syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
شعوب تحركها الغرائز ... بقلم : خالد رجب

استفزني خبر على احد المواقع الالكترونية يتكلم عن حادثه عمرها اكثر من سنه حصلت اثناء مداخله هاتفيه للمغني تامر حسني في سياق واقعة المهزله التي حصلت بسبب مباراة كرة القدم الشهيرة بين مصر و الجزائر حيث قال تامر حسني اثناء المداخلة بأنه تكلم مع سيادة المشير و قال له المشير بأنه كله تمام و هو يقصد بالطبع القائد العام للقوات المصرية و في ذلك إيحاء لإمكانية تدخل الجيش المصري بعظمته من اجل مباراة كرة قدم ,


هنا بدأت افكر و جعلني اعود بالذاكرة الى تلك الإحداث أحداث مباراة مصر و الجزائر التي هيجت كلا الشارعين المصري  الجزائري و خاصة الشارع المصري و استنفر الاعلام ليشن حربا و كيلا من الشتائم و جر معه الحكومتين إلى توتر عادة ما يحدث بين الدول عندما يكون هناك اعتداء مسلح على احد الجانبين و بالربط بما حدث لاحقا من احداث الثورة المصرية و سقوط حسني مبارك و ليس نظامه جعلني أتساءل هل ما حدث في مصر هو حركه عفويه للشارع ضد الظلم و الاضطهاد ؟  

أنا لا انكر وجود الظلم و الاضطهاد في مصر و لكن اذا كان الشعب يمكن ان تحركه مباراة كرة قدم ليثور و كان تامر حسني ( السجين السابق بتهمة تتعلق بالتهرب من خدمة العلم )هو شخصيه عامه و مثلا يحتذى عند الغالبية من فئة المراهقين و الشباب باعتبارهم الفئة الاكبر في المجتمع المصري و ليس مثله بالتأكيد عالم من العلماء النوويين مثل احمد زويل او احد المفكرين الكبار او الفلاسفة العظام فهذا الشارع تحركه العواطف و تجيشه المشاعر فأنا متأكد اننا اذا استوقفنا عينه في الشارع و سألناهم عن اخر اخبار تامر حسني لاستفاضوا بالزخم المعلوماتي عنه و لو سألناهم عن النظرية النسبية او عن ماذا فعل احمد زويل ليحوز على جائزة نوبل و ليذكروا لنا اسم فيلسوف او مفكر مصري معروف فهل يا ترى سيفلحوا ؟  

لا اظن ذلك , ان تامر حسني و غيره و انا اشدد هنا انني لا اعنيه شخصيا انما اعني الظاهرة الاجتماعية قادر من خلال انتشاره الواسع ان يحرك الشارع اما احمد زويل فسيفشل بالتأكيد و اذا امعنا النظر اكثر لوجدنا انه علم الاعلام هو الذي يكمن وراء ذلك فهو الذي جعل من تامر حسني شخصيه عامه واسعة الانتشار عبر تسويقه بالصوت و الصورة و التكنولوجيا فالفيديو كليب هو شيء خطير جدا اثبت نجاحا باهرا ليس في الفن انما في استثارة مشاعر الجمهور عبر الكلمة و الصوت و الصورة و الموسيقى و القصة الدرامية فلم يتركوا شيئا لمخيلة المتلقي لقد صادروا كل شيء حتى مخيلته حتى رومانسيته فهو لا يستطيع ان يتخيل قصه رومانسيه من خلال هذه الاغنيه باستثناء القصة المرئية في الكليب و هنا المال هو المحرك لكل هذا المشروع الفني و تامر حسني ليس سوى جزء من المنظومة المقدمة اعلاميا او بالاحرى هو الجزء الوحيد الحي و الحقيقي الظاهر في كل هذا الخداع الذي يسعى وراء جيوب الناس البسطاء المراهقين ذوي المشاعر الجياشه  

و هنا يقودنا هذا الامر الى شيء اخر اكثر خطورة هو انه بعد اكتشاف النجاح الباهر الذي حققته تجارة المشاعر الاعلاميه بالصوت و الصورة وجدوا انهم يستطيعوا فعل الكثير , هم قادرين على استثارة الناس عبر الكذب و التلفيق الاعلامي و صناعة الافلام التي لا تختلف كثيرا عن صناعة الفيديو كليب و ربما هي ارخص بالتكلفة و اخبث بالنوايا و خاصة بعد اضافة بعض العناصر الأكثر اثاره و هو مشهد الدم و عنصر الدين و الاعلان بأن ما تشاهدونه هو مشهد حقيقي و ليس تمثيلا كالفيديو كليب فما هي النتيجة لمتوقعه بعد ذلك ؟ هي كارثة بالتأكيد لأن الغضب هنا هو العاطفة المثارة و ليست الرومانسية و الدافع وراء هذه الاثاره هو الفتنه و التخريب و الحرب و ليس فقط المال كما هو الحال في الفيديو كليب .  

ان هذه الوصفة هي الاخبث في تاريخ البشرية و تأثيرها لا يقل عن تأثير السلاح النووي المحظور و هي ايضا من صنع الانسان و جاءت بعد عدة سنوات من التحضير و الترويض النفسي للبشر على تقبل المادةالاعلامية و دراسة مدى تأثيرها بالاضافة الى سياسة التجهيل و الافساد الثقافي المتعمد على مدى عدة سنوات للقضاء على رغبة المجتمع بالقراءة و تلقي الثقافة من الكتب مستبدلة اياها بالمادة الثقافية او العلمية المركزة و المقدمة تلفيزونيا فهو ليس بحاجه الى القراءة بعد الان اذا كانت ثقافة التلفزيون كافيه لإمداده بالجرعة المكثفة المطلوبة و هذا يفسر زيادة ساعات البث التلفزيوني و خاصة الفضائي ليغطي الساعات الاربع و العشرين و ليجعل المجتمع بغالبيته اسيرا لهذا البث فهو ليس لديه الوقت لفعل اي شيء خارج اوقات الدوام الرسمي بسبب الاسر التلفزيوني و الاعلامي المرئي تحديدا ( لأنه الاقوى تأثيرا ) بالاضافه الى وجود بعض المحرمات في الاعراف الاجتماعية التي يعرف الاعلام كيف يستغلها اسوأ استغلال و هذه المحرمات هي , المساس بحرية التعبير و الرأي , حق الناس في معرفة الحقيقة ( التي يقدمونها طبعا ), المساس بالدين ( الذي يعرفون كيف يجيدون استغلاله تماما لصالح اي فكره يريدونها ) ان الرأي العام هو ضمير الامة  ( وهم الان قادرون على توجيهه اعلاميا ليعبر عن رأي الشيطان ) 

 

2011-09-11
التعليقات
المحامية ماجدة الطباع
2011-09-13 10:51:09
مقال أكثر من رائع
مقال رائع بكل ما فيه من تفاصيل ونقاط تم التطرق لها تحليل ذكي ومن المستغرب ان يقوم موقع سيريا نيوز بنشره

سوريا
محمد فاروسي
2011-09-12 01:14:52
نعم [email protected]
نعم ياأخ خالدكلامك صحيح وموضوعي ولاكن معرفة السبب هي نصف الحل ونصفها الاخر العمل على الحل بناء على ذلك حيث يمكن على سبيل المثال مواجهة الطائفية بالوعي بالعلوم الشرعية وسرد مايرد على تلك النزعة وبهذا نكون قد عملنا على تقوية مناعتنا الداخلية وليس بالضرورة القيام بمحاربتها لاجل التخلص منها لانهالن تنتهي لان من تبنى الطائفية هدف من تلك القنوات التي قسمت سوريا على خرائطها الاخبارية جعلت الدين في خدمة السياسة وبالتالي الذهاب بالشعب الى الاقتتال و هنا يجب مواجهة هذه الفتنة بالوعي الديني والكتابة عنها

سوريا
مشارك
2011-09-11 23:40:06
واقعي
المقال واقعي جدا و صريح وبدي اشكر الكاتب على هالمقال المفيد ويللي بخلي العالم تصحى على حالها شوي

سوريا