مضى على قصة حبهما ما يقارب الثماني سنوات بدأت في بلاد الغربة حيث كلاهما موفد من بلده الحبيب إلى عالم موحش بقصد طلب العلم من خلف البحر وتحت رحمة مدفع في بلاد تشهد الكثير من الاضطراب وتتكلم بغير لغة ( وبالطبع من اوفدهما لا علم له بذلك!!) , ولكن هذا لم يطفأ جثوة التحدي وحب النضال ليعودا إلى بلد يحلمان بدور فعال فيه لإعماره وإصلاحه وهم كبقية أبناء مجتمعهما يدركان ما يواجه هذا المجتمع من فساد اقتصادي , اجتماعي ,سياسي , وإنساني ..
أحلام صغيرة كانا يطمحان بزفاف جميل لا يلاقي اعتراضاً من الأهل لأسباب تافهة عرقية ودينية ( لكن في مجتمعنا ليست غريبة ) , منزل صغير لا ينتظران العمر للحصول عليه ( شقق الشباب التي تأخذها بعد ان تشيب) , طفلان جميلان يلعبان بأمان في حدائق غناء وليس على قارعة طريق أو متنزه خاص أو عام يخلو من مناظر الخضرة (وهي للأسف كثيرة جداً) , يؤمنون لهما علم جيداً في مدراس محترمة حيث للإنسان قبل العلم قيمة ( بالتأكيد قيمة إنسانية وليست قيمة على أساس أنت ابن من) وللعلم من يعطيه من القلب قبل العقل.
عادا مشبعان بالشوق لأرض الوطن و بفارغ الصبر ليحققا الحلم ...لكن فوجئا بالواقع ... استشرى السرطان أكثر في البلد والصعوبات تعقدت ... المعاملات أصبحت تزن الكثير من الكيلوغرامات من الاوراق ... اللامبالاة أصبح سمة أساسية للمواطن والموظف...مبدأ الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب هي الأعم والأصح ... ( يا إلهي كل شيء بالعكس ).
بدأت الأحداث بأن قذفوا بها بعيداً عن أهلها لمنطقة غريبة بعاداتها ورغم الادعاء بأنها راقية لكن الناس ما زالوا في عصور الظلمات والتعصب .. وبالطبع هذه المنطقة تعاني من الفقر ونقص في التخديم والسبب هو سرقة العائلات الكبرى لمالها وخير أهلها وإن نطق احدهم فعليه السلام و (راح بشربة مي )...لم يحملها عقلها على الاستيعاب حاولت من مركزها أن تحارب الفساد وعند التعمق فيه وجدت ان اكبر مدراءها وأكبر الشخصيات مستفيدين من الفساد وتم تهديدها بالقتل او توريطها بالسرقة أو ..أو ...أو... فما كان منها سوى العمل على نقل شاغرها إلى العاصمة لعلها هناك تنجز وتبدع دون وجود من يهددها إذا حاولت إنقاذ البلد والمساهمة في تحسينه ..لكن حتى النقل يحتاج لكثير من الوقت والمعاملات و الوساطات رغم انه حقها المشروع ضمن القوانين (لكن هيهات وتطبيقه) و بعد العناء وطول الشقاء تم نقلها لكن التثبيت بيد رجل خسيس حتى الوزير لا يستطيع أن يقول له شيء أو يحاسبه بشيء و هو بفواحشه يجهر (و بالمشرمحي مو هامو حدا) والويل لمن يتجرا ويقول له اي كلمة...
تحاول ان تتجنب تعقيدات مكاتب الموظفين الذي معظمهم يرى ان هذه الوظيفة حقيرة وأنه من الأفضل لو بقي في بلاد الغربة من قضاء عدة ساعات يجهد نفسه في العمل ,تحاول غض الطرف وتجنب التعرف على موظفين يظهرون يوم قبض الراتب فقط وقرف المدراء و..و...و.... ومازالت متمسكة بحلم يتغذى من حبها العذري لرجل رائع اعتاد الغربة وشاق عليه البعد عن تراب ارض يحلم بالموت من أجلها ...أحلامه لطالما انحصرت في بلد الياسمين حيث طفولته ضائعة....والدان اغتربا العمر.. أشقاء فرقهم الوطن ومزقهم البعد لكن هذا لا يقف أمام هدفه يريد الوطن يريد أن يطفأ ظمأ سنوات و جوع أيام قضاها يحلم به ...عاد يعرف ما قد يواجه لكنه سُعِد ببعض التغيرات بأن الإصلاح ساري وان البلد سوف تصبح خالية من الرشاوي وأن الباب العالي يفتح لكل طالب حاجة ...هو ليس ذو حاجة بل هو صاحب حق يريد عمل يريد الاستقرار ....يريد الوطن...(آآآآآآآآه آمال ...آمال ) من الجيد أن تستيقظ من حلم جميل أما ان تستيقظ من كابوس لترى نفسك تعيشه تلك هي المصيبة ..عاد بهمة لكن مكاتب الدولة تحتاج لأكثر من ذلك...تصبر وصبر على سوء المعاملة وضياع الأوراق وهذا غير كافي بنظر الموظف الذي أهمل عمله و طبعاً هو الملام على كل الأخطاء لما؟؟ لأنه سافر خارج البلد وعاد الآن ليساهم في إصلاحه ( يا للسخرية) ...
- "لم يعد هناك وسيلة " يخبرها وقلبه مليء بالأسى " سألجأ للأسلوب القديم , هين فلوسك ولا تهين نفوسك "
- " نعم , لكن في الصحف والجرائد وهذا لن يدعنا نحقق أحلامنا...أصبح الفساد على العلن ..لم يعودوا خائفين كما اعتدنا عليهم ..لم يطلب الكثير... 60 ألف فقط ( شقى عمري طلب ) سأحاول ان اتدبر أمري ...اصبري قليلاً معي..."
