syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
السلطة والقوة: دور ووظيفة الديمقراطية في أنظمة الحكم (3) ... بقلم : نبيل حاجي نائف

لماذا كانت الصحافة (والإعلام) هم الأهم والأكبر تأثيراً.


إن ما يصل إلى مراكز المعالجة في الدماغ من أفكار ومعلومات (أي إعلام) هو فقط الذي تجري معالجته. هذه الخاصية هي التي تتحكم في كافة استجاباتنا وتصرفاتنا الإرادية الواعية، فبناءً على ما يصل إلى هذه المراكز وتجري معالجته تنتج الاستجابات والتصرفات، وتسجل في الذاكرة النتائج أو يتم تعلم استجابات وتصرفات معينة يتم اعتمادها في التصرفات اللاحقة. فما يتم تعلمه يصبح كبرامج تشارك في المعالجات الفكرية ويفرض تأثيراته.

 

نحن الآن في وضع أصبح الإعلام بكافة أشكاله هو الذي يدخل أكبر كمية من الأفكار التي تجري معالجتها في أدمغتنا، وهذا يحدد غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا.

 

فالآن عن طريق الإعلام يمكن توجيه استجابات وتصرفات غالبية الناس إلى الوجهة التي نريد، إن كان شراء منتجات أو خدمات، أو كان دفع لتصرفات معينة اجتماعية أم سياسية أم دينية أم عسكرية أم اقتصادية.،. وهذا ليس بجديد فهو كان يحدث دوماً، فنشر الأفكار والعقائد والتحريض على تصرفات معينة هو الموجه الأكبر لغالبية تصرفاتنا.

 

لذلك كانت السلطة الرابعة أو الإعلام هي أقوى السلطات وأكثرها تأثيراً على غالبية تصرفاتنا.

وهذه السلطة يملكها كل إنسان ويمكنه استخدامها، وبواسطة منح الجميع الحرية في إبداء أفكارهم وأرائهم نفتح المجال لتفاعل أكبر كمية من الأفكار والخيارات، وبنتيجة تفاعلها مع الظروف والأوضاع تبقى الأفكار المتكيفة أكثر مع هذه الأوضاع . ويتحقق بذلك توازن واستقرار المجتمع بكافة أفراده. ولكن هذا لا يتم الوصول إليه بشكل كامل، فتظل التطورات والحركة دوماً مستمرة والتكيفات تلاحقها ويحدث نتيجةً لذلك التقدم والارتقاء لبنيات المجتمع والأفراد.

 

كيف يتم تشكيل نظام حكم يعتمد السلطات الأربعة التي تعمل بشكل صحيح. إن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم بشكل فوري فهذا مستحيل، فيجب أن يتم ذلك بالتدريج وهذا يعرفه الجميع، فالامتثال للأنظمة والقوانين لا يتم بسهولة فهي تتشكل كما تتشكل الأخلاق والعادات نتيجة الممارسات وخلال زمن، فتعلم ذلك يلزمه إجراءات وممارسات مناسبة ويلزمه فترة زمنية مناسبة وهي ليست قصيرة. والشيء الأساسي والمهم هو حكم المؤسسات بالاعتماد على الدستور وليس حكم الأفراد، وتطبيق القوانين على الجميع وبنزاهة.

 

 مفهوم الدولة :

هو شكل منظم للمجتمع وقد ظهر مفهوم الدولة المنظمة قديما في مصر وعلى ضفاف نهر النيل وما بين الرافدين وفي بلاد الصين قبل خمسة ألاف سنة تقريبا ومفهوم الدولة هي مجموع بشري يقيم بصفة مستقرة على إقليم معين ويخضع لسلطة سياسية مستقلة عن أشخاص الحكم ولتقوم الدولة بتأدية وظائفها بشكل سليم، تضمن به الحقوق وتصان به الحريات الأساسية للإفراد ويمنع فيها سوء استغلال السلطة والقوة والصلاحية من قبل الحكام، وجدت السلطات العامة في الدولة، بحيث لكل سلطة وظيفة أساسية، وهي السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية والاهم هو مفهوم المبدأ الديمقراطي الذي يحكم وينظم العلاقة بين تلك السلطات في الدولة وهو مبدأ فصل واستقلال السلطات.

 

منذ بروز الدول ككيانات تنظم شؤون المجتمعات والتعاقد بين هذه المجتمعات وأفراد منظمين يشكلون ما سمي بعد ذلك بالحكومات، وتوسعها بمرور الوقت مع ازدياد احتياجات المجتمع وتعقد الحياة الاجتماعية، ظهرت للوجود المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون الحياة اليومية وتحافظ على الأمن والنظام، كما تدير الشؤون الخارجية، ظهرت مشكلة بالغة التعقيد، شغلت فلاسفة السياسة قروناً طويلة، منذ سقراط حتى وقتنا الحاضر، وهي العلاقة بين الحكومات والمجتمع، وتمتع هذه الحكومات بالسلطات الكافية لإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وعدم انزلاقها نحو الاستبداد ومصادرة الحريات الفردية لمجتمعاتها، إن الانشغال بإيجاد حل ناجح لهذه المشكلة توصل الكثير من المفكرين لمذهب الفصل بين السلطات.

 

أسس الدولة الحديثة :

تبنى الدولة الحديثة على مؤسسات وليس على أفراد أو حزب ما. الأفراد والأحزاب يزولون أما المؤسسات فتبقى بعدهم ولأجيال كثيرة. الديمومة في الدولة تتجسد في ديمومة مؤسساتها لأنها منفصلة تماما عن الفرد والحزب. السياسي الذي يتعامل مع الدولة كملكية خاصة له، كما هو الحال في كثير من الديكتاتوريات، يقضي على مقومات بقائها. فزوالها بزوال مالكها. سلطة الحاكم تستند إلى جملة معايير ومفاهيم وقيم وقوانين مجردة عن الفرد أو أي هيئة اجتماعية لها نفوذ على مصير الدولة والمواطنين.

