syria.jpg
مساهمات القراء
شعر
دعني مع الشعر يبكيني وأبكيه ... بقلم : مصطفى قاسم عباس

دَعْنِي مَعَ الشِّعْرِ يَبْكِينِي وَأَبْكِيهِ 

كَمْ جَفَّ دَمْعِي, وَمَا جَفَّتْ مَآقِيهِ 


وَكَمْ سَقَانِي كُؤُوسَ الوَجْدِ مُتْرَعَةً! 

وَكُنْتُ مِنْ مَدْمَعِي الرَّقْرَاقِ أَسْقِيهِ 

 

بَعْضُ البَرَايَا يَصُوغُ الشِّعْرَ مَلْحَمَةً 

وَبَعْضُهُمْ بِلِسَانِ البُؤْسِ يَرْوِيهِ 

 

لاَ زِلْتُ أَذْكُرُ يَوْمَ البَيْنِ, كَانَ ضُحًى 

وَالعُمْرُ يَمْضِي, وَقَلْبِي عَالِقٌ فِيهِ 

 

فِي كُلِّ يَوْمٍ أُنَاجِي الشَّمْسَ فِي حُرَقٍ: 

أَذْهَبْتِ عِنْدَ الْمَسَا عُمْرِي, فَرُدِّيهِ 

 

فِي كُلِّ لَيْلٍ, هِتَافُ الوَجْدِ أَسْمَعُهُ 

يَدْعُو فُؤَادِي, وَآهَاتِي تُلَبِّيهِ 

 

للهِ دَرُّكَ مِنْ لَيْلٍ بِهِ سَقَمِي! 

فَمَا رَأَيْتُ بِهِ لَيْلاً يُسَاوِيهِ 

 

يُمِيتُ يَوْمُ النَّوَى قَلْبِي بِلَوْعَتِهِ 

لَكِنَّ ذِكْرَى عُهُودِ الأُنْسِ تُحْيِيهِ 

 

وَأَسْمَعُ الْهَمْسَ مِنْ عَيْنِي لِجَارَتِهَا: 

تَتَبَّعِي طَيْفَ مَاضِينَا, وَقُصِّيْهِ 

 

عَيْشُ الْمُتَيَّمِ فِي ضَنْكٍ يُكَابِدُهُ 

وَسُهْدِ لَيْلٍ بِشَجْوِ الرُّوحِ يَقْضِيهِ 

 

كَشَمْعَةٍ فِي دُجَى الظَّلْمَاءِ سَاهِرَةٍ 

تَشُقُّ فِي اللَّيْلِ فَجْرًا, ثُمَّ تَبْكِيهِ 

 

مَرُّ اللَّيَالِي, وَمُرُّ البُعْدِ عَنْ وَطَنٍ 

يَرْمِي الْمَشُوقَ بِلاَ سَهْمٍ فَيَرْمِيهِ 

 

سَهْمُ الوُلُوعِ شَغَافُ القَلْبِ مَسْكَنُهُ 

يُدْمِي فُؤَادِيَ فِي أَقْصَى أَقَاصِيهِ 

 

آهٍ, سِهَامُ الأَسَى كَمْ خَامَرَتْ كَبِدِي! 

وَكَمْ يُسَالِمُهَا! لَكِنْ تُعَادِيهِ 

 

فَخَافِقِي ارْتَشَفَ الأَشْوَاقَ مِنْ صِغَرٍ 

وَاليَوْمَ يَرْنُو إِلَى مَاضِي تَصَابِيهِ 

 

كُنَّا نُجَاوِرُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ زَمَنًا 

مَا أَنْعَمَ العَيْشَ إِنْ طَابَتْ أَرَاضِيهِ! 

 

عِشْنَا بِذَاكَ الْحِمَى, وَالشَّمْلُ مُؤْتَلِفٌ 

لَهْفِي مِنْ البُعْدِ! لَهْفِي مِنْ لَيَالِيهِ! 

 

مَا أَصْعَبَ الْهَجْرَ, وَالدُّنْيَا مُفَرِّقَةٌ 

وَهَلْ يَعُودُ زَمَانٌ طَابَ مَاضِيهِ؟! 

