syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
المطر والموت ... بقلم : باسم عبدو

 رفض المطر أن يحاور الموت. وقال له أنا من يبعث الخير للناس، وأنت الشرّ بعينه، تحوّل الإنسان إلى جثّة متفسّخة متفتتة، تتحول مع الزمن إلى ذرَّات من تراب.


أنا رسول الخير للأرض.. ملايين الفلاحين ينتظرونني، ويهتفون ويصفقون لي. وإذا اعتقلتني الغيوم، ومنعتني من السقوط، يخرج الرعاة والفلاحون الفقراء وحيواناتهم ومواشيهم إلى البراري، يستنجدون بإله المطر..!

 

أنا (تموز) أيّها الموت لا تقترب منّي.. وهذه عشيقتي (عشتار)، وهي التي تُعيد الخصب وتُنعش الأرض بأشجارها وزرعها وعشبها، بعد يباس السنين وجفافها.

 

وبدأتْ قطرات المطر تتقافز فوق الجبال والسهول، والغابات تتضاحك أوراقها وأغصانها.. انتعشت الأرض.. عبقت رائحة الأديم.. نهض السيَّاب من قبره، وقرأ (قصيدة المطر)

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحـَــــرْ

أو شُرفتــــان راحَ ينأى عنهما القمرْ

 

عيناكِ حين تبسمانِ تورقُ الكرومْ

وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهرْ

يرجُّه المجدافُ وَهْناً ساعةَ السَّحَرْ

كأنما تنبضُ في غوريهما النّجومْ..

 

إذا كان السيّاب يطلب النجدة من إله الخصب (تموز)، فخليل حاوي خاطب إله الخصب (بعل).. قال

يا إله الخصبِ يا بعلاً يفضُّ

التربةَ العاقرَ

يا شمسَ الحصيدْ

 

يا إلهاً ينفضُ القبرَ

ويا فِصْحاً مجيدْ

ويعود الشاعر إلى (تموز) ويمزج أسطورة تموز ببعل، ويخاطب الاثنين بهذا المقطع الشعري

أنتَ يا تموزُ، يا شمسَ الحَصيدْ

 

نجّنا، نجِّ عروقَ الأرضِ

من عُقمٍ دهَاها ودهانا

أدفئ الموتى الحزانى

والجلاميدَ العبيدْ

عبرَ صحراءِ الجليدْ

 

أنتَ يا تموزُ، ياشمسَ الحصيدْ..

ظلَ الموتُ صامتاً، لكنَّ هواجسه كانت تختال ضاحكة، فهو أقوى من الحياة ومن آلهة الخصب، ومن الشعراء والقياصرة والملوك، لا يفرّق بين غنيّ وفقير، أو بين مفكّر وكاتب، ورجل وامرأة، وعاشق وعشيقة.. وبكلمة واحدة كان (تموز)  تحت الأرض.. أراد الموت أن يقطع حبل العشق، وأن تظلَّ عشتار عاشقة كئيبة وحزينة.. وعمَّ موكب الحزن (الشعراء التموزيون) (جبرا والسياب وحاوي والخال وأدونيس) وهذا ما حرّض (حاوي) على إبداع قصيدة (بعد الجليد)..

 

عندما ماتتْ عروقُ الأرضِ

في عصر الجليدْ

ماتَ فينا كلُّ عرقٍ

يَبُستْ أعضاؤنا لحماً قديدْ

 

عبثاً كُنَّا نصدُّ الريحَ

والليلَ الحزينا

ونداري رعشةً

مقطوعةَ الأنفاسِ فينا

رعشةَ الموتِ الأكيدْ..

 

وجرت معارك طاحنة بين(المطر والموت) والعالم يعيش بخوف وانتظار ساعة الحسم قروناً.. وعندما ينحسر المطر تكتئب الأرض وتجفُّ التربة. وتذبل أوراق الأمل في حقول الفلاحين. ويغضب الموت ويرسل جيوش الجراد، ويتفشى مرض الطاعون.. ولم يعد هناك ما يبعث الفرح والحياة..!

وتنجح الوساطة بين قوتين كبيرتين، ويجلس الخصمان حول طاولة مستديرة. وسبعة مليارات إنسان ينتظرون ويراقبون النتائج والبيان الختامي للمحادثات، وكما يقول السياسيون(ظهور الدخان الأبيض).

 

النتيجة قال المطر أنا واهب الُّدنيا بأراضيها الشاسعة وبحارها وأنهارها الخير و السعادة.. أنا الحياة.. أنا من أحبَّ الإنسان.. أنا الحَكم العادل.. أوزّع قطراتي بالتساوي.. لا أفرّق بين هذا الحقل وذاك، وبين هذا النهر وهذا البحر..

 

رفع الموت رأسه بشموخ وكبرياء، وقال لولا الموتُ لما بقيت حياة.. ولولا الموت لضاقت الأرض بالبشر.. أنا الحكم العادل أوزّع حكمتي بالتساوي.. لا أفرّق بين كبير وصغير، وبين غنيّ وفقير، وبين ملك ومواطن.. وحتى الحيوانات لا تسلم من الموت.. وهذه حتمية لا مفرّ منها..!

وقَّع الطرفان البيان الختامي، بمقطع من قصيدة للشاعر الكبير محمود درويش..

لا شيءَ يبقى على حاله

 

للولادة وقت وللموت وقت

وللصمت وقت..

ولا شيء يبقى على حاله..

كلُّ نهر سيشربه البحر

ظلَّ المطر يتساقط مرَّة وينحسر أعواماً.. وظلَّ الموت يحصد الناس دون توقف.. وظلَّ الإنسان ينتظر المطر، ويعرف أنَّه سيموت عاجلاً أو آجلاً..!

 

2011-10-08
التعليقات