syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الأمم المتحدة وأولى مهامها في معالجة القضية الفلسطينية-الجزء الأول ... بقلم : د. جميل بغدادي

فلســطين شـــريان الوطـــن العربـــي


لقد استعرضت في الجزء الأول من هذه الدراسة موضوع فلسطين شريان الوطن العربي ونبضها الذي ينزف دماً يوماً بعد يوم ، وجاء العنوان الثاني من الدراسة ليحمل عنوان فلسطين شريان الوطن العربي (الجذور والتاريخ) ، وحمل الجزء الثالث عنوان فلسطين شريان الوطن العربي (المحطات الهامة في تاريخ فلسطين منذ عام 1916 وحتى نهاية الانتداب البريطاني ، وأتطرق في هذا الجزء إلى دور الأمم المتحدة في إسقاط الشرعية عن شعب فلسطين ومنح هذا الحق إلى الكيان الإسرائيلي الغاصب .  

 

في 24 تشرين الأول 1945 تأسست هيئة الأمم المتحدة من قبل دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية كصورة متحضرة من عصبة الأمم التي تم الإعلان عنها في 28 آذار 1919 من الدول المنتصرة الموقعة على معاهدة لاهاي بعد الحرب العالمية الأولى  وذلك في أعقاب انعقاد  مؤتمر دومبارتون أوكس في العاصمة واشنطن . وضمت هيئة الأمم المتحدة التي وقعت ميثاقها 51 دولة بمدينة سان فرانسيسكو دولاً أوروبية وآسيوية وأفريقية ، غير أن الدول الرئيسية التي تتحكم في قراراته هي الدول الخمس العظمى التي تتمتع بحق النقض وهي الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين . وينص الميثاق على أنه لا يمكن أن يصدر قرار من مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً إلا بعد أن يكون هناك 9 أصوات من بينهم في المجلس ، بينهم 5 أعضاء دائمين .  

 

 وكانت الغاية الأساسية من تأسيس المنظمة الدولية  حفظ السلام والأمن الدولي ، وتعزيز العلاقات الودية بين الشـعوب ، مع ترك المجال مفتوحاً أمام كل الدول المحبة للسلام التي تقبل التزامات ميثاق الأمم المتحدة وحكمها ، ولهذا من المقرر دراسة طلب حق فلسطين الشرعي هذا الشهر للموافقة على قبولها والاعتراف الرسمي بها ، خاصة وأن أكثر من 128 دولة أعلنت اعترافها المسبق قبل بدء التصويت .

 

 لقد كانت أولى المهام المناطة بالأمم المتحدة معالجة قضية فلسطين التي وضعتها بريطانيا تحت رعايتها بعد أن قررت إنهاء انتدابها ، وذلك بعد أن مكنت اليهود بكثافة من الهجرة إلى الوطن البديل الذي اختارته لهم بعد أن فتحت لهم أبواب الهجرة بلا حدود حسب وعد بلفور المشؤوم .

 

 إن الأمم المتحدة التي نشأت بعد الحرب العالمية لم يكن من صلاحياتها الحق في تقسيم أقطار العالم ، وتوزيعها حسب رغبات الآخرين دون أن يكون لهم أي وجود شرعي أو جذور تسمح لهم بحق العودة كما هو الحال الآن بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعيش في الشتات في أنحاء العالم نتيجة الطرد التعسفي . ورغم التواطؤ البريطاني لم يتمكن اليهود يومها سوى من السيطرة على حوالي 7% فقط من مساحة فلسطين . ولذلك كان قرار التقسيم ظالماً حيث سلمهم  55% من البلاد من دون وجه حق ، حيث وجد سكان أكثر من 460 مدينة وقرية فلسطينية أنفسهم خاضعين لسيادة مهاجرين يهود وصلوا الى شواطئهم بشكل غير مشروع من دول العالم . وفي 8 كانون الأول 1947 عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية في العاصمة المصرية القاهرة بحضور رؤساء الحكومات العربية ، وتم اتخاذ قرار بالعمل على إحباط مشروع التقسيم ، والحيلولة دون قيام دولة يهودية في فلسطين ، وقد أذاع رؤساء الوزارات المجتمعون بياناً نددوا فيه بقرار الأمم المتحدة التي أوصت بتقسيم فلسطين ، وإقامة دولة يهودية فيها ، وإهدار حق كل شعب في تقرير مصيره ، وقرروا الوقوف صفاً واحداً إلى جانب شعب فلسطين في نضاله ونصرة حق العرب . وقد قرر الإنجليز وقف الإدارة المدنية وتصفيتها اعتباراً من أول آذار 1948 ، وتبديل صفة المندوب السامي ليصبح حاكماً عسكرياً ، ومكنهم ذلك من الانسحاب من تل أبيب والمناطق المخصصة لليهود تاركين إداراتها لهم .

 

 وكان وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات قد أعلن منذ 2 كانون الثاني 1948  أنه سمح للعرب واليهود باتخاذ ترتيبات لضمان أمنهم في المناطق التي يشكلون فيها الغالبية حتى يتسنى لقوى الأمن البريطانية أن تحتشد في القدس والمناطق المختلفة الأخرى . وفي 10 كانون الأول 1948 أقرت الأمم المتحدة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذي يعتبر أول وثيقة شاملة لحقوق الإنسان . وجاء في المادة 13 منه "حق كل إنسان فى مغادرة بلده والعودة إليه عندما يشاء . لقد تعرض الشعب الفلسطيني إلى أفظع عملية تطهير عرقي في العصر الحديث وبدعم أوروبي وبغطاء دولي ،  حيث تم طرد حوالي 85% من أهالى ذلك الجزء من فلسطين الذى أصبح إسرائيل . وأقيم الكيان الجديد على أرض يملك الفلسطينيون 93% منها . وحتى تنفذ إسرائيل مخططها العدواني ارتكبت أكثر من 70 مجزرة يندى لها الجبين بعد أن أغمض المجتمع الدولي عينيه وسد أذنيه عن نداءات الاستغاثة التي وجهها الشعب الفلسطيني لتخليصه من القتل والذل والهوان والاعتقال والطرد التعسـفي .