 

وَهَلْ يَعُودُ الدُّجَى فِي رَوْضِ سَاحَتِهِمْ 

كَالصُّبْحِ فِي أَلَقٍ, وَالنَّجْمِ فِي تِيهِ؟! 

 

كُلٌّ يَنُوحُ عَلَى مَاضٍ تُعَاوِدُهُ 

ذِكْرَاهُ, وَالعُمْرُ لِلمَاضِي يُحَاكِيهِ 

 

يُمَزِّقُ الدَّهْرُ ثَوْبَ العَيْشِ فِي رَغَدٍ 

نَبْلَى بِذَا الدَّهْرِ لَكِنْ لَيْسَ نُبْلِيهِ 

 

النَّاسُ تَبْكِي بِدَمْعِ الْحُزْنِ فِي مُقَلٍ 

يَجْرِي أُجَاجًا عَلَى خَدٍّ يُرَوِّيهِ 

 

وَقَدْ تَسِيلُ الْمَآقِي فِي الوَدَاعِ دَمًا 

فَجَلَّ رَبِّيَ مَنْ لِلدَّمْعِ مُجْرِيهِ 

 

العَيْنُ وَاحِدَةٌ, وَالدَّمْعُ مُخْتَلِفٌ 

لَكِنَّ دَمْعَ الْجَوَى, مَا الكُلُّ يَدْرِيهِ 

 

أَحْزَانُ يَعْقُوبَ مِنْ شَوْقٍ لِيُوسُفِهِ 

وَنَوْحُ ثَكْلَى تُعَانِي مَا تُعَانِيهِ 

 

لَوْ قُورِنَتْ بِمَآسِي الصَّبِّ أَجْمَعِهَا 

فَتِلْكَ يَا صَاحِ غَيْضٌ مِنْ مَآسِيهِ 

 

مَا ذَاقَ طَعْمَ الْهَوَى مَنْ فَجْرُهُ عَبِقٌ 

وَلَيْلُهُ العَذْبُ يَمْضِي رَاقِدًا فِيهِ 

 

مَا ذَاقَ طَعْمَ الْهَوَى مَنْ قَلْبُهُ بَهِجٌ 

وَلَمْ يَكُنْ حَرُّ نَارِ الوَجْدِ يَكْوِيهِ 

 

وَمَا رَأَيْنَا مَشُوقًا خَدُّهُ نَضِرٌ 

وَفِي مُحَيَّاهُ أُخْدُودٌ يُلَظِّيهِ 

 

وَالْحُبُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ رُوحًا تَذُوبُ جَوًى 

أَوْ مُدْنِفًا, وَسِهَامُ الشَّوْقِ تَرْمِيهِ 

 

أَوْ أَدْمُعًا حَفَرَتْ فِي الْخَدِّ أَوْدِيَةً 

وَأَنْبَتَتْ أَسْلَ سِدْرٍ فِي بَوَادِيهِ 

 

أَوْ خَافِقًا خَفَقَتْ أَوْرَاقُ أَيْكَتِهِ 

وَنَاحَ بُلْبُلُهُ, وَالدَّوْحُ يَرْثِيهِ 

 

أَوْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُ مَنْ يَهْوَى لَهِيبَ لَظًى 

وَكَانَ طُوفَانُ نُوحٍ لاَ يُطَفِّيهِ 

 

فَلْتَعْذِرُونِي؛ فَإِنَّ الشِّعْرَ يَهْمِسُ لِي: 

يَا صَاحِ: هَذَا بِحُبٍّ لاَ أُسَمِّيهِ 

 

يَا دَهْرُ فِيمَ التَّجَافِي؟ هَدَّنِي سَقَمِي 

أَنَا الغَرِيبُ, وَلاَ خِلٌّ أُنَاجِيهِ 

 

ضَنَّ الزَّمَانُ بِيَوْمٍ فِيهِ يَجْمَعُنَا 

لَيْتَ العَوَاذِلَ ذَاقُوا مَا أُقَاسِيهِ 

 

