syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
السلطة والقوة دور ووظيفة الديمقراطية في أنظمة الحكم (4) ... بقلم : نبيل حاجي نائف

لماذا يجب فصل السلطات


هناك نماذج للحكم لا يوجد بها فصل للسلطات حيث يكون الحاكم (الملك أو الأمير أو الإمبراطور أو الرئيس أو الخليفة أو السلطان أو القيصر أو…) هو المسئول عن صنع القرار والقائم على تنفيذه والمشرّع والقاضي وأحيانـًا القائد الديني وأحيانـًا أيضًا الإله الذي يأمر ببناء الهرم.

مشكلة هذا النظام هو أنه يعتمد على الفرد: إذا كان الحاكم صالحًا فهنيئـًا للرعايا وإذا كان فاسدًا أو متهورًا أو مستبدًا فستحل المصائب.

 

وعلى مر التاريخ تعاقب حكام صالحون وطالحون كانوا يسيئون استخدام السلطة، ومن هنا جاءت فكرة فصل السلطات بين هيئات متعددة مستقلة بعضها عن البعض بهدف تحقيق التوازن مما يتيح لهذه الهيئات مراقبة بعضها البعض وتدارك أي محاولة للانفراد بالسلطة أو بسوء استغلال هذه السلطة.

تـُنسب فكرة الفصل بين السلطات إلى الإنجليزي "جون لوك" (1636-1704) والفرنسي "مونتيسكيو" (1689 – 1755) وهو من أشهر فلاسفة التنوير وأحد واضعي الأسس السياسية العامة للمجتمعات الديمقراطية الحديثة. كتب مونتيسكيو: "إنها خبرة أزلية أن كل من لديه سلطة معرّض لأن يسئ استخدامها فهو يتمادى إلى أن يجد ما يوقفه [...] يجب وضع آليات تجعل السلطة تقف أمام السلطة".

 

وإذا كان من فضائل الفصل انه يمنع السلطات من أن تنهار كلّها دفعة واحدة لدى حصول أزمة عامّة تطاول الأمّة والمجتمع، فإن الفصل ذاته لا يعني القطيعة وعدم الانسجام بين السلطات لأننا نغدو، في حال كهذه، أمام استحالة ممارسة الحكم، أياً كان الحكم. فالقوانين التي يشرّعها نواب الشعب يجب أن تطبّقها السلطة التنفيذيّة وان تعزّزها السلطة القضائيّة. واستقلال هذه الأخيرة خصوصاً إنّما يبقى ضمانة الحريّة الأولى، إذ تستمدّ السلطة القضائيّة سلطويّتها ونفوذها من كونها كابحاً للسلطة ومانعاً لشططها.

 

إن غالبية الدول إن لم تكن كلها الآن تعتمد وجود السلطات الأربعة مستقلة، ولكن في الكثير منها لا يتم عمل هذه السلطات بنزاهة وشكل صحيح، وكلما كان اختراق الأنظمة والأسس التي تعمل بها هذه السلطات الأربعة كبير كان تحقيق الديمقراطية غير صحيح.

 

إن فصل السلطات يقوم على عدد من الفرضيات هي:

 

 1-إن الحرية هي الهدف الأسمى للإنسان.

 2-قوانين الدولة تسود على الجميع سواء كانوا حكاماً أم محكومين.

 3-امتلاك السلطة قد يؤدي إلى إساءة استعمالها إن لم تكن مقيدة.

 4-من اجل الحفاظ على الحريات السياسية فانه يجب وضع حواجز رسمية بين السلطات.

 5-توجد ثلاثة أنواع من الوظائف مميزة عن بعضها لسلطات الحكومة.

 

 6-الشعب يرغب في وجود وحدات سياسية متساوية في داخل الحكومة تعمل بشكل منفصل ومتكافئ وتتعاون فيما بينها.

ولا يعني مبدأ فصل السلطات بأنه يجوز لكل سلطة تجاوز صلاحياتها دون تدخل السلطات الأخرى. ولا يعني مبدأ فصل السلطات دكتاتورية كل سلطة.

السلطة التشريعية هي التي تضع قواعد اللعبة و بإمكانها أيضاً تغيير هذه القواعد.

 

غير أن السلطة القضائية مخوله لتفسير القوانين وتحديد هل تطبيقات السلطة التشريعية لصلاحيات التشريع تمت في نطاق القوانين الأساسية أم لا.