هذا حوار دار قبل عدة أيام ...و في حوار اخر اخبرها انه تعرف على الرجل الواسطة الذي لديه مفاتيح كل مسؤول ومدير ويعرفهم من الكبير للصغير أخذ نصف المبلغ والباقي عند بدء العمل المنشود...عدة أيام اخرى تمر كما لو انها دهر...لترفع السماعة من جديد يخبرها انه أمام باب هذا المسؤول و لم يتبقى سوى "شحطت قلم " و سوف يتوظف ويبدأ عمله " حسناً أخبرني ما سيحدث " تقول له وهي بالدعاء ترفع للسماء يديها .... ساعات طويلة ... النهار مرَ...
" ما الذي حدث ؟ انتظرتك طوال البارحة !! اخبرني ؟"
"لا شيء انتظر توقيعه المصون "
" وماذا بشان النقود؟"
" اخذها كلها , وقال انتظرني سأعود لأوقع "
" وماذا الآن؟"
" انتظر...انتظر شحطت القلم"
حياتهما الآن معلقة على توقيع ...أحلامهما تقف الآن على شحطت قلم
حب الوطن اصبح متوقفاً على توقيع !!
حب الاستقرار متوقف على توقيع !!
أحلام ومستقبل متوقف على توقيع !!!
لا التقط القصة من الهواء يا سادة .... أنها من واقع الحياة قصة شابة ومن سيصبح يوماً ما (بعد أن يتفضل المسؤول الكريم بالتوقيع او إذا أصبح لقانون مكافحة الفساد مفعول ) زوجها ... كانا يوجهانه في الغربة ما لا يعلمه إلا الله وكل مغترب وخاصة إذا سافر كموفد حيث الوزارة لا تدقق في كثير من حيثيات الإيفاد ( وهذا الأمر له حديث أخر) وإن وقعت في مشكلة فصبرك الله لحتى تنحل و عندما تعود مفتخراً بشهادتك يرمى عملك خلف مكتب أو بالأحرى مقبرة حيث تعب سنواتك لن يعلم به أحد ولن يستفيد منه البلد ... تبدأ بعدها بالسعي في أن تتثبت في عملك الخرافي الذي قد يكون غير ما تتوقع تماماً في مكان أخر حيث لا حاجة لاختصاصك لا من قريب ولا من بعيد ( يعني حدا يفهمني اختصاص إنشاء أنفاق subways شو إلو علاقة بأراضي زراعية مثلاً ؟) .. فتسمع القائل يقول "لا بأس المهم العمل ولا ذلة"....ارجوك لا تجعلني اضحك كل الذل سوف تلاقيه حتى تصل لكرسي (وقد لا تجد كرسي من الأصل) طبعاً غير أن كنت مدعوم أو ابن شخص مهم (والكثير منا عن هذا شتان) او معك الكثير من المال والمصالح او القليل من الشقى العمر الذي تحاول ان تستر به العمر!!! لتضعه في يد ذلك الواسطة او ذاك المسؤول ليتدبر لك الأمر!!!! والقصة تتكرر ...تتكرر كثيراً وبشكل مفرط خلال ما نمر به تخيلوا انه رغم قوانين مكافحة الفساد مازالت الرشوة ماشية والمصالح شغالة...رغم قوانين مكافحة فساد الموظفين مازال عدد كبير منهم ( وانا استثني الشرفاء منهم بكل تأكيد) لا يأتي لمكتبه إلى عند قبض الراتب ( يلي مو عاجبو!!!) وما تبقى من أيام يقيضها في عمل خاص أو...أو...أو.... ولا تجرأ على تقديم شكوى لبعض الوزراء فهي جرم مشهود ( مع بعض الاستثناء يا سادة) فأنت مجرد مواطن!!!!!
حاولت ان اتغاضى عن الكثير لكن الكيل قد طفح ... فعدد كبير من الناس يواجهون ذاك وهم ساكتون ينظرون الفرج ..لكن إلى متى؟؟
إلى متى أبقى أشاهد من يخربون البلد يستمتعون بالأزمة ليحققوا مآربهم على حسابي؟
إلى متى انظر للخطأ وأسكت وإن انا أخطأت وقلت أعاقب؟
إلى متى نؤجل الفعل ونكثر من القول ؟
إلى متى ستبقى حياة العاشقين للوطن تتوقف على توقيع؟؟؟
لا تقولي لي كل التغييرات التي حدثت في البلد و كل ما يجري الآن و هناك مازال لم يفهم الرسالة لا أريد أن أصدق ذلك.. نريد بلدا بدون فاسدين يمتصون دمنا .. الفاسدون هم كانوا الشرارة التي اطلقت الشقاق و الانقسام و الحرب التي تدور على ارض سوريا اليوم .. و هم من يجب ان تعلق مشانقهم و بأسرع وقت.. لأنهم مازالوا يسرقوا أحلامنا و يدمرون سوريا بدون وازع ضمير .. هؤلاء من يستحق القتل الآن
حضرة الكاتبة نور لفت نظري العنوان افتكرت أنه بيحكي عن إشي قصة بين العاشقين كنت بدي أقول كل الشباب كدابين بس عنجد حب الوطن أقوى من كل إشي
في فساد وبنا نصلحه شوي شوي بس اذا بدنا نخسر سوريا ليتصلح لا بنخليه ونكسب وطننا لأنه الأهم