syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
التطور والارتقاء أصبح الآن اجتماعياً وثقافياً وتكنولوجياً ولم يعد بيولوجياًً ( الجزء الأول )... بقلم : نبيل حاجي نائف

التطور والارتقاء للكائن الحي هو : اكتسابه خصائص وأعضاء أو أجهزة , وتصرفات أو طرق استجابات (أي برامج ) تمكن وتسهل للكائن الحي التوافق مع بيئته , والعيش والتكاثر واستمرار ذريته أو نوعه , في ظل ظروف وأوضاع متزايدة التنوع والاختلاف مثال على ذلك :


تطور الزواحف إلى ثدييات أو تطورها  إلى طيور, و تطور الرأسيات لتصبح قادرة على المشي على قدمين وتحرر يداها , و تطور الإنسان واكتسابه اللغة . . الخ .

 

وتطور الكائنات الحية يلزمه عشرات الآلاف أو مئات الآلاف أو ملايين من السنين , فليحدث التطور يجب أن يصبح موروث أي مسجل في الجينات الوراثية , وهذا يلزمه وقت طويل .

 

و تطور الإنسان وارتقى عندما ملك اللغة وبالتالي الثقافة والحضارة وأصبح الإنسان صانع للأدوات والأجهزة   فنشأت البنيات الفكرية ( الأفكار والمعارف والمعلومات ) وصارت تتطور وتنمو وتزداد دقة , وهذا كان قفزة نوعية في مسار التطور .

وهذا أدى لنشوء البنيات التكنولوجية  بكافة أشكالها بدء بالدولاب وحتى المحطات الفضائية والكومبيوترات والذكاء الصناعي , والتي صارت  تتطور وترتقي باستمرار . وكذلك قام الإنسان بتطوير جسمه وفكره و ذاته .

 

والتطور والارتقاء يحدث أيضاً للبنيات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية  بكافة أشكالها , والتي بدورها مع البنيات الفكرية المتطورة والبنيات التكنولوجية المتطورة , تعود وتساهم في تطور وارتقاء الإنسان .

 

لقد كان دوماً يحدث جدل عن أيهما أكثر تأثيراً على كيفية تصرف الإنسان ,  الوراثة ( الموروث البيولوجي  أو الغريزي ) , أم المكتسب ( من البيئة والمجتمع ) .

 

وكذلك كان هناك جدل عن أيهما أقوى تأثيراً التصرفات الغريزية والانفعالية والعاطفية , أم التفكير والمعرفة  فالوراثة أو الموروث البيولوجي , وما يكتسب نتيجة الحياة , هما ما يقرر تصرفات الإنسان وبالتالي منحى تطوره .

 

يمكننا تشبيه الموروث البيولوجي بالهاردوير في الكومبيوتر , والموروث الاجتماعي أو ما يكتسبه ويتعلمه الإنسان نتيجة حياته الاجتماعية والمادية يمكن تشبيهه بالسوفتوير في الكومبيوتر  , وهناك تشابه كبير بين الأفراد من ناحية الهاردوير أو الموروث البيولوجي , ولكن ما يكتسبه الإنسان أثناء حياته وبشكل خاص حياته الاجتماعية( السوفتوير أو البرامج ) يمكن أن يختلف بشكل كبير , نتيجة الأوضاع المادية والاجتماعية التي عاش ضمنها الإنسان .

  

لم يعد تطور وارتقاء النوع الإنساني بيولوجياً فقط , لقد أصبح تطوره وارتقاءه مرتبط بما نشأ من بنيات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية . فلقد أصبح الإنسان الفرد جزء من بنية اجتماعية تتطور وتنمو . وارتبط تطوره وارتقاؤه بطبيعة وخصائص البنيات الاجتماعية الموجود ضمنها , وأصبح لهذه البنيات الاجتماعية وخصائصها ومدى تطورها التأثير الأكبر على تطور الإنسان .

 

فأي فرد مهما كانت خصائصه البيولوجية جيدة ( الذكاء والنشاط والفاعلية ...) إذا عاش في مجتمع متخلف لا يمكن أن تنمو وتتطور قدراته ويحقق نتائج جيدة , كما لو عاش في مجتمع متطور يستطيع توظيف وتنميه قدرات هذا الفرد ليحقق نتائج جيدة , وهناك الكثير من الدلائل التي تثبت ذلك . فتخلف الأنظمة أو تطورها , وثقافة وحضارة الدول أو تقدمها , له التأثير الأهم على تطور وارتقاء أفرادها .

