في حارة من حارات دمشق القديمة حيث تضيق الأزقة من الخارج و تتسع البيوت من الداخل و تتمايل الجدران بغير انتظام و تتشابك الشرفات و تكثّر من العنّاق و تفوح من جنباتها رائحة النارنج و عطر ياسمين الشام .
وبعد طول سؤال و جهد مشكور استطاع الشرطي أن يستدلّ على بيت أبو صالح و دق على أهله الباب أول مرة و انتظر قليلاً ثم دق ثاني و ثالث مرة قبل أن يسمع صوت امرأة من بعيد تنادي : مين .... مين عم يدق الباب فرد عليها الشرطي : يا أختي مو هون بيت حسان أبو صالح فردت عليه و لكن هذه المرة من خلف الباب و قالت : أيوه .....أيوه يا أخي مين بدوا إياه و فتحت الباب قليلاً و لمحت الشرطي ببزلته الرسمية فارتعدت مفاصلها و غاب اللون عن وجهها و قالت خير يا أخي شو بدك منه و الله أولادي بحالهم و ما دخلنا بالمظاهرات و لا بالمسيرات التي عم تحدث في البلد , فتابع الشرطي يا أختي أنا مالي علاقة بالمظاهرات ولا بالأحداث أنا فقط معي برقية من شعبة التجنيد العامة و ابنك مدعو للخدمة الاحتياطية و عليه الالتحاق بدورة تدريبية و من فضلك تعالي وقعي و استلمي هذه البرقية .
في البداية رفضت استلام هذه البرقية و طلبت من الشرطي سؤال جميع الجيران وأن يتأكد بنفسه بأن سمعة أولادها عطرة و هم بحياتهم لم يؤذوا أحد و لم يدخلوا مخفر للشرطة
و هنا ضاق صدر الشرطي من ثرثرة أم حسان و هددها بأنها إذا لم تستلم البرقية و توقع عليها فأنه سيلصقها على الباب و يحملها مسؤولية ذلك و ينصرف إلى عمله .
وقعت على الاستلام بأيدي راجفة و عيون دامعة و قلوب رعشة و توسلت الشرطي إن يسامحها و لا يؤاخذها لأنها بتلك الأمور جاهلة و عن كل ما بدر منها آسفة .
و فور مغادرة الشرطي دخلت إلى المنزل اتصلت بابنها حسان و أخوته و طلبت منهم الحضور و نقلت إليهم هذا النبأ الجلل.....
أما بالنسبة لحسان فهو شاب لم يتجاوز الخامسة و العشرين من العمر طويل القامة و وسيم الطلة متخرج من المعهد المتوسط منذ أكثر من أربعة سنين و هو حالياً عاطل عن العمل و أبواب الرزق موصدة في وجهه و اختصاص المساحة الذي درسه في المعهد لا يجد له في مجال العمل سبيلاً و لا تصريفاً و تقطعت الدروب بكل آماله و تساوت كل أيامه و غاب عن الأفق أخر نجم من أحلامه .
و هو بصراحة و منذ بدأت الأحداث في البلد وجد ضالته و شغل نفسه و أصبح يخرج في المظاهرات التي تطالب بمزيد من الحرية و الإصلاح وإيجاد فرص عمل للشباب و لكن الشهادة لله بأنه لم يؤذ بشراً و لم يسقط أحداً .
تردد قليلاً عندما استلم برقية شعبة التجنيد وأحس بسحابة سوداء وقفت فوق رأسه و شلت تفكيره لكن أخوه الكبير شد من أزره و صوب نظره و نصحه بأن أي تأخير عن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية له عواقب وخيمة و يترتب عليه مسؤولية كبيرة .
و فعلاً في صباح اليوم التالي استيقظ مبكراً و قبّل أيدي أمه و طلب دعائها و تمنى رضاها و طبع قبلة على جبينها و قال لها: لا الله إلا الله.... و ردت عليه :محمد رسول الله
ذهب أولاً إلى شعبة التجنيد أخذوا منه الهوية المدنية و أعطوه برقية فورية للالتحاق بكتيبة حفظ النظام في المدينة و تم نقله مع عشرات من رفاقه إلى أحد معسكرات التدريب القريبة و هناك تم استقبالهم وتوزيع الألبسة العسكرية عليهم و تجهيزهم لحضور أول اجتماع مع قائد المعسكر و لم يتأخر الاجتماع كثيراً حيث عرض عليهم قائد المعسكر الوضع الراهن الذي يمر به البلد و عن المؤامرة الخطيرة التي تحاك في الخارج و التي تستهدف صمود الوطن و مواقفه الوطنية و القومية و أكد على ضرورة الدفاع عن مكتسبات البلد و أمن الوطن و أمان المواطن و لكن أشد ما شد انتباهه و أثار استغرابه عندما علق قائد المعسكر بأن الدولة تعلم جيداً إن العديد من المدعون للخدمة الاحتياطية هم من العناصر التي كانت تشارك في المظاهرات و تخرج في مسيرات و إن من أهم أسباب دعوتهم للخدمة هو استكشاف الحقيقة و جلاء الغموض عن كثير من الأحداث التي تشهدها البلد .
