة هناء معك في قناة الدنيا فقد وضعتك في خانة ( اليك ) وبعد : أريدك وأظن أن كثيراً مثلي أن تتموضع .
4. الدكتور الياس نجمة :
منذ ربع قرن ونيف ، ومن حسن حظي وزملائي أن يترك الدكتور نجمة إدارة المعهد العالي للعلوم السياسية لسبب أو لآخر ( قال بعضهم وقتها أن السبب يعود إلى أفكاره الليبرالية في أن تكون سورية دولة مدنية وأن يكون للمؤسسات التعليمية استقلالية وخصوصية لم يفهمها بعض المعنيين حينها مما سبب خلافاً أدى إلى تركه ) ليعود إلى تدريسنا مادة الاقتصاد المالي في جامعة دمشق ، حيث كنا في سنتنا الدراسية الأخيرة وقد تعلمنا منه في تلك السنة أسس البحث العلمي ، وكيفية قراءة النصوص وتحليلها وتفسيرها ونقدها ، وتعلمنا كيف نناقش وكيف نستمع للآخر ونفهمه ، وكيف يكون لكل دوره ، وأن التوقيت المناسب أمر هام دائماً ، تعلمنا التعامل بإيجابية وبمحبة وبلباقة ، تعلمنا بأن العمل يتم بالإتقان والجدية والإخلاص إلى حد التفاني لكل هذه الأشياء
أحببنا استأذنا القدير وأحببنا مادته التي جعلنا ندرسها بشكل مختلف ، ولم تكن مفاجئةً لي بأني نلت درجة التسعين من مائة في تلك المادة النظرية وعندما قابلت الدكتور نجمة لأشكره قال لي بأنك تستحقها وأطراني أمام زملائي بشكل بسيط ومعبر، كدت يومها أن أبكي من الفرح وشعرت بسعادة لم أشعر بها في حياتي حتى اليوم ، وفي السنة التي تلتها ترشح الدكتور نجمة لمجلس الشعب ، وكان اسمه يزيّن قائمة الجبهة الوطنية التقدمية ويشرفها وبمعيته وبشعبيته لتواضعه ودون مبالغة نجح أناس بالقائمة لم يكونوا بمستوى التمثيل الشعبي ، وقد كان التنافس في تلك الدورة كبيراً حيث شكل المستقلون حينها قائمة قوية مغلقة ، وبعد ذلك أصبح أستاذنا سفيراً لسورية في فرنسا ولم نعد نراه أو نسمع عنه أي شيء إلى أن سمعنا عن عودته من مهمته لسبب أو لآخر (قال بعضهم بأن السبب كتابته موضوعاً عن فساد أولاد بعض المسؤولين في سورية ) وبعد : عندما سمعت حديث الدكتور نجمة في المؤتمر التشاوري للحوار تذكرت شخصه الكريم جملة وتفصيلاً وكم كنت سعيداً عندما تكلم باسم البعثيين وكان أحد الممثلين عنهم تحدث بلغة بسيطة وبأفكار واضحة وبنظرة موضوعية فعكس بحديثه صورة البعثي الصادق بانتمائه المحب لوطنه والملتزم بقضايا أمته والمؤمن بضرورة الإصلاح وأهميته لتحقيق مستقبل زاهر لسورية مع كل المحبة لإنسان أكثر من رائع ومزيداً من التألق ودوام النشاط أرجوه لك .
5. الدكتور عارف دليلة :
كان عميداً لكليتنا وكنا قد زرناه في بيته ذات مساء في إحدى ضواحي دمشق ، ونحن ننفذ مخيمنا الإنتاجي الأول لكلية الاقتصاد بجامعة دمشق ، وعندما دخلنا بيته لفت نظري مكتبته الغنية وفيها أكثر من عشرة آلاف كتاب بلغات مختلفة أما مؤلفاته فوجدتها مبعثرة بين قطع الأثاث المنزلي - الذي يحوي قطعاً أثرية جميلة مقتناة من عدة دول كان قد زارها وتعكس عدة حضارات ، أجمل هذه القطع كانت آلة البيانو والتي ركنت في إحدى الزوايا - وما هو قيد الإنجاز من كتابات تجده على سريره أو على طاولة صغيرة في شرفة تطل على الصالون ، أو على طاولة الطعام في المطبخ ، إنه العصف الفكري الذي يجعل الباحث مهوساً بإنجاز أعماله لم نسأله عن شيء ، كل ما في المنزل كان معبّراً ، ولم يقل لنا شيء كان كلامه قليلاً بعكس ما كنا قد عهدناه عليه في محاضرة الثلاثاء الاقتصادي لجمعية العلوم الاقتصادية ، حيث يتحدث كثيراً وكنا نصفق له كثيراً لحديثه المقنع ولفكره الناقد ، ورغم أنّي كنت قد نجحت في مادة تاريخ الفكر الاقتصادي لكني اشتريت مؤلفه كبير الحجم الذي لم يترك صغيرة أو كبيرة في الفكر الاقتصادي إلا دونها ، ومن يقرأ الكتاب ويتنقل بين المدارس الفكرية للتاريخ الاقتصادي ، يحسب أنه هو من وضع هذه الأفكار ، وما ذلك إلا لأسلوبه المقنع وإلمامه العلمي فهو وإن تحمس لنظرية ما أو أعجبته فكرة معينة يكون رأيه واضحاً في معارضته لها ونقده إياها ، وكانت تحدثني نفسي عنه فتقول هذا الإنسان خلق ليعارض فأتني أن أقول لكم بأن أحد زملائي في المخيم الإنتاجي سألني بعد أن خرجنا من زيارة عميد كليتنا ما رأيك كيف رأيت الموقف ، قلت : أرى هذا الرجل كما سيزيف في الأسطورة اليونانية ، منذ أشهر رأيته في المركز الثقافي بالمزة ضمن فعاليات جمعية العلوم الاقتصادية وقد تحدث مداخلاً عن الخطة الخمسية الحادية عشرة - بعد أن عرض محاورها الاستاذ الدكتور لطفي- تحدث – أقصد الدكتور دليلة - فقال ما يفيد بأنه يرى : لو أن الحكومة تضع هدفاً واحداً كبيراً ومهماً في كل خطة خمسية وتحققه لكانت بلدنا بألف خير ، عندها هز الحضور برؤوسهم موافقين وبعد لكم تمنيت أن أرى الدكتور دليلة بين المتحاورين في اللقاء التشاوري خاصة بعد أن رأيت بأن رئيس الجلسة الدكتور الحبش يقدم المتحدثين ، وكنا قد اعتدنا في محاضرات جمعية العلوم الاقتصادية أن يقدم الدكتور الحبش وهو يترأس الجلسة : الدكتور دليلة ليحاضر بمهارة وإقناع
6. الاستاذ نبيل الصالح :
سقا الله أيام كانت النصيحة بجمل ، سأنصحك وسامحك الله بالجمل وبما حمل لكل في اسمه نصيب ، فالنبل في أخلاقك والصلاح في محبتك للإصلاح ، وإذا كان أستاذك العظيم والرائع محمد الماغوط - رحمه الله – كان قد انتسب للحزب السوري القومي والاجتماعي ليتدفأ في مقره فعلى ماذا تبحث أنت ؟ عن مكيف يقيك حر الجو وسخونة الحوار في اللقاء التشاوري لتضع نفسك في إطار تنظيمي تختاره أم أنك تنتظر كغيرك صدور قانون الأحزاب ، أعود لأقول لك بأن معلمك حتى وإن كان مازحاً بما قاله لكنه كان بسيطاً ومتواضعاً ومحباً للفقراء ومتبنياً لهمومهم ويقصد من حديثه حسب فهمي المتواضع أن السياسة بالنسبة للفقراء هي معيشتهم فقد عاش لتحيا سورية فليكن شخصه قدوة لك وبعد : أراك - بمحبة خاصة- بين الطليعة الثورية المثقفة ولا أحبك برجوازياً صغيراً أو ليبرالياً متملقاً ولا يليق بك أن تكون أصولياً
وبعد : أيها الوطن تحت سقفك يستظل كل السوريين فكلنا لسورية وسورية لنا كلنا و عندها تكون - كما قال الأسد : سورية بخير
مقالة جميلة فيها الوعض والنصيحة وبطريقة حرا وديمقراطية لبعض ممن ورد اسمهم في المقالة .... ولكن هيهات من يتعض او ينتصح لان المال أعمى عقلهم وقلبهم وجردهم من شيء اسمه الاخلاص في حب الوطن ومن شيء اسمه الصدق في الحوار.. مع انني كنت أتمنى في الاطالة عن موقف السيد حبش الانتهازي وازدواجية السيدتيزيني (سقا الله أيام كانت النصيحة بجمل- كان صار عندك يا أستاذ علاء قطيع من الجمال )
إلى كاتب الرسائل القصيرة .. أنا لا أعرفك ولا أعرف ممكن وجهت رسائلك إليهم سوى البوطي .. لا أود التطرق إلى تفاصيل علاقتك وآراءك بمن خاطبت في هذه الرسائل الجميلة .. لعدم المامي بكل هذه التفاصيل .. لكن كل مايعنيني هو الشعور الذي انتابني وأنا أقرأ كلماتك .. شعرت .. بنفس الشعور عندما قرأت رواية غادة السمان .. فسيفساء دمشقية .. لا أدري من أي جيل انت لكني انا ولدت في آخر عام من السبعينات وشعرت أنه مع ولادتي .. انتهى زمن جميل .. لم نعد نشعر به إلا في روايات عظيمة أو أشخاص مثلك .. مازال فيهم صدق وعفوية