 

إن المجتمع الذي يقوم على دولة المؤسّسات والقوانين وعملها الصحيح، هو الذي يؤدّي إلى المراكمة والنمو للأفراد والمجتمع ككل،فلا تبديد طاقات والموارد.

إن إدارة أي دولة تتحكم به الكثير من الأمور، واختيار القادة هو أحد هذه الأمور، وهناك الكثير من الأمور الأخرى أهمها:

 

1.      الأفكار والعقائد والدساتير والتشريعات والقوانين الموجودة.

2.      خصائص وطبيعة أفراد الشعب وخصائص وإمكانيات أرض الدولة.

3.      البنيات والمؤسسات الاجتماعية الموجودة والتي تشكلت نتيجة العلاقات الاجتماعية التي مر بها أفراد هذا الدولة.

 

 الدستور :

هو المادة التي من خلالها تستوحى الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل القضايا بأنواعها. فلدستور هو القانون الأساسي للبلاد، فهو يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، فالقوانين يجب أن تكون معتمدة على القواعد الدستورية، وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.

 

وفي المبادئ العامة للقانون الدستوري يعرف الدستور على أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها، والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، أو هو موجز الإطارات التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية.

 

الديمقراطية :

إن الديمقراطية في رأي الكثيرين هي: نظام سياسي واجتماعي حيث أن الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، وهو مجموعة الأفراد التي تربطهم روابط اجتماعية واقتصادية.. ( والشعب يتضمن الأفراد الحاليين وأصولهم السابقين، وتأثير السابقين موجود في سلطة العقائد والتشريعات والأعراف )، فهو يحكم نفسه عن طريق ممثلين عنه، يمكن تلخيص خصائص النظام الديمقراطي حسب رأيهم بالنقاط التالية:

 

1. ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة

2. تمارس الأغلبية المنتخبة الحكم

3. تصان حقوق المعارضة

 

4. تصان الحريات العامة للمجتمع، منها حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية الاجتماع وحرية الصحافة

5. وجود دولة القانون التي تحترم وتضمن حقوق المواطنين والمساواة بينهم

6. الحد من اعتباطية سلطة الحاكم عن طريق مؤسسات دائمة وآليات للدفاع عن المواطنين، وتداول الحكم.

 

7. ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية

8. ترسيخ مبدأ الدستورية أي أن السلطات والمواطنين يحترمون الدستور ويرجعون إلى القضاء لحل الخلافات.

كما ذكرنا إن من أهم أسس الديمقراطية الآن: وجود السلطات الأربع المستقلة، فالانتخابات والاستفتاءات وحرية الرأي هم الوسائل الأولية اللازمة لتحقيق المساواة والعدالة بين الأفراد، ولا كنهم لا يكفوا.

 

فالذي يحقق ذلك العدالة والمساواة بين الأفراد والحرية الفردية في أي نظام حكم الآن هو تشكل بنية نظام حكم مؤلف من أربع سلطات مستقلة هي - السلطة التشريعية - والسلطة التنفيذية - والسلطة القضائية - وسلطة الصحافة. تعمل كلها بكفاءة ونزاهة وشفافية ضمن أنظمة ودساتير مناسبة.

إن أي نظام ديمقراطي الآن لا توجد فيه تلك السلطات الأربعة التي تعمل بكفاءة ونزاهة، يمكن أن تخرق فيه أساسيات الديمقراطية بسهولة، وبالتالي تصبح ديمقراطيته بلا معنى.

 

لا ديمقراطية دون مؤسسات شفافة في عملها. هذه الشفافية تظهر عن طريق سلسلة من المراجعات الدورية والثابتة مثل:

التفتيش العام لكافة أعمال الدولة، من قبل هيئة مستقلة عن الحكومة لها كل الحصانة الضرورية لعملها. هذه الهيئة تراقب وتراجع وتنتقد أعمال ومصاريف الحكومة في كافة المجالات وترفع تقريرا سنويا عن ذلك إلى المجلس النيابي وتنشره للمواطنين.

 

يمكن كذلك إيجاد منصب في كل وزارة  "لوسيط   ombudsman يكون حلقة بين الدولة والمواطن ويدافع عن حقوقه في حال تجاوزات وظلم الحكومة دون الرجوع إلى المحاكم.

 

من الضروري أن تأتي المراقبة أيضا من جهات مختلفة للوصول إلى توضيح سياسات الدولة. فالصحفيون والمثقفون والكتاب والمختصون في الشؤون المطروحة للجدال لهم دور أساسي في النقد وطرح أفضل الحلول. كذلك لكل مواطن الحق الشرعي في مراقبة الحكام بشكل دائم واختيارهم بشكل دوري ونقد سياسات الحكومة ورفع مذكرات إلى الجهات المختصة وحقه بالحصول على جواب جدّي عليها، لأن الشعب هو صاحب السيادة. من الملاحظ أن الشعب يزداد تأثيرا على الحكام كلما ازداد ثقافة سياسية ووعيا بمصالحه. هذه الأصول الديمقراطية لمراقبة الحاكم موجودة في كل الديمقراطيات العريقة، لأنه من المعروف أن السلطة قد يساء استعمالها لذا من الضروري لمصلحة المواطنين إيجاد آليات فعّالة وقانونية لإيقاف واقتلاع الفساد المحتمل في حال وجوده.

 

2011-10-01
التعليقات