و بعد فترة بسيطة لم تتجاوز الأسبوع الواحد تم من خلالها رفع الجاهزية البدنية و القتالية و النفسية للعناصر و تقرر توزيع العناصر إلى مجموعات و فصائل و إعطائها التعليمات اللازمة قبل أي تحرك و تم التأكيد على أن الهدف الأول و الأخير هو حماية الوطن و المواطن و الدفاع عن الممتلكات العامة و الخاصة و منع التخريب وحرمة الدماء السورية و عدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين مهما تنوعت الأسباب و اختلفت الأمور.
وفي أول يوم الجمعة بعد هذه الأحداث كلفت فصيلة حسان بمهمة رسمية لحماية المركز الحكومية في إحدى ضواحي دمشق فحمل حسان درعه الواقي بيد و هراوته البلاستيكية باليد الأخرى و ركب مع رفاقه باص حفظ النظام و جلس في مقعده شارد الذهن مشوش التفكير .
و في الطريق تذكر انه بالأمس القريب كان يخرج مع المتظاهرين و هو اليوم يقوم بواجبه لمراقبتهم و ردعهم بالأمس كان يضرب الحجارة و اليوم بنفس اليد يحمل الدرع لرد هذه الحجارة بالأمس كان يدعوا الناس للتجمع و التظاهر و هو اليوم بنفسه يفرقهم و يردهم على أعقابهم , نظر حوله فوجد رفاقه من حوله بنفس الأسماء تقريباً و بذات الملامح للشباب الذين كانوا يخرجون معه للتظاهر وأخذ يحك رأسه و يدور بخلده و يفكر ماذا جرى لنا و ما يدور من حولنا و لماذا نهدر وقتنا ونضيع كرامتنا ..
الوطن كبير يسعني و يسع غيري ... و خيراته وافرة تكفيني و تكفي غيري
وكان كل حلمي أن لا يسرق أحد قوت يويسيرون.كل ما أريده فرصة عمل تغني عن السؤال و بيت صغير يستر الأحوال
أما الآن فأي مصير ينتظر هذه الجموع و أي نفق مظلم يختارون و تحت راية من يسيرون .
وصل باص حفظ النظام إلى الضاحية السكنية و وقف في الساحة الرئيسية و انتظر خروج المصلين من حرم الجامع و لم يطل انتظارهم فخرج المصلون من المسجد بثيابهم البيضاء و رائحتهم الذكية صافح بعضهم بعضاً و تفرقوا بهدوء و سلام .....و ما هي إلا دقائق حتى جاءت الآوامر الجديدة فأدار السائق عجلات الباص و عاد بهم إلى المعسكر بسلم و أمان .
القصة جميلة جدا ومعبرة .. تلمح على ضرورة الرؤية الجيدة لموضوع التظاهر من وجهتي نظر مختلفتين وبنظري أن الطرفين لا يلامان فلكل وجهة نظره من زاوية وجوده ومكانه .. حمى الله بلادنا
فعلاً لوين رايحين ياجماعة و شو أخذين معكم و دم الشباب برقبة مين عم ينهدر و من سيحمل هذا الوزر أمام رب العالمين و سورية للكل و بتسع الكل سلمت يا أحمد و سلمت يداك و سلام خاص لثلاثة و عشرون مليون يحبون سورية,
ياريت تكون الأمور بهذه البساطة و الرومنسية و ياريت الكل يسمع و تعود الامور الى حالها فعلاً هناك مكتسبات كبيرة حصلنا عليها لماذا لانحافظ عيها و نطالب بشكل راقي بمزيد منها. بس بدي أعرف بدكم العنب أم محاربة الناطور.
عنجد روووووعة يعطيك العافية
عزيزي أسلوبك رائع وسلس وقصتك بتجنن وياريت هالنهاية يلي اخترتها تطبق وترجع المحبة والأمان لبلادنا وياريت مثل ما فاق حسان يفيقوا كل هالشباب لأننا بحاجة لطاقاتهم ومو بحاجة لسيلان دماءهم
اكثر من رائع يعني الكلمتين اللي كتبتهم احسن من الف كلمة كتبناهم وقلناهم قبل حمى الله الوطن وقائد الوطن حياك الله اخ احمد عودة
السيد أحمد منين عم تجيب هذه الأفكار التي تقطر وطنية و رومانسية شكراعلى هذه المساهمات و مزيد من حب الوطن