 

فلإنسان نتيجة عيشه ضمن جماعة متعاونة ومتفاعلة مع بعضها قد أكسبه خصائص وتصرفات جديدة تناسب أوضاع وخصائص بنية المجتمع الذي يعيش ضمنه .

 

فكان التواصل واللغة من أهم العوامل التي سارعت في تطور الإنسان بشكل ليس له مثيل , ونشأت نتيجة لذلك المجتمعات والبنايات التي لها خصائصها وتأثيراتها الحاسمة على حياة وتصرفاته , وأصبح تأثيرها هو الذي يحدد منحى وطبيعة تطوره .

ماذا يورث أو ينقل المجتمع لأفراده ؟

 

يكسبهم اللغة والقيم والعقائد والثقافة والحضارة بكافة أشكالها , وكذلك يدفعهم لتنظيم وتعديل الموروث البيولوجي , كالانفعالات والغرائز التي أصبحت غير مناسبة للأوضاع الموجودة الآن نتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية .

 

إذاً هناك أولاً الدوافع البيولوجية( الغرائز والدوافع والأحاسيس والانفعالات الموروثة بيولوجياُ ) , وهناك الدوافع الموروث الاجتماعي , العادات والتقاليد , والانتماءات والدوافع والغايات , والعقائد والأديان , وكل أشكال الثقافة التي يطبعها مجتمعنا فينا فتوجه غالبية تصرفاتنا .

وأيضاً هناك تأثيرات المنجزات في كافة مجلات العلوم والمعارف , وتأثيرات المنجزات التكنولوجية بكافة أشكالها وبشكل خاص الأجهزة الإلكترونية ومجلات الاتصالات والذكاء الصناعي . . . الخ .

 

وبالنسبة للإنسان أصبح المكتسب أثناء الحياة يشمل تأثيرات البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحضارية والتي تشمل المنجزات التكنولوجية بكافة أشكالها , وهذا أصبح تأثيره كبير ويمكن أن يفوق تأثير الموروث البيولوجي في أغلب الأحيان . والموروث البيولوجي ويشمل خصائص وطبيعة الإنسان الفزيولوجية والجسمية , وأهمها " الدوافع " , و" الانفعالات " , وقدراته الفكرية , وكافة قدراته الجسمية . . .  , وهو يرثها من آبائه .

أهم الدوافع البيولوجية :

 

كل إنسان يملك دوافع كثيرة عند ولادته , دوافع فزيولوجية وعصبية موروثة وهي التي تنتج الغرائز أو العكس , وتنشأ لديه كثير من الدوافع أثناء حياته , فالدوافع لديه متنوعة وكثيرة جداً .

 

والدوافع التي تكون لديه عند ولادته " الموروثة بيولوجياً "هي طرف سلسلة من دوافع ( أو قوى فيزيائية و فزيولوجية ) موجودة قبل تكونه ، وبالتالي هي موجودة قبل إحساسه أو وعيه بها . فهناك دوافع أساسية نحو أهداف معينة مسبقاً , موجودة لدى الإنسان عند ولادته ، فالأهداف والدوافع  له محددة مسبقاً , فهو يسعى نحو ثدي أمه دون أن يؤثر فيه أو يثيره هذا الثدي أولاً ، أي هو مبرمج مسبقاً على البحث والسعي نحو هدف معين محتمل وجوده . فهناك الكثير جداً من هذه الدوافع المعينة مسبقاً لدى الإنسان ، وآليات تكونها تكون موجودة فزيولوجياً ( أي موروثة ) وهذه الدوافع والأهداف تكوّنت نتيجة تطوره .

 

والدوافع لدى البشر تتشابه بصورة كبيرة ، فالدوافع الموروثة فيزيولوجياً ونفسياً وعصبياً تتشابه بينهم , أو تتطابق ، وكذلك تتطابق الأحاسيس الأولية الأساسية بين كافة الناس ، وتتطابق بشكل أقل المشاعر والادراكات والواعية . وهناك تشابهات كبيرة بين ( أنا أو ذات ) لكل منا , تمكننا من استعمال نفس الأحكام على دوافعنا . فهناك تشابهات كثيرة تسمح بالتعميم ، مع وجود اختلافات بين كل أنا وأخرى ، فالصفعة على الوجه هي مؤلمة لدى غالبية الناس . وكذلك تتشابه الحواس وآليات الإحساس والانفعال وهذا التشابه هو الذي يسمح بالتواصل بين البشر, بكافة أشكاله، ولولا هذا التشابه وخاصة في الأحاسيس لما أمكن قيام أي تواصل بين إنسانين.

 

فالوعي والأحاسيس والمشاعر المتشابهة هم الأساس لقيام التواصل بينا ، