syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
المنحة السورية... بقلم: مهند قصار

هذا ليس خطأً مطبعياً، فقد عنيت "المنحة" لا "المحنة".


لقد اعتاد الناس في سورية وخصوصاً موظفو القطاع العام على مكرمة رئاسية تقضي بصرف نسبة من راتبهم لمرة واحدة قبيل أحد الأعياد الدينية، فماذا عن هذا العام؟ الجميع يقر بأن هذا العام استثنائي على كافة الأصعدة وخصوصاً القطاع الاقتصادي والمالي. ولكن هل من باب للتفاؤل؟

 

لقد تداولت بعض المواقع الإعلامية السورية أخباراً وتقارير عن احتمال صرف منحة في هذا العيد، وكثر الجدل في الأوساط الشعبية حول تلك المنحة؛ فمن الناس من قال إن المنحة ستساعد مادياً في هذه الظروف الصعبة، والبعض الآخر قال إن المنحة تضر بالاقتصاد المتعب، وذهب البعض الآخر إلى التطرف بأفكاره قائلاً إن كل من يطالب بمنحة في هذه الظروف هو شخص غير سوري لأنه يفضل مصالحه الخاصة على مصلحة الوطن..

 

لن أتكلم كثيراً عن الاقتصاد السوري وإمكاناته، لأني لست على اطلاع بتفاصيله، وأهل البيت أدرى بما لديهم لذا سأترك ذلك الموضوع للحكومة لتقرر وجود المنحة من عدمها، ولكني سأقوم بالتعريج على تجربة أستراليا الناجحة بالخروج من الأزمة المالية العالمية الأخيرة عام 2008. فقد كانت أستراليا الدولة الوحيدة من بين الدول المتقدمة التي لم ينهار اقتصادها خلال الأزمة، في حين تسارعت باقي اقتصادات العالم إلى التهاوي كأحجار الدومينو.

 

انتهجت الحكومة الأسترالية عدة خطوات جاءت جميعها تحت شعار "رفع سقف ثقة المستهلك بالاقتصاد". ففي الوقت الذي كانت فيه باقي دول العالم تحاول الحفاظ على أكبر كمية من احتياطي النقود للهروب من الانهيار كانت الحكومة الأسترالية تقوم بالعكس تماماً، فقد ضخت ما يقارب 57 مليار دولار في السوق الأسترالية خلال فترة الأزمة لتشعر المواطن أن اقتصاده ما زال بخير ولتشجعه على التصرف بطبيعية والإنفاق بشكل معتاد. فحسب رؤية الحكومة الأسترالية فإن ما يزيد الطين بلة في مثل تلك الظروف هو إحجام الناس عن الإنفاق وتخزين أموالهم، وهذا ما يكبح بعجلة الاقتصاد، ويدفع أصحاب المنشآت التجارية إلى صرف عمالهم ومن ثم المعامل الكبيرة إلى تخفيض انتاجها وصرف نسبة من العمال أو الإغلاق التام. ويؤدي ذلك إلى رفع معدل البطالة ويحمل الدولة أعباء جمة. والمنحى الآخر الذي كان يقلق الحكومة هو فقدان الناس الثقة بالمؤسسات المصرفية والذي قد يدفع بهم لسحب أموالهم من المصارف وإيداعها في منازلهم أو في مصارف خارج أستراليا وهذا ما قد يجر بالاقتصاد الأسترالي إلى الهاوية.

 

فجاءت رؤية الحكومة الأسترالية أن أفضل حل هو إعادة الثقة للشعب. فأول ما قامت به كان الإعلان عن ضمان الحكومة لجميع المصارف الأسترالية العامة والخاصة من الانهيار، وذلك للحفاظ على القطاع المالي من الخطر. والخطوة الثانية كانت أكثر عملية، حيث عملت على ضخ كميات هائلة من الأموال بين يدي المواطنين لتشجيعهم على متابعة حياتهم بشكل طبيعي، فأعلنت مع بداية الأزمة عن حزمة مالية تحفيزية أولية بمقدار 10.4 مليار دولار (أي ما يعادل 1% من الناتج القومي المحلي) والتي أثبتت نجاحاً ملحوظاً، حيث أعلن مكتب الإحصاء الأسترالي عن ازدياد في نسب المبيعات قُدر بـ 3.8% ليصل الإنفاق في قطاع التجزئة مقدار 19.2 مليار دولار. وبعد ذلك أعلنت الحكومة عن مشاريع حكومية بمقدار 4.7 مليار دولار لتشغيل عدد كبير من العمال فيها. ثم جاءت الحزمة المالية التحفيزية الثانية والتي أنقذت الاقتصاد من الانهيار، حيث أعلنت الحكومة عن حزمة مالية قدرها 42 مليار دولار تحت عنوان "بناء الأمة وخطة الحفاظ على الوظائف"، ودعمت تلك الحزمة ما يقارب 90 ألف فرصة عمل، حيث ركزت على تشجيع المستهلك على الإنفاق عبر المنح المالية المقدمة له بالإضافة إلى دعم قطاعات البنى التحتية والسكن وتضمنت تخفيضات ضريبية ضخمة على القطاعات الصناعية الكبيرة للحفاظ عليها من الانهيار وتشجيعها على العمل والمنافسة في السوق المحلية والدولية.

 

لقد أنهكت تلك الحزم التحفيزية الاقتصاد الأسترالي ولكنها أنقذته من الانهيار، فقد كانت مؤشرات الناتج القومي المحلي في أستراليا إيجابية طوال فترة الأزمة المالية إلا في الربع الأول من عام 2009 حيث انخفضت بنسبة 0.9%، في حين كانت مؤشرات الناتج القومي المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية سالبة لمدة عام ونصف ولم تشهد الارتفاع إلا مع نهاية عام 2009.

 

وعطفاً على التجربة الأسترالية قد نستخلص أن المنحة التي يترقبها مواطنو سورية قد يكون لها إيجابيات، تتمثل في:

-        إعطاء إشارة للمشككين بقوة القطاع المالي السوري بأنه بخير وقادر على تخطي الأزمة.

-        إنعاش عجلة الاقتصاد ودفع المستهلك لممارسة حياته بشكل طبيعي.

-        تحفيز القطاعات الخدمية الخاصة على العمل بشكل اعتيادي مجدداً وإعادة من تم صرفهم من العمل.

-        التعزيز من شأن الليرة السورية وذلك بزيادة الطلب عليها.

-        إعادة الطمأنينة للمستثمرين السوريين والعرب بأن الاقتصاد السوري عاد مجدداً للنمو، وأن الجانب الاقتصادي للأزمة قد بدأ بالتعافي.

 

في النهاية ، فإن لكل قرار إيجابياته وسلبياته ولنترك قرار المنحة لأصحاب القرار، فكما قلت سابقاً إن أهل البيت أدرى بما لديهم. ولكن لنعمل جميعاً على إظهار الجانب المشرق لبلدنا، فسورية هي أم الجميع وإرضاؤها واجب علينا فقد رعتنا وحضنتنا حتى في أصعب المنح والأزمات، فلنرد لها بعض الجميل ونحافظ عليها من الانهيار.

2011-08-26
التعليقات