syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
ظاهرة الفساد ظاهرة الظواهر العالمية ( أسباب الفساد – الجزء الثالث)... بقلم : نصر زينو

ثانياً:أســــباب الفســاد           


أولاً: السلطة:

ثانياً: الرأسمال المتوحش:

هو السبب الأساسي الثاني لظاهرة الفساد المفترس من خلال بعض أصحاب الرأسمال التجاري والصناعي والسماسرة لكل شيء وبكل شيء، والمتعاملين معهم من رجال السلطة على مستوياتهم المختلفة، من شركاء وعملاء ومتعاطين معهم، بكل شيء غير مشروع من خلف ظهر القانون والأخلاق، من العقود والصفقات والمناقصات والتعهدات والتسهيلات فاحشة المردود والتسريبات للمعلومات السرية إلى هؤلاء... وحصر الكثير من جبهات العمل الرابحة جداً بالبعض دون غيرهم...  

 

وأكثر ما تضرر المواطن من هؤلاء الذين يمررون أخبار تأخر وصول بعض المواد إلى القطر أو تأخيرها قصداً أو التباطؤ بتوزيعها قدر المستطاع، لإتاحة الفرصة للاحتكاريين لتصريف موادهم المماثلة بأعلى الأسعار الممكنة، لجني الأرباح اللامشروعة والتقاسم عليها معهم... لهذا كان الرأسماليون يتحكمون بكثير من أمور السلطة السياسية والاقتصادية خاصة... وكنت تستغرب وتتساءل هل النظام لدينا نظام رأسمالي أم اشتراكي؟! ليصل دور هؤلاء إلى هذا المستوى من الكبر الفاعلية والسوء، والدخول بالداء الخطير ( الفساد ) إلى حصون السلطة وقلاعها والمباشرة بتخريبها من الداخل كفأر سد مأرب... وانسلاخ البعض من رجال السلطة عن كل ما كان يؤمن به ويعمل له... ليصبح في صف الجلادين والمستغِلين بما يملك من قوة الرأسمال المتوحش ما يملكون أو يزيد، وربما يزيد بشكل خيالي... مليارات الدولارات التهموا من الشعب...؟!

 

وما جر ذلك على البلاد من كوارث وأزمات واختلالات، والأبشع والأخطر من هؤلاء، الذين هرّبوا ما جمعوا من مال حرام إلى خارج الوطن، واستثماره وتشغيله في بلدان الأعداء غالباً... حارمين وطنهم منافعه وفوائده الكثيرة وسالبين الاقتصاد الوطني جزءاً ليس يسيراً من طاقاته ومكوناته... والانكى يهددون بهذا الرأسمال النظام الوطني في بلدهم، وأنهم قادرون على فعل كذا وكذا... وحتى على قلب النظام ( مثال ذلك السيد خدام ورفعت وغيرهما... ) وهذا أسوأ وأخطر إفرازات الفساد ذلك الوحش الكاسر والثعلب الماكر... أما الذين كدّسوا مثل هكذا مال، واستثمروه في وطنهم، اقل سوءاً من هؤلاء وأفضل وطنية بالمطلق... وعليك أن تتصور حجم هدر المال العام على امتيازات المسؤولين بالإجمال... خاصة فيما يتعلق بجحافل السيارات الحكومية ومحروقاتها وإصلاحاتها، المفتوحة الإعداد والتكاليف لبعض المسؤولين ، ينثرونها على الأهل والمحاسيب... وما يرافق ذلك من فساد وإفساد ونهب المال العام في كل مكان وزمان يغيب فيه الوجدان.

