syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
لا لشرعية رعاة البقر ...بقلم : محمد عبد الغني شبيب

ذكرتني تصريحات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة - حق المتظاهرين السوريين في استخدام السلاح - بأفلام رعاة البقر التي تصور الحضارة الأمريكية الهجينة , وتجسد زمن كان الناس في أمريكا ينهون خلافاتهم بمبارزة بين المتخاصمين  


 في حين كانت حضارة دمشق - أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ - تشع على العالم مدنية وثقافة وعلم   فكانت ولم تزل قبلة الشرق ومنارته , اليوم يرغب الغرب أن يصدر لنا حضارة رعاة البقر , هذا الغرب الذي يجهل أو يتجاهل أن على هذه الأرض التي هي مهد الحضارات الإنسانية شعب قد أتخم مدنية , وعمد بالعلم والثقافة , وفطم على المبادئ القومية , وجبل بكل مذاهبه وطوائفه وإثنياته في طينة واحدة , وهو على درجة عالية من الصبر والذكاء والوعي السياسي , مكنته من تجاوز أزمات وتخطي محن , وأفشل مؤامرات دولية أحيكت لإخراجه عن خطه المبدئي .

 

ما من شك أن سورية اليوم تمر بأزمة حادة , تجعل من المرحلة حساسة جدا وخطيرة , تحتاج لحل جدي بعيدا عن الأحلام والأهواء والتجريب .

إن مرد الأزمة يعود لأسباب داخلية وإقليمية ودولية ولكن محركها الأساس كان رياح التغيير التي حركت المياه الراكدة ودغدغت مشاعر الشعوب العربية في تحقيق حلم الديمقراطية , فشهدنا ولادة ما سمي بالربيع العربي عبر وسائل إعلام ممنهجة عملت بحرفية عالية مستخدمة التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال المتقدمة وأدوات وأبواق مأجورة , شهد الجميع تداعيات هذا ( الربيع ) وننتظر ما سيتمخض عنه من واقع على الأرض , ويحاول المواطن العادي سواء أكان في مصر أو تونس أو ليبيا الآن أن يتلمسه .

 

في البداية هذا شجع البعض في سورية على الخروج للمطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد , واستغل هذه الحالة المشروعة الأعداء والحاقدين والحاسدين والمنتفعين , فلم يكتفوا بركوب موجة الإصلاح !؟ بل أقلوا معهم الجميع بقارب نفاث يسير بسرعة فائقة بحيث فقد الجميع البوصلة , وأصبحت الموجة أمواج متلاطمة صنعية المنشأ , فأحدثت عند المواطن العادي حالة من الرعب تارة , ومن الملل تارة أخرى , حتى وصلت إلى حالة القرف , وأصبح أي كان لا يفقه ألف باء سياسة يخرج من المجهول , فيظهر على شاشة وسيلة إعلامية وينفث بالسموم مدعيا أنه يتكلم باسم الشعب السوري , وآخر يشكل جيشا ً من بضع عناصر , وإمارة هنا , ومجلس هناك , ومعارضة تعارض نفسها , وجبال من الأسلحة المصادرة , واغتيال هنا وتفجير هناك , ومتظاهرين يرددون ألفاظا أخجل حتى من سماعها , وقتلى مدنيين وعسكريين وأطباء وأكاديميين .

هنا أتساءل :

من يقتل من... ولماذا ؟

 

من فوض فلان أو علان أن يقرر أو يصرح أو يحاور نيابة ًعني ؟

وأي مواطن سوري .....هذا الذي يطالب بحماية أو تدخل دولي ؟

ومن أعطى مجلس الأمن (الحنون العادل) حق الوصاية على المواطن السوري ؟

أيضا من منح أوباما وكاميرون وساركوزي قرار مشروعية نظام أو عدم مشروعيته ؟

حقيقة أشعر وكأني أسبح في بحر أمواجه متلاطمة , والغريب أني أرى الشاطئ قريب مني ! ولكن هناك من يتقاذفني ويحاول سحبي إلى الأعماق في حركات هستيرية لا أجد لها تفسيرا إلا أنت نغرق سويا !

 

أيها الأخوة ... أيها العقلاء :

لا بد من أن يأتي يوم نودع فيه هذه الحياة , فلنترك أثرا طيبا تتذكرنا به الأجيال القادمة , لنعود إلى رشدنا , ولنتق الله في بلدنا وشعبنا , لنقرأ الخارطة الجيوسياسية بموضوعية , ولنمعن النظر بدقة في المشهد السياسي على الواقع لكي لا ننفخ في قربة مقطوعة , أو نكابر ونقول عنزة ولو طارت , لنستفيد من الأجواء السياسية الإيجابية بذكاء , ولتكن هذه التجربة منعطفا جديدا في حياتنا كسوريين , فنشهد ولادة عقد اجتماعي جديد يبشر بمستقبل مشرق وزاهر لنا جميعا .

 

في النهاية...

أستطيع أن أقول : للآن نحن بأمان وقرب الشاطئ , لنحتكم جميعنا لصناديق الاقتراع , فالعملية الانتخابية ستشكل برلمان يمثل الجميع , ويبرز حجم وقوة ممثليه على الأرض , ويمنح أعضاءه مشروعية تعديل أو تغيير الدستور , وبالتالي يفرز من الأغلبية حكومة منتخبة تحت سقف الوطن تقوم بواجباتها اتجاه الشعب بمسؤولية , وكذلك سيفرز البرلمان معارضة تقوم  بدورها الرقابي في محاسب أعضاء الحكومة تحت قبة البرلمان , بذلك نمارس ديمقراطيتنا التي سنصنعها على مقاسنا بأسلوب حضاري شفاف , وليس بأسلوب وشرعية رعاة البقر الهمجية .

 

2011-10-08
التعليقات