أما أن السلطة القضائية تقيد السلطة التشريعية فهذا لان من صلاحياتها تفسير القوانين وبذالك لها الحق أن تقرر ما إذا كانت ممارسات السلطة التشريعية لصلاحياتها تقع ضمن نطاق القوانين الأساسية أم لا.

 

إن عدم الفصل التام بين السلطات الثلاث يسمح بتقييد عمل السلطات ومنع أي منها من الاستبداد والتعسف، والعمل بطريقة التوازن والكبح وهذا لضمان حرية المواطن، وهو يضمن أداء عمل السلطات الأربعة بشكل سليم، فلو كان الفصل بين السلطات تاما عندها لن تستطيع كل سلطة العمل بنجاعة، وكل واحد منها ستشل عمل الأخرى.

 

تقسيم العمل

لكنْ لئن كان فصل السلطات ركيزة الديموقراطيّة بوصفها طريقة في السياسة، فإن تقسيم العمل ركيزتها كطريقة في الاجتماع وتنظيمه. فهو، بالأحرى، أقرب إلى تقسيم للسلطات المجتمعيّة، أو سلطات الصلب القاعديّ، لا يمكن من دونه أن ينشأ مجتمع مدنيّ يوازن الدولة ويناظرها، بروابطه ومؤسّساته وخدماته والأفكار التي تسوده.

 

إن تقسيم العمل هو وحده ما يؤدّي إلى نشأة تقاليد مهنيّة أو سلوكيّة، والى الافتخار الذاتيّ لدى الأفراد بالانتماء إلى هذه المهن وطرائقها التي اختاروها بأنفسهم والتمسّك بالتالي بها والدفاع عنها.

وكان إميل دوركهايم أصر على أهميّة المؤسّسات والشركات و «الروابط المهنيّة» في التوسّط بين الفرد والدولة، كما في خلق أنماط التنظيم الاقتصاديّ والأخلاقيّ التي يتطلّبها تقسيم عمل معقّد تقنيّاً واجتماعيّاً.

 

أوّلاً، أنه لا بدّ من تطوير آليّات «التضامن العضويّ» الذي يتسبّب به العمل على حساب «التضامن الآليّ» الناجم عن علاقات القرابة والجيرة والولاءات الموروثة أو الخامّ.

 

فبعدما كان التعبير يدلّ أساساً على التفريق في المهامّ العديدة التي يتطلّبها إنتاج السلع والخدمات، والأدوار المتمايزة المنوطة بالأفراد والجماعات في العمليّة هذه، وسّع دوركهايم المصطلح ليشمل كلّ أشكال التخصّص في شبكة الوظائف الاجتماعيّة. وبهذا مدّ معناه وحقله الدلاليّ إلى ما وراء الحيّز الاقتصاديّ البحت. وقد رأى إن أشكال تقسيم العمل ترتبط وثيقاً بأنماط التنظيم الاجتماعيّ، أو بما أسماه «التضامن»، فتحدّث عن نوعين متعارضين من التضامن هذا.

وإذا كان فصل السلطات العدوّ الأوّل للحاكم المستبدّ، فإن تقسيم العمل، وبالضرورة، عدوّه الثاني. ذاك أن هذا الأخير إنّما يقدّم المجتمع على شكل مهن وخبرات وكفاءات مختلفة ومتباينة لا تتكامل إلاّ على قاعدة غناها وتنوّعها.

 

أمّا النظام الاستبداديّ فيبذل، في المقابل، كلّ جهد ممكن لتحويل الجميع إلى «شعب» يُزعم أنه واحد موحّد، أو «جماهير» لا فارق بين طبيبها ومهندسها، بين عاملها وجنديّها، بين مُـدرّسها وفلاّحها. فهؤلاء كلّهم إنّما يقولون الكلام نفسه، وهم كلّهم «أخوة» أو «رفاق» يشتركون في تمجيد الحكم والحاكم، ويظهرون في المناسبات القوميّة والعسكريّة كأنّهم شخص واحد، غير أنّهم لا يُمنحون حقوق تقرير مصائرهم ولا تُعامل إرادتهم بوصفها الإرادة المقرّرة للمستقبل.

 

الانتخابات في الديمقراطية

حق الانتخاب في الديمقراطية هو حجر الأساس فيها. لأنه الوسيلة التي تمنح الشرعية السياسية للحاكم لإدارة الدولة لخدمة الشعب.