 

وبالمقابل يفرضون على المواطن التقنين وشد الحزام والحرمان، والرفاه الراغد لطرفي العلاقة الجدلية، المال والسلطة...( مثال: قالت اللجنة أن عدد سيارات الحكومية 17500 سيارة سياحية و 12000 سيارة بيك اب، وقدرت الإنفاق على هذه السيارات سنوياً حوالي 8 مليارات ل.س كصيانة ووقود، ومنها حوالي 4 مليارات على السيارات السياحية، ويقول عبد الفتاح عوض كمثال عن الهدر والفساد: إن كلفة صيانة بيك اب في معمل اسمنت طرطوس 923 ألف ل.س، وبلغت تكاليف إصلاح آليات المقالع إلى 112 مليون ل.س في العام، ألا يكفي هذا لشراء ضعفها جديداً؟!) وعليك أن تتصور أيضاً حجم التهرب من دفع الضرائب الذي يعتبر في الدول المتقدمة من الجرائم الكبرى الخطيرة والمشينة، بينما يعتبر في الدول النامية!! من المراتع الخصبة للفساد للمتهربين منها وللمتواطئين معهم على حد سواء... فتصور كم البون شاسعاً بين الحالتين... كما الحضارتين...!!!

 

ثالثاً: منظومة القيم:

أرى أن السبب الأساسي الثالث لظاهرة الفساد هو:

تصدع منظومة القيم الأخلاقية والمثل العليا والتقاليد والعادات المجيدة الحضارية، وتفكك العلاقات الاجتماعية الحميمة كالتراحم والتواصل والتوادد والتعاون والتكافل والتضامن والتآزر في السراء والضراء... واستبدالها تدريجياً بعلاقات مادية جافة باردة ومتنافرة وربما عدوانية، والتسابق على صهوات جياد العولمة المفترسة، بسلاح حرية التجارة وحرية المال والعمل، وإباحة بلاد واستباحة أوطان... يسمح بشريعة الغاب فيلتهم الكبار والأقوياء الصغار والضعفاء، ويدفع هذا الناس للصراع المرير للحصول على المال بكل الوسائل والسبل المتاحة تحقيقاً لقول مأثور " معك دينار تساوي ديناراً " كنتيجة لهيمنة نمط التفكير الانفاقي التبذيري المتباهي والضحل، وسيطرة السلوك الاستهلاكي المتصاعد المتهالك، سيطرة ضارة بالنفوس والعقول، مبددة للطاقات والإمكانات المادية عبثاً واستهتاراً وجهلاً... وخلّف هذا الصراع المشؤوم ضحايا غاليات مرمية في ساحة البلاء، كقيم الحق والعدل والخير والجمال، والحب والإيثار... سقطت تحت ضربات سنابك خيل الأنانية والجشع والطمع المتولد من رحم الفساد الشرس... الذي لم يوفر شيئاً، نهباً للمال العام بالنصب والاحتيال، بالسطو والاختلاس، واصطياداً لما يتساقط على هامش الهدر والإسراف وهو كبير جداً ومشهود للناظرين أيضاً... والذي تجلى أي الفساد بسلب الناس بعضهم بعضاً، لتكافئ الفرص والتنافس الشريف وحرية الكسب المشروع، بأساليب خادعة ووسائل ملوثة... والذي نجم عنه أيضاً نتائج مدمرة للحياة الكريمة والتي هي حق مقدس للناس كل الناس، ومدمرة لا مكان وجود فرص عمل شريف كحق مصان وواجب لازب، والاهم مدمرة لحلم الناس في التساوي في الحقوق والواجبات أمام القانون الذي أصبح كراقص السيرك، لا استقرار له ولا استمرار على موال، يثير الدهشة والإعجاب... وفي نهاية المشوار ينصرف عنه الناس يجرون أذيال الحسرة والخيبة والمرار، ولا يبقى منه سوى ذكرى كأنه ما كان...

 

ومما يزيد الأمر سوءاً على سوء، أن هذا الداء الخبيث، الفساد خلق مناخات مبلبلة وبيئة قلقة، فقد الناس فيها الثقة والأمل والأمان وبالتالي الهمة والنشاط والإبداع، وأوجد باستشرائه وامتداده أزرعاً كالإخطبوط إلى كل شيء في السلطة والمجتمع تقريباً، وساهم بازدياد واتساع البون بين الواقع والأمل، وبين قلة قليلة تتحكم بالثروات والسلطان والناس، وروافد ثرواتها مستمرة من الدخل القومي بدون وجه حق ولا شرعية قانون، وبين الكثرة الكثيرة من المجتمع تحتضن الفقر والجوع والسقم والجهل، وتنام وتحلم بتحقيق ما تسمعه من وعود بالإنصاف والمساواة، ولا تزال تحلم...  