 

إن قضية فلسطين هي القضية المفصلية في الوطن العربي ، هي المحرك الأول لكل أحداث الشرق الأوسط ، وقد أدت إلى زعزعة عروش وسقوط أنظمة عربية واغتيال مسؤولين وزعماء سياسيين ، إذاً هي قضية العصر لأنها أدت إلى خلخلة التركيبة السكانية في البلاد ، بحيث فاق عدد اليهود في يومنا الحاضر أعداد الفلسطينيين ، وهذه الخلخلة السكانية ترافقت مع خلخلة اقتصادية وسياسية ما تزال تعصف بشعب فلسطين المشرد في معظم دول العالم وبشكل خاص في سورية والأردن ولبنان .

 

إن إسرائيل انتهكت حقوق الفلسطينيين الرئيسية وفي مقدمتها حق العودة هذا الحق الذي أقرته المواثيق الدولية   وإن من حق كل لاجئ في العالم العودة إلى وطنه حينما يشاء . وكل لاجئ تجبره الأوضاع على البقاء في المنفى إنما يُحرم من حقوقه الإنسانية الرئيسية ، فهذا الحق ضروري لأن المنفى حرمان أساسي من الوطن ، حرمان ينفذ إلى صميم الخصائص الثابتة التي تكوّن الإرث الثقافي والاجتماعي والسياسي للشعوب ، فلنا الحق في العيش الكريم في وطننا ، العيش بسلام وأمان ، حيث رأينا النور لأول مرة . ومن المعروف بشكل عام أن أي دولة كانت لا يحق لها شرعياً طرد شعب خاضع لسيطرتها ، ومن الواضح أن لدى المهجرين قسراً عن أوطانهم لديهم الحق في العودة إلى وطنهم ساعة يرغبون .

 

 وقد ضمن هذا الحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948 الذي نصت المادة 13 منه على أنه "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده ، والعودة إلى بلده . كما تنص الفقرة 4 من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: "لا يجوز حرمان أي فرد بصورة تعسفية من حقه في دخول بلده" . ويتلازم حق العودة مع حق تقرير المصير فلا يمكن لشعب أن يعود إلى وطنه إذا كان لا يملك وطناً ومشروعية دولية وقوة ذاتية أو قومية أو دولية تمكنه من تلك العودة . لقد أصبح حق العودة في رأس سلم الأوليات والمطالب الشعبية والنضالية الفلسطينية والعربية . وفيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين ، فإن القرار رقم 194 الصادر في 11 كانون الأول 1948 والقاضي بعودة اللاجئين إلى ديارهم أكده المجتمع الدولي عشرات المرات منذ عام 1948 إلى اليوم ، وهو أمر لا نظير له في تاريخ الأمم المتحدة . وعليه فإن إسرائيل اقترفت جريمة حرب بطرد اللاجئين من ديارهم في أكبر عملية تنظيف عرقي في التاريخ الحديث ومنعهتهم بجريمة ثانية من حق العودة .

 

 لقد عمدت إسرائيل على خرق القانون الدولي وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني متحدية بذلك الشرعية الدولية علانية من خلال اتباع سياسة التهويد لطمس المعالم العربية التاريخية والإسلامية ، فقامت بهدم المئات من القرى والبلدات الفلسطينية بشكل منظم ، وسنت أكثر من 20 قانوناً أساسياً يضمن المبادئ العنصرية والصهيونية فى مؤسسات الدولة . ويأتي في مقدمتها قانون العودة الإسرائيلي الذي يسمح لكل من كان جده يهودياً أن يكون مواطناً في إسرائيل ، ويُمْنَع هذا الحق عن أي مواطن فلسطيني تربطه جذوره فى أرض الوطن ، حيث يمنع المواطن الفلسطيني في إسرائيل من إحضار زوجته العربية من أي بلد عربي لتعيش معه بينما يسمح لأي إسرائيلي يهودي أن يدخل زوجته مهما كانت جنسيتها لتعيش معه في  إسرائيل .

 

إن قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة جاء على أساس تحقيق الشرطين التاليين :

1- موافقتها على  قرار التقسيم الصادر عام 1947 أي انسحابها عن ربع مساحة فلسطين االتي لا تمتلك الحق في امتلاكها مهما كانت الأسباب والذرائع ، أي أن يبقى نصف السكان في الدولة المخصصة لليهود فى ديارهم ولهم كامل الحقوق .

 

2- قبول إسرائيل بالقرار رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين إلى ديارهم . ولا أحد يدري لماذا لم يتحرك المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل التي أصبحت عضواً في الأمم المتحدة على تطبيق هذين الشرطين الأساسيين كأساس لقبولها عضو في المنظمة الدولية . ولماذا هذا التقاعس العربي على مدى عشرات السنين في المطالبة بهذا الحق الذي يشكل اللبنة الأولى في تحقيق العدالة لشعب فلسطين . هل نحمل العالم الأوروبي مسؤولية ذلك ؟ أم نحمل الزعامات العربية المسؤولية ؟ إنها أسئلة محيرة تستوجب الإجابة .

2011-10-03
التعليقات