syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
التحدي الكبير... بقلم : د. جميل بغدادي

هل تستطيع سورية أن تتجاوز الأزمة


عطفاً على المقال الأخير الذي كتبته يوم أمس بعنوان "هل يكون الرهان على الشعوب العربية ، أم يتحرك زعماؤها قبل فوات الأوان" والذي تحدثت فيه عن مخططات جهنمية يتعرض لها الوطن تستهدف تمزيقه إلى دويلات ، من خلال إثارة النعرات الطائفية مقترنة مع نداءات وأصوات تنادي بالحرية والديمقراطية ، حتى تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار والطمأنينة وتتخلص من جبهة التصدي والصمود ، وقلعة الممانعة والمواجهة وداعمة الحقوق العربية المشروعة وفي مقدمتها الحق في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي .  

وقد تحدثت في المقال السابق عن بعض الخطط الخطيرة المبيتة ضد سورية والتي يأتي في مقدمتها عملية الياسمينة الزرقاء واتفاق جوبيه – أردوغان ، وأخيراً وليس أخراً خطة الأمير السعودي بندر بن سلطان والتي تهدف جميعها إلى القضاء على سورية وتقسيم البلاد إلى دويلات . واستشهدت بما قاله الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك أحد المرشحين الديمقراطيين السابقين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 والذي كان القائد العام للقوات الأمريكية في أوروبا في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش ، والذي تولى مهمة القائد العام لحلف الناتو منذ عام 1997 وحتى عام 2004 بأن سورية كانت الهدف الثاني من المخطط الأمريكي الذي كان يستهدف احتلال 7 دول عربية في غضون 5 أعوام وكان ترتيب سورية الثانية بعد العراق .

 

والذي دفعني مجدداً للكتابة حول هذا الموضوع هو خبر قرأته هذا اليوم من موقع الخليج الإماراتية في عددها الصادر بتاريخ 26 آب 2011 والذي يشير إلى الرغبة الأمريكية في قصف سورية ، ومما جاء في الخبر "كشف ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، أنه حث الأخير في شهر حزيران 2007 على قصف سوريا ، (وستتأكدون من صحة هذه المعلومات من خلال كتاب سيصدر عن نائب الرئيس على شكل مذكرات يتم نشرها في كتاب الأسبوع المقبل) . وأشار إلى أن نصيحته بشن عمل عسكري ضد موقع الكبر في دير الزور الذي يشـتبه في أنه مفاعل نووي سوري ، لم تجد تأييداً لدى مستشاري الرئيس ، وقـال كنت صوتاً وحيداً ، وعندما سأل الرئيس موجهاً حديثه للجميع عمن يؤيد وجهة نظره هذه ، لم يرفع أي منهم يده مؤيداً  .

 

 وقد قام سلاح الجو “الإسرائيلي” بقصف الموقع في نهاية المطاف في شهر  أيلول من العام نفسه ، بعد أن فشلت محاولات البيت الأبيض لاستخدام الطرق الدبلوماسية حتى تتخلى سوريا عن المشروع السري . ودافع نائب الرئيس الأمريكي عن قرار إدارة بوش استخدام ما سماه “الاستجوابات القاسية”، أي أساليب التعذيب باستخدام الإغراق بالماء ، مع المشتبه بضلوعهم في الإرهاب ، قائلاً إنه أسلوب مكن من استخراج معلومات أنقذت حياة كثيرين" . إذاً المخططات الرامية إلى ضرب سورية ليست وليدة اليوم كما يعتقد البعض ، وهي ليست مرتبطة بالأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط من ثورات الربيع العربي ، وهي ليست مرتبطة بحقوق الإنسان كما يدعي الغرب ، هي مرتبطة بمصالح الدول الأوروبية في وضع اليد على المنطقة نظراً لوجود النفط في معظم دول المنطقة في المقام الأول ،  ولتكون كفة إسرائيل هي المرجحة على حساب الشعوب العربية ، التي تقوم شعوبها هذه الأيام بمهمة القضاء على الأنظمة وتصفية المواطنين لبعضهم البعض .

 

هذه الأيام الضغوطات والتحديات التي تواجه سورية هي أكبر من أن تحتمل فقد اتفقت دول العالم التي ترتبط مصالحها مع أمريكا وإسرائيل بمواجهة سورية بمختلف الطرق والوسائل ، ابتداءً من الدعم المادي والسياسي واعتماداً على قنوات الإعلام التي تحرض ضد النظام لتمرير أجندات خاصة والتي تتمثل بإركاع سورية وجعلها تتراجع عن خطها الثابت الذي انتهجته طوال السنوات الماضية في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية واللبنانية وفي رفضها أي حديث عن السلام المنقوص الذي يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة 242 و338 والقاضية بانسحاب القوات الإسرائيلية حتى خطوط الرابع من حزيران 1967 . وتزداد الضغوطات يوماً بعد يوم بمعاقبة الشخصيات السياسية ومعاقبة الكثير من الشركات وفرض الحظر على تصدير النفط السوري ، وغيرها من المؤشرات التي تهدف إلى إخضاع سورية والقضاء على نظامها .