 

والفساد ما زال يسرح ويمرح ويتضخم ويعمق الجراح النازفة، ويزيد الآلام اللاسعة والقهر المكبوت والظلم المعتدي، وينشر الخراب والخلل في كل شيء كان وفي كل مكان، ويفقأ عين المتربصين به الشر والسوء والموت، ويتحداهم جهاراً نهاراً... فإذا أردتم الانتصار في هذا الصراع المصيري والدموي فعليكم أن تبسطوا القانون في البلاد وعلى كل العباد، وادفنوا الفساد إن قدرتم، وان لم يكن فقطعوا أوصاله، وحاصروه بشدة حتى تستأصلوا ما تستطيعون منه، وأصلحوا ما افسد الفساد هذا... وأعيدوا للقيم النبيلة والمثل العليا رونقها ونقاءها، وللعلاقات بأنواعها صفاءها وحميميتها، وللآمال صبوتها، وللسلطة طهارتها، وللنشاطات والأعمال نظافتها ومشروعيتها... وهذه مسؤولية الجميع حتماً وبلا استثناء... فلا العجز والإحباط حجة تعفي، ولا التهرب والتلطي حجة تنفع، ولا الحياد واللامبالاة حجة تفيد... فالكل مسؤول عن مواجهة الخلل والفساد ولا حجة مقبولة لأحد في هذا المجال... وخففوا قدر ما تستطيعون من حدة التمايز الطبقي المرعبة والكارثية والمدمرة بالمطلق أيضاً... حتى يسترد النظام والمجتمع عافيته وعنفوانه، ويتمكن من انجاز البناء الحضاري الإنساني العصري الموعود... وإلا فالأمور ستزداد سوءاً وفساداً وإفساداً... وما يرافق ذلك من التشظي والتناثر واللامبالاة والضياع،وما يولد من ضغائن وأحقاد لا ترحم، ولآت ندم حيث لا ينفع الندم، وأجارنا الوهاب والحكام من لهيب الندم...!!

 

وكلي أمل وثقة في الحاضر والمستقبل بانتصار إرادة الحياة الأقوى في الخير والأمان، في الوداد والسلام...

 

رابعاً: الحرية:

أرى أن السبب الرئيس الرابع لظاهرة الفساد، هو الضعف:

-    في حرية التعبير عن الآراء والأفكار والأهداف والمرامي والآمال، وفي حرية التجمع والاحتجاج والتظاهر والدفاع عن مصالح مشروعة للناس.

 

-         وفي حرية النشاط الجماهيري والاجتماعي والحراك السياسي لقوى الشعب العاملة تحت سقف القانون والنظام.

-    وفي حرية استخدام القدرة في المراقبة والمحاسبة والتوجيه والتصويب، بشعور عال بالمسؤولية، من الشعب كل الشعب بقواه السياسية ومنظماته الشعبية وجمعيات حمايته الذاتية، والمؤسسات المدنية الفاعلة، ومن الجهات التي تملك هذا الحق، كمجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية المنتخبة كافة، كما يجري في دول العالم الديمقراطية.

-    وفي حرية الوجود الشرعي للمعارضة السياسية بأحزابها ومنظماتها وصحفها الوطنية، وبقدراتها العالية والكامنة على أداء دورها الممكن في تصحيح المسارات، وتقويم وتحسين التعاطي والتعامل مع الناس، بما تقدم من انتقادات بناءة، ومقترحات وأفكار خلاقة، بحرية ومسؤولية جادة...

 

-         وفي حرية التنافس المشروع في كل مجالات العمل والإنتاج، بما يحقق الأجود والأقل كلفة، على قاعدة الصدق والأمانة والاستقامة... بعيداً عن الأساليب المعوجة والغادرة، وخارج المناورات الخادعة والتضليلية، وخالية من التدليس والغش... مما يحرر هذه المجالات من الاحتكار الباب الواسع للفساد.

-    وفي حرية الإبداع الإنساني الشامل، وفي حرية الاختراع المادي المترامي، لما فيه خير الناس، كل الناس وحقهم في السعادة والأمان والرفاه في حياتهم.

