syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الإمبريالية بقناع إنساني ... بقلم : مالك صقور

بين كتابة هذه السطور وبين ظهورها للنور في (النور)، لا يعلم غير الله العدد النهائي الذي سيقفل عليه عداد الموت للضحايا الأبرياء العزل من نساء وأطفال وشيوخ ورجال، يموتون كل يوم وكل ساعة بالقصف الهمجي الذي تقوم به قوات حلف الأطلسي والذي يريد أن يقدم الديمقراطية هدية للشعب الليبي. ما تفعله قوات حلف الأطلسي من إبادة جماعية بذريعة الديمقراطية وحماية مواطني ليبيا من الحاكم المستبد، ذكَّرني بكتاب جان بريكمون (الإمبريالية بقناع إنساني)، الذي ترجمه الأستاذ عبود كاسوحة، وصدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.


كما ذكرني بمحاضرة شهيرة للراحل إدوارد سعيد كان قد ألقاها في الجامعة الأمريكية في القاهرة مع بدء هجوم الولايات المتحدة على العراق. وقد نشرت (أخبار الأدب) القاهرية مقتطفات من هذه المحاضرة تحت عنوان عريض (لا تنتظروا ديمقراطية أمريكية).

 بدأ إدوارد سعيد حديثه قائلاً إن موعد محاضرته يأتي مع بدء الهجوم الأمريكي على العراق، وما يهمه بالفعل، هو مقدار الأذى الذي سيلحق بالشعب العراقي. وأوضح الأسباب الحقيقية لهذه الحرب، فركز على سببين،

 

الأول هو التحكم بمصادر النفط، وقال إنه بعد عشر سنوات سوف تحتاج الصين إلى استيراد 75% من حاجاتها للنفط، كذلك سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى استيراد 50% من حاجاتها أيضاً للنفط.

 

 والسبب الثاني هو سبب استراتيجي لإعادة التحكم بالعالم كقوة وحيدة.

 ثم انتقل إدوارد سعيد للحديث عن حقوق الإنسان، وعقد مقارنة بين حقوق الإنسان في العراق وفلسطين، وقال لعل الإنسان الفلسطيني هو الإنسان الوحيد الذي لا ينال شيئاً من حقوقه، بينما الإنسان في أماكن أخرى عنده حرية الإرادة والاختيار. وقارن بين (البلدوزرات) الإسرائيلية التي تهدم البيوت الفلسطينية على أصحابها، وبين القنابل الأمريكية في العراق.

 

وأضاف إنه لشيء مخز لجميع حكام العالم الذين يتحدثون طوال الوقت عن حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه لا يبدون أي اهتمام بحقوق شعب فلسطين. ولا توجد دولة واحدة في العالم ترى أن من حقها أن تفعل ما تريد حتى الولايات المتحدة، باستثناء واحد هو إسرائيل. وقال المحاضر يجب ألا ننزلق وراء ما يقال عن صراع الحضارات، فهذه الكتب من مؤلفين متوسطي الموهبة ولكنهم نشروها في الوقت المناسب. ويجب ألا ننسى أننا قد نخسر معركة، ولكن الحرب نتيجتها سياسية وليست عسكرية دائماً، وطالب بإقامة دولة فلسطينية واحدة يعيش فيها العرب واليهود، وأن يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات. واستطرد ساخراً من الديمقراطية الأمريكية إذ قال التلفزيون الأمريكي ليس حراً، لا بسبب الرقابة، وإنما لأنه ممول من جهات لا تسمح إلا لآراء معينة تفرض سياستها وأفكارها، وقال يجب ألا ننخدع ببعض مظاهر الديمقراطية الزائفة، ومنها مثلاً أن عمدة مدينة نيويورك الذي نجح في الانتخابات، صرف مبلغ 60 مليون دولار، فأين هي الديمقراطية؟ وهل يمكن لإنسان عادي أن ينافسه؟ لا أظن.