 

سورية تواجه هذه الأيام تحدياً هو الأكبر من نوعه في تاريخها ، تهديد قد يعصف بمستقبل الوطن إذا لم يقف الشعب جميعه يداً واحدة لإحباط ما يحيط الوطن من مخاطر . نعم هناك أخطاء بل تراكمات من الأخطاء التي يجب الاعتراف بها ولكنها ليست وليدة اليوم بل تعود إلى عقود من الزمان ، أخطاء يجب أن يحاسب مرتكبوها وفقاً للقانون . فالحساب والعقاب هو أفضل الطرق الناجعة للتخلص من الحالة المتردية التي يريدون أن يأخذنا إليها . علينا بالتعاضد والاتفاق على سلامة الوطن أولاً وأخيراً وبعدها لتكن تصفية الحسابات وفق القانون . نقول إن هناك أخطاء ارتكبت في معالجة الأزمة وقد تم استخدام العنف بحق المعارضين ، واعترفت القيادة السورية بذلك . وقد قال الرئيس بشار الأسد في حواره مع التلفزيون السوري بهذا الشأن إن من ارتكب أي انتهاك للقانون فسوف يعاقب في حال إدانته سواءً أكان من الجيش أو الأمن أو المعارضة ، ولن يحاسب بريء على عمل لم يقترفه لأن القانون فوق الجميع .  

 

 لقد تعرضت سورية في السابق إلى الكثير من المحن والضغوطات ولكنها تمكنت من تجاوزها وخرجت أكثر قوةً وتحدياً . والسؤال الذي يؤرق الكثيرين هل ستتمكن سورية من تجاوز الأزمة ؟ هل ستخرج من الأزمة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 6 أشهر أكثر قوةً كما عهدناها من قبل ؟ هل ستستطيع إحباط المخططات الرامية إلى تقسيمها وزرع الفتنة الطائفية بين أفرادها كما جاء في الخطط الثلاث الأنفة الذكر وغيرها من الخطط التي ما زالت مجهولة ؟ هل ستتصاعد الأمور نحو الحل العسكري لحسم الموقف ؟ السيد الرئيس كان واضحاً حول النقطة الأخيرة حين قال نحن نعتمد الحل السياسي منذ بداية الأزمة ، لأن الحوار هو وحده الكفيل بحل الأزمة ، وتواجد الجيش وانتشاره في بعض المدن كان لأسباب تقتضيها الظروف الأمنية ، فمهمة الجيش هي التصدي للمجموعات المسلحة التي تحاول نشر الفوضى والفزع في قلوب الناس من خلال عمليات القتل والتنكيل والاغتيال والتفجير .

 

إن أي دولة تحترم نفسها لا تسمح لأي كائن بأن يعبث بأمن الوطن وسلامته ، وهذا من الحقوق المشروعة لأي دولة بأن يحافظ الجيش على سلامة شعبه وأمن وطنه . الجدير بالملاحظة  أنه مع إصدار أي  قانون أو مرسوم يتعلق بالإصلاح في سورية نجد أنه يقابل بالتظاهرات المطالبة بإسقاط النظام ، وهذا ما يمكن للجميع إثباته من خلال الوقائع والقرائن . إذاً هناك مجموعات من المتظاهرين لا يهمهم بأي حال من الأحوال الإصلاحات في البلاد ، لأنهم أساساً لا يكترثون بها بسبب تلقيهم الدعم من الخارج لإثارة الفتن والفوضى ، وهؤلاء توجههم دول أصبحت معروفة للقاصي والداني لإثارة النعرات الطائفية لإحداث الوقيعة بين أفراد الشعب ، ومن يقرأ الوضع العام في سورية يجد أن أماكن انطلاق التظاهرات هي في أحياء محددة من هذه المدينة أو تلك ، وهي تخرج وتثور بناءً على أوامر تتلقاها من هذه الدولة أو تلك ، وليس من تلقاء ذاتها كما يدعي البعض . إذاً هذه التظاهرات لم تعد تطالب بالحرية والديمقراطية والإصلاح كما كانت تدعي ، فالرئيس السوري بشار الأسد والقيادة السياسية ترجمت الأقوال إلى أفعال وأصدرت المراسيم التي كان يطالب بها المعارضون ولم يبقى سوى قانون الإعلام وقال الرئيس الأسد أنه سيصدر قبل عيد الفطر ، ويتبقى الدستور الذي تتولى لجنة خاصة صياغته ليلبي مطالب الجماهير .

 

 لقد كان الرهان بأن إسقاط النظام سيكون خلال أربعة أشهر ، وتابع المتفائلون منهم رهانهم بأنه سيسقط خلال شهر رمضان نظراً لاقتران الشهر الفضيل بصلاة التراويح اليومية والتي تم المراهنة عليها بأنها ستؤدي إلى خروج التظاهرات بشكل يومي بدلاً من أن تكون مقترنة بأيام الجمعة . ولكن وعي الشعب السوري وإدراكه لما خطط  له أسقط المؤامرة . ونحن جميعاً نتمنى أن تتمكن البلاد من تجاوز الأزمة بأسرع وقت ممكن ، وأن يجلس الجميع على طاولة الحوار لأنها السبيل الوحيد لإحباط المخططات الخارجية الهادفة إلى تقسـيم سورية .

 

2011-08-30
التعليقات