-    وفي حرية الكلام والعمل في كل ما يتعلق بالشأن العام الوطني والقومي، وفي المساهمة الحرة والفاعلة في رفع سوية الوعي المعرفي والخبرة المكتسبة، المؤهلان للمشاركة الجدية والحقيقية في صنع القرار وفي تنفيذه.

 

-    وفي حرية الاختيار الحر للإنسان في كل ما يتعلق بوجوده ومصيره ومستقبله، وفي كل ما يتصل بحياته فكراً وسلوكاً، آمالاً وطموحات، أسراراً وسرائر، شؤوناً وشجوناً خاصته.

 

هذا الضعف في وجود الحرية وفي حرية الخلل في النظرية والممارسة والفعل، كانت أسبابه الحذر والتهيب والخوف مما قد يأتي به الناس من خطر على النظام، المجهول التوقيت والمكان والأسلوب والحجم... ودائماً يكون الخوف من المجهول اكبر بكثير من المعلوم، مما وسّع الفجوة بين الجماهير ونظامها، ومما زاد في التباعد بينهما، وجود النخب البديلة عن الطلائع في أسلوب التفكير وآلية السلوك وفي حصاد النتائج، حيث تقود الأولى للديكتاتورية المغلفة ببريق الادعاءات والمغالاة والتهويش الكلامي، والمرتدية لبوس الحرية والديمقراطية المزيفتان أو على الأقل المشوهتان بالبيان... بالتالي فالقمع والإرهاب مشروعان، وإجبار الناس على الصمت وكم الأفواه طبيعيان، وزرع الرعب والهلع لازمان، والأحكام العرفية والطوارئ ضرورتان... بالتالي فالاعتقالات السياسية مباحة لكل مخالف لقواعد السلوك الاستسلامي والإذعاني، لا بل ولكل من لا يطبل ويزمر لأسياد النظام، ولو كانوا من الظالمين والفاسدين والمدانين والمراوغين والأفاكين... ولاخطر على النظام الوطني من الجماهير التي يخوفونه من حريتها وصدقيتها، ويقوضون ركائزه الشعبية والإنسانية والحقوقية والشرعية الدستورية، التي يسير ببطء لاستردادها بحق وصدق وشفافية... فلولا وجود هذا الكم الهائل من الضغط على الحريات ومن السلب للإرادات والتشويه للتطلعات والخياراتـ، والتزوير اللامحدود للوقائع والأحداث، والتضليل المتعمد للقيادات الشريفة والمتفائلة، والانحراف المقصود لمسيرة البناء والإعمار الحضاري الإنساني المتطور والمنشود... لما تدهورت الأوضاع والأمور والشؤون الوطنية والشعبية والمجتمعية وغيرها، إلى هذه الأحوال التعيسة والمزرية والمدانة، ولما تطلب كل هذا الجهد والوقت والمال المبذول بلا توقف لإعادة الصواب والحكمة والعقلانية والمشروعية للنظام والمجتمع.

 

- وبالخلاصة يمكن القول بجد أن هذا السبب يمكن أن يكون أول أسباب ظاهرة الفساد وأقواها، لاعتقادي بأن الحرية الحقة والفساد لا يتعايشان بالمطلق... بالرغم أن للفساد أسباب من غير الممكن حصرها وإحصاؤها، لتنوعها بتنوع الفساد نفسه وأشكاله وأساليبه وابتكاراته وتطوراته، وتنوع مناخاته وبيئاته الأكثر ملائمة لطلوعه وتفريخه ونمائه، كالروتين مثلاً، المتجذر والمتنامي، والبيروقراطية المقيمة الراعي الأمين للروتين الأب الحقيقي للفساد، بالإضافة لأكداس الورقيات غير الضرورية ولا مبرر لها، اللهم سوى تسهيل الروتين وتضخمه الخبيث، وبالتالي تسهيل عدوى الفساد وانتشارها في كل صوب وميدان...

 

هذه المقالة بأجزائها ( الأسباب والمعالجة ) بتصرف لجنة مكافحة الفساد ومن يشاء

 

2011-08-28
التعليقات