 

أما الكتاب الذي بدأتُ به وهو (الإمبريالية بقناع إنساني) فإنه يتناول الموضوعات التي تطرق إليها إدوارد سعيد بتفاصيل أكثر، عن العراق وفلسطين ويوغوسلافيا وأفغانستان والكونغو، التي هي أماكن التدخل الراهنة وضريبتها ملايين الأرواح البشرية، يقول فرانسوا هوتار في تقديمه للكتاب إن واقع الحال وواجب التدخل بنزعة إنسانية والكفاح ضد الإرهاب يجري التذرع بها اليوم لتبرير التدخل باتجاه أحادي، يمضي حتى الدعوة إلى حرب وقائية. والحال أن التستر وراء حجج أخلاقية، إنما هو تمويه لالتزامات سياسية واقتصادية تتستر وراءه. ويلتقي فرانسوا هوتار مع إدوارد سعيد في الموقف من احتلال العراق، إذ يقول (إن الحضور الإمبريالي في العراق، الذي لا يغرب عن باله الإشراف على الموارد النفطية، إنما ينتمي إلى استراتيجية أكثر شمولية تنبسط على آسيا الوسطى كلها، وتتماهى مع انتشار القواعد العسكرية الإمبريالية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى تطويق روسيا والصين). يوضح جان بريكمون (النوايا الحسنة) أو الأخلاقية للسيطرة على العالم وشن الحروب، قائلاً كانت حرب فيتنام في أوجها، حين وصف المؤرخ الأمريكي آرثر شليزتغر السياسة الأمريكية في تلك البلاد بأنها جزء من (برنامجنا العام لحسن النوايا الدولية). أما لدى انتهاء تلك الحرب فقد تنطح معلق ليبرالي (بالمعنى الأمريكي للتعبير) ليكتب على صفحات النيويورك تايمز قائلاً (سعت الولايات المتحدة طول ربع قرن إلى فعل الخير، وتشجيع الحرية السياسية، والنهوض بالعدالة الاجتماعية في العالم الثالث. إلا أننا أثناء ذلك، تجاوزنا مصادرنا الأخلاقية فسقطنا في النفاق).

 

يضرب جان بريكمون أمثلة عديدة عن سياسة الغرب الإمبريالية وتصرفاتها وتدخلها في أنحاء المعمورة بحجج واهية وذرائع مختلفة والنتيجة هي الاحتلال. كما يذكر أيضاً الانقلاب العسكري في فنزويلا المدعوم من الولايات المتحدة، الانقلاب الأسرع زوالاً. فقد قامت موجة من حراك شعبي هائلة، قلبت الانقلابيين وأعادت شافيز إلى سدة الحكم.

 

وأورد المؤلف تعليق الآخرين على الديمقراطية، ويقول حين أعلن هوشي مينه ورفاقه استقلال فيتنام عام ،1945 ذكّر هوشي مينه الفرنسيين ببيانهم

إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية عام ،1791 ينادي أيضاً بأن الناس يولدون أحراراً ويظلون أحراراً ومتساوين في الحقوق. ومع ذلك ظل المستعمرون الفرنسيون طوال أكثر من ثمانين عاماً يخونون علم الحرية والإخاء والمساواة، فيغتصبون أرضنا ويقهرون مواطنينا. فتتعارض أفعالهم تعارضاً مباشراً مع المثل العليا للإنسانية والعدالة. لقد حرمونا على الصعيد السياسي من جميع حرياتنا، وفرضوا علينا قوانين لا إنسانية. رحم الله هوشي مينه، كم يجدر بنا الآن أن نستعيد كلماته، سواء فيما يتعلق بفرنسا أو الولايات المتحدة، بسبب ما يجري الآن في ليبيا والعراق وأفغانستان.. والقائمة تطول.

 

كان يجدر بجان بريكمون أن يعنون كتابه الإمبريالية بلا قناع، أو الإمبريالية هي الإمبريالية، قديماً وحديثاً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. والحقيقة هي أن الإمبريالية هي الوحش الجائع للاحتلال، للنفط، للمال، للسيطرة على العالم بشكل وحشي وهمجي، من دون قناع بشري أو انساني.

http://an-nour.com

 

2011-10-05
التعليقات