أوائل تسعينات القرن الماضي ، كنت أعمل في شركة خاصة . وقد نشأت عبر الأيام علاقات معرفة ومحبة واحترام بين العاملين ، وكان اهم ما يميز هذه العلاقة التفاهم والتحابب الايجابي ، في جو من المرح والسرور الذي كان ميزة العمل بشكل عام ! .
وداعيكم ، له مراق في الكتابة وقرض الشعر ، مع أنني ولا فخر ، اكتب المقالة وارسم الكاريكاتير واكتب الخط العربي واعزف على آلة العود .. يعني بصراحة مسبع الكارات وإن قالوا قديما ً : يا مسبع الكارات يا مضيع البارات .. لكن المهم السترة والحال مستورة والحمد لله .
وقد كان من أعذب اللحظات ، تلك التي نتبادل فيها أطراف الحديث ونحن نحتسي القهوة او أن نكون في سيران جماعي ممتع .. وكانت تحدث معنا قفشات حدث ولا حرج ولكن ضمن اطار المزاح المحبب ، فيسعد الجميع ويسر بما نتناوله من مليح الكلام وأطرفه .
وكنا أحيانا نزداد عمقا ً في الحديث حتى يلامس بعض حدود الحياء في ذلك الوقت لكنه أشد طهرا ً ورقيا ً مما نراه ونشاهده ونسمعه من برنامج لول هذه الأيام بألف مرة !
وبما ان الانسان من لحم ودم ومشاعر ، فقد كان احدنا يستسيغ لحظة اعجاب بزميلة له ، فيقول فيها كلمة حلوة تبعث في ذاتها نشوة الرضى والارتياح ، ولكن ضمن حدود اللياقة والاحترام .
وذات مرة، وكان الجو قائظا ً من شهر آب ، طلبت من الآذن كأس ماء بارد ، وما ان احضره الي ، حتى دخلت علي زميلة يشهد لها الجميع بالجمال وخفة الدم ، وبعد أن سلمت ، نظرت بعيونها الجارحة الحالمة وقالت : .. تسمح .. عطشـــانة ! فسررت لطلبها وقلت لها : تكرم عيونك ..وصحتين على قلبك .. ورحت اختلس النظر اليها وهي ترتشف قطرات الماء كمن يرتشف عسلا ً أو بعضا ً من خمر معتق . وكان الماء ينساب ويترقرق بين شفتيها بعذوبة ودلال . ولما ارتوت ، قلت لها : هل لي أن اقول لك شعرا ً ؟ قالت : تفضل . فقلت لها :
لـمّـا شربت ِ الماء َ لم نعرفْ اذا ظـمـأ ٌ أصابك ِ أم أصـاب َ المــــــاءَ
هو يحمـل ُ السقيا ويطفيء حرقة ً وإليك ِ يشكو حـرقة ً حــــــــــــرّاء َ
وذات مرة ، ولشدة ما كانت احدى زميلات العمل غارقة في بحر من الدعة واللطف وخفة الظل ، خطرت على بالي بعض ابيات الشعر ، ولما اسمعتها اياها زاد حبورها وبهاء وجهها تألقا ونورا ً ، قلت لها :
بــد ائرة ٍ نعيـش ُ معـــــا ً ولا كــُره ٌ ولا حســـــــد ُ
كـأنـا جسم ُ انســـــــــان بـراه ُ الواحـــد ُ الأحــــدُ
فـكـنـا فيـه أطـــرافـــــا ً وأنت ِ الــرو ح ُ والجســــــد ُ
وفي مرة ، زارتنا زميلة لسكرتيرة مكتبي ، وكانت عيناها غاية في الجمال ، تمايز فيهما السواد والبياض ، واكتستا رموشا ً طويلة ، كلما تحركا كـُـتبتْ قصيدة من غزل ، فكتبت لها على قصاصة ورق ، ودفعتها اليها :
