syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
أبجدية الحوار... بقلم : باسم عبدو

بعيداً عن التنظير والاستعانة بالمنظرين والباحثين، فالاقتراب من الواقع وما يجري على الأرض هو المطلوب الآن في هذه الظروف المعقدة التي يمرُّ بها الوطن. وإذا كان الطفل المولود حديثاً، بعد أن يخرج إلى الحياة يعلن عن وجوده بالصرخة الأولى.. فحري بنا الآن وليس غداً، وبعد ثلاثة شهور من الدماء وعمليات القتل والتخريب وتدمير المؤسسات التي يقوم بها المسلحون، أن نصرخ ملء حناجرنا. ونقول لكل شرفاء الوطن، تعالوا لنتحاور، فالزمن يسبقنا وقتل الجنود والأبرياء يزداد كل يوم.. وكل يوم تفتح المقابر أبوابها للشهداء، وتزداد شهوة القتل لاحتياطي المجتمع من الشباب والقوات المسلحة..وكل يوم يزداد حجم التآمر وتتعدد قرارات التهديد..ورغم ذلك هناك من يقف إلى جانب سورية. وهناك من يقول لا.. لأمريكا وحليفاتها، ويرفض التدخل في شؤوننا الداخلية، بعد أن تكشفت الخيوط التآمرية، ونوعها ومصادرها.


إن للحوار أبجدية، كما أن هناك أبجدية لأي لغة في العالم، من أجل التفاهم للتعايش وقبول الآخر كما هو..أي قبول الاختلاف معه والاعتراف به واحترامه، مما يستوجب عدم المس بثوابته وكيانه دون هيمنة عليه, الأمر الذي يتطلب تصحيح المفاهيم والاتفاق على المدلول الحقيقي للمصطلحات المتداولة في الحوار..وهذا ما أعلنته لجنة الحوار قبل أيام، بضرورة عقد المؤتمر التشاوري للحوار الوطني، بحضور مئة مشارك للاتفاق على معالم سورية المستقبلية بإقامة (نظام تعددي سياسي وديمقراطي، وحماية حقوق الإنسان. وسقف الحوار هو الموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي، وتعزيز السلم الاجتماعي، وتوسيع قواعد المشاركة السياسية). وأنَّ هذا اللقاء مفتوح لمن يرغب في الحوار شريطة أن لا تكون له أجندة خارجية..وعلى عاتق هذا المؤتمر(تحديد آليات الحوار وأسسه تمهيداً للمؤتمر الوطني الشامل).

 

وقد بادر المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب إلى دعوة الكتاب والأدباء إلى حوار مفتوح .وقد لبّى الدعوة الأستاذ حسن عبد العظيم من المعارضة في الداخل، والدكتور محمد حبش من التيار الديني المستنير، والدكتور عيسى درويش من حزب البعث العربي الاشتراكي، والدكتور حسين عماش كشخصية مستقلة، والرفيق خليل البيطار من الحزب الشيوعي السوري الموحد. وقدم كل واحد وجهة نظره ورؤيته للحوار الوطني. ولكن يبدو أن الجفاء المزمن، ونسيان لغة الحوار والتخاطب، قد أحدث شيئاً من الارتباك والتشويش الذي قام به بعض المشاركين، ما أحدث الفوضي وعدم الالتزام بعنوان اللقاء الذي أساسه (الحوار وكيف نبني دعائمه) كتمهيد أو مقدمة يبدأ بها اتحاد الكتاب، قبل عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

 

ورغم ذلك فتقويم هذه الندوة في لقاء، مع عدد من الكتاب في اليوم التالي، بيّن أن الروح الحماسية لعدد من المتداخلين، والموقف المسبق، واستخدام الخطاب (العتيق) الناتج عن العصبية الحزبية، واستمرار الشعور بالهيمنة السائدة لعشرات العقود، أثبت أن أبجدية الحوار تكاد تكون مفقودة. وكانت الندوة على حافة الفشل لولا التهدئة من قبل البعض. والمهم أن النتيجة لمثل هذه الندوة، التي سبقتها ندوة ناجحة بدعوة من فرع دمشق لاتحاد الكتاب، هو أنها كانت خطوة إيجابية في طريق الحوار الوطني الواسع والشامل.

 

إن الحوار يحتاج إلى ثقافة الحوار التي لم نمتلكها بعد. وهذا لا يعيبنا أبداً.. ويحتاج إلى ثقافة الديمقراطية التي لم نبنِ أسسها. فالتضييق عليها حرمنا من الكثير من الأوكسجين، لكننا بدأنا في رسم خريطتها.. وهذا لن يعيبنا أيضاً، وإن تأخرنا فالحياة لن تتوقف! وبدأنا نعي أن الحوار يتطلب التكافؤ بين الأطراف المتحاورة، وليس التكافؤ بين (قوي وضعيف، أو بين متقدم ومتخلف). ويتطلب أيضاً الاعتراف بوجود الآخر مع كل ما يستوجبه من تقدير واحترام، وما يقتضيه ذلك من الاستعداد للتعرف إليه والرغبة في التعاون وتبادل الأخذ والعطاء معه، للوصول إلى الهدف المشترك، وإعادة بناء سورية المعاصرة..سورية الديمقراطية الموحدة .

 

وما دام الحل السياسي للأزمة هو العنوان الأول المُجْمَع عليه، فكل من يجلس على طاولة الحوار له الحقوق نفسها. وإذا لم يتوفر هذا الشرط، والشروط الأخرى التي يتم الاتفاق عليها، فإن ذلك لا يسمَّى حواراً، بل ضرباً من المماحكات والمغالطات والدفع باتجاه إلغاء الحوار، ومحاولات هيمنة طرف على طرف آخر. وهذا ما جرى في ندوة الكتاب، فقد ظهر بعض (المتوترين) الذين أحدثوا بلبلة وصخباً وضجيجاً، ومقاطعة للمتحدثين (بقصد أو بغير قصد).

 

 وتسميم أجواء الحوار والعمل على إفشاله، ودبّت الفوضى في القاعة. ويدل هذا أن (العصبية القبلية) ما تزال حاضرة بقوة في مجتمعنا، وتحتاج إلى عملية جراحية كبيرة.. ويمكن أن تنجح العملية، إذا وجد الجرَّاح الماهر المسلّح بتكنولوجيا العصر وثقافة القرن الحادي والعشرين..! وعلينا جميعاً دون استثناء أحد، أن نتعلَّم أبجدية الحوار فالزمن يسبقنا. وتسلَّط علينا الأضواء من القارات الخمس، والجهات الأربع.

 

 

2011-09-24
التعليقات