سَلْ عَاذِلِي عَنْ عُيُونٍ مَلَّهَا سَهَرِي 

كَمْ أَسْكُبُ الدَّمْعَ! لَكِنِّي أُوَارِيهِ 

 

قَدْ كَانَ طَبْعُ العَذُولِ اللَّوْمَ فِي حَسَدٍ 

وَيَقْطَعُ العُمْرَ فِي زَيْفٍ وَتَشْوِيهِ 

 

وَاليَوْمَ لِي عَاذِلٌ فِي اللَّيْلِ يَرْقُبُنِي 

يَبْكِي لِحَالِي, وَصِرْتُ الآنَ أَبْكِيهِ 

 

كُلٌّ يُغَنِّي عَلَى لَيْلاَهُ فِي شَغَفٍ 

لَكِنَّ لَيْلاَيَ فِيمَنْ عِشْتُ أَفْدِيهِ 

 

مَنْ دَبَّجَ الوَصْلَ شِعْرًا ثُمَّ يَرْشُفُهُ 

فَذِكْرُ أَحْبَابِهِ دَوْمًا عَلَى فِيهِ 

 

هُمْ أَهْلُ وُدِّي, وَآلُ البَيْتِ فِي كَبِدِي 

لَهُمْ سَلاَمِيَ فِي فَرْضٍ أُصَلِّيهِ 

 

إِنْ غَابَ عُنْ لُبِّ عَيْنِي شَخْصُهُمْ فَأَنَا 

لاَ أُطْبِقُ الْجَفْنَ إِلاَّ طَيْفُهُمْ فِيهِ 

 

يَا طَيْفُ هَيَّجْتَ لِي ذِكْرًى تُؤَرِّقُنِي 

أَضْنَيْتَ قَلْبِي, فَقُلْ لِي: مَنْ سَيَشْفِيهِ؟ 

 

وَيَا أَحِبَّاءُ، صَارَ الشِّعْرُ عِقْدَ سَنًا 

وَنُورُ طَلْعَتِكُمْ أَحْلَى قَوَافِيهِ 

 

يَسْرِي فُؤَادِي بِفُلْكِ الدَّمْعِ نَحْوَكُمُ 

وَفِي مَنَازِلِكُمْ تَرْسُو مَرَاسِيهِ 

 

2011-08-12
التعليقات
الحمامة البيضاء
2011-08-14 14:37:02
صباح الورد
مَا ذَاقَ طَعْمَ الْهَوَى مَنْ قَلْبُهُ بَهِجٌ وَلَمْ يَكُنْ حَرُّ نَارِ الوَجْدِ يَكْوِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُ مَنْ يَهْوَى لَهِيبَ لَظًى وَكَانَ طُوفَانُ نُوحٍ لاَ يُطَفِّيهِ /كلمات رائعة جداااااااا

سوريا
حسام عيسى
2011-08-13 01:03:47
مصطفى قاسم عباس
الله الله الله الله يقويك ويعطيك الف عافية رجعت اكتر من الف سنة لايام المتنبي وابو فراس وايام ابو نواس وابو العتاهية ارفع قبعتي واحني امام ابداعك صديقي تقبل مروري

سوريا
محمود الموسى
2011-08-12 23:18:46
سلمت يداااااااااااك
جميل من أروع ما قرأت ....مَا أَصْعَبَ الْهَجْرَ, وَالدُّنْيَا مُفَرِّقَةٌ وَهَلْ يَعُودُ زَمَانٌ طَابَ مَاضِيهِ؟! الله أبدعت بكل المعاني تقبل تحياتي ..

سوريا
قارئة
2011-08-12 16:59:41
سلمت للشعر الصادق أرق شاعر
إِنْ غَابَ عُنْ لُبِّ عَيْنِي شَخْصُهُمْ فَأَنَا لاَ أُطْبِقُ الْجَفْنَ إِلاَّ طَيْفُهُمْ فِيهِ **************************** يَسْرِي فُؤَادِي بِفُلْكِ الدَّمْعِ نَحْوَكُمُ وَفِي مَنَازِلِكُمْ تَرْسُو مَرَاسِيهِ

سوريا