لـك ِ مقلتــا عينين ِ إنْ بدتـــا معــا ً بدتــا كبرق ِ السيـف ِ خارج َ غـمـــده ِ
يصرعن َ ذا اللب ِّ الحليـم ِ بنظــرة ٍ وترى الرجال َ على مذابح ِ حــــد ِّ ه ِ
والداعي _ اطال الله عمركم – غير مدخن ، ولم اشرب السيجارة عمري ، الا نادرا ً ، فأنا بطبعي لا احب الدخان !! وذات مرة ونحن في نزهة جميلة ، في أحضان الطبيعة وهوائها العليل ، وبينما كنا نحتسي القهوة .. فجأة ، مدت احدى الجليسات الجميلات وربما كانت اجمل نساء الأرض يدها المسبوكة من ذهب وزمرد ، وبصوت يفيض عذوبة وحلاوة وهي تحمل علبة دخان نسواني ( رفيع ) وقداحة ، قالت : تفضل .. وبإلحاح محبب . ترددت كثيرا ً وانتابني الارتباك والخجل ، وكعادتي في اضاعة الفرص الجميلة ، اعتذرت ، فألحت علي ، لكنني بقيت فظا ً وغليظا ً الى درجة ان أخجلتها ولم أقبل دعوتها .. فندمت أشد الندم ، وكتبت لها على ورقة .. معتذرا ً :
بيد ٍ كغصن ٍ من زمـرد َ قـد مت ْ سيجارة ً أغلى من المـرجــــــان ِ
تهفو بها نبرات ُ صوت ٍ رائــــع ٍ قالت : تفضل ْ ، والعيون ُ رواني
وشعرت ُ أنـي في خضـم ّ متاهـــة ٍ ذهبت ْ بتفكيري زهـاء َ ثوانـــــي
يهفو إليها كل ُّ من لي شـــا هـــد ٌ لو كان فيها جـالســا ً بمكانـــــــي
أخــجلـتــُها وكــذا أنـا متــرد د ٌ دومـــا ً ازاء عــزيـمــة ِ النسوان ِ
يـا خير َ من أهــدى اليـك ِ على المـدى شــكرا ً يدل ُّ على الفتى الغـلطان ِ
ما كنت أقصد ُ صدقينـي واغفـــري لـي زلـتي وأقولهـا بلسـانـي
شـُـرب ُ السجـائـر ِ من يديـك ِ محبـبٌ يشفي العليـــل ِ وما له ُ من ثـانــــي
... الله الله يا ابراهيم .. اكيد عرفتني . لما قرأت بالصدفة الشعر ، تذكرت تلك اللحظات الرائعة والحقيقة بكيت ... كانت ايام جميلة جدا ً ... انت انسان اكثر من رائع .
كلماتك وأشعارك كثير حلوة مع ان لي تحفظ على الطريقة فلو اجا حدا وعطاني هيك أبيات وانا عم اشرب لكون.........بقله شكرا ياذوق يعني شو بدي اعمل
... يعني وقفت طويلا امام ما قرأت يا ابراهيم .. استغربت .. وسألت : هل يعقل ان نقرأ ونحن نعيش هذه الأزمة شعرا وغزليا ً؟ وسألت نفسي ، هل يمكن للحياة ان تتوقف اذا خيمت مصيبة ما في زمن ما ؟ لقد كانت اضافة رائعة اخذتنا ولو لبرهة الى عالم الحب والجمال بعيدا عن المناظر التي تتفنن الفضائيات المغرضة خاصة في عرضها لتقتل كل بارقة امل في نفس المواطن السوري !! نحن السوريون نحب ونعشق ..ونواجه اعداءنا بنفس القوة ، وسورية كانت وستظل بخير .. وحياك الله .
... الحقيقة انا قرأت الشعر ..مو بس الشعر ، كمان النص : الكلام جميل جدا ً ..بس بدي قلك شغلة : يمكن الصبية الحلوة يللي ما قبلت منهاسيكارتها ، حرقتلا قلبا ... الله يسامحك .