إن استعمال حق التصويت هو ذروة المساهمة الديموقراطية وأكثرها تأثيرا على مستقبل الحكم. المهم أن يتجه إلى صناديق الاقتراع أكبر نسبة من المواطنين لاختيار من يمثلهم لتسيير دفة الحكم. ولكن "كمية" الناس غير كافية للمساهمة الديمقراطية، هناك كذلك نوعية التصويت.

يمكن أن ينتج عن الانتخابات تغييرات جذرية قد تقدم أو تؤخر البلاد. لذا فمن الحكمة والواجب الوطني الإطّلاع اللازم على البرامج المعروضة للأحزاب ومرشحيهم لاختيار الأفضل عن معرفة.

 

أسلوب وطريقة الانتخابات تشابه كافة أنواع الانتخابات أو الاستفتاءات الشعبية من نقابية واجتماعية. تضع على المحك مستوى الوعي الديمقراطي ومدى تطوره. فوجود رقابة جدية للترشيح والانتخابات من قبل هيآت مستقلة محلية أو دولية تمكن الديمقراطية لأخذ مكانة مرموقة في قلوب المنتخبين مما يؤدي إلى احترام المؤسسات التي يتم فيها الانتخاب ويحصل كل مرشح منتخب على شرعية كاملة.

تضمن الانتخابات التحقيق الواضح والواسع لمبدأ مشاركه المواطنين وهو شرط ضروري لقيام الديمقراطية.

منح الحق لجميع مواطني الدولة المشاركين في الانتخابات لمؤسسات الدولة وذلك لضمان حكم الشعب.

 

طرق الانتخابات المختلفة تحاول خلق توازن بين مبدأ التمثيل والمصلحة العامة والاستقرار.

تختار كل دوله الطريقة التي تلائمها هناك دول تشدد على مبدأ التمثيل وتهتم هذه الدول بان يكون لمعظم المجموعات في المجتمع تمثيل في البرلمان تتبنى هذه الدول طريقه الانتخابات النسبية في هذه الطريقة يعبر البرلمان عن قوة الأحزاب بين الناخبين.

 

على الحكومة المنتخبة أن تفي بوعودها التي قدمتها للشعب أثناء الحملة الانتخابية. هذا ينطبق أيضا على كل المؤسسات التي فيها انتخابات. من ضرورات الديمقراطية كذلك الشفافية في تسيير أمور الدولة والحوار الدائم بين الحاكم والمحكوم عن طريق وسائل الإعلام وجملة اتصالات منوّعة مثل حضور النائب أو الوزير بشكل دوري في دائرته الانتخابية ليعي مشاكل الناس في واقعهم اليومي لتكون قراراته وإجراءاته تمس مصلحة الناس الفعلية.

العوامل والقوى التي تؤثر على عملية الانتخابات في أي نظام حكم ديمقراطي.

 

لنراقب الأمور في الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية ونقارن بينهم. إننا نجد في النهاية أن من يحكم هو الذي يملك القوة وهي: القوة الفكرية ومن ضمنها العقائد والأديان والدساتير والقوانين والإعلام هي أيضاً من ضمنها، أو القوة المادية والاقتصادية، أو القوة العسكرية وغيرها، وهذه القوى الثلاثة يمكن أن تتحول إحداها إلى الاثنتين الباقيتين. فيمكن أن تتحول القوى الاقتصادية إلى قوى فكرية وإعلامية أو قوى مادية وعسكرية. وبهذه القوى يمكن التحكم بنتائج الانتخابات والوصول إلى الحكم. فبواسطة المال أو الدعاية أو بالقوة والإرهاب أو بالغش والتزوير… الخ، يمكن التحكم بنتائج الانتخابات.

 

إن الانتخابات حتى وإن كانت حرة ونزيهة غير كافية لتحقيق نظام حكم ديمقراطي، فيجب أن يوجد قبل ذلك السلطات الأربعة تعمل بشكل صحيح. فوجود السلطات الأربعة قوية ونزيهة وتعمل بشفافية هو الذي يقف في وجه كل المحاولات التي تمنع تحقيق الديمقراطية الصحيحة. فعمل السلطات الأربعة بشكل صحيح هو الذي يسمح بوجود ديمقراطية فعالة ومجدية تحقق العدالة والمساواة لكافة الأفراد، وأي نظام حكم يدعي الديمقراطية ولا تعمل فيه السلطات الأربعة بشكل نزيه وصحيح يكون هذا الحكم غير ديمقراطي.

 

2011-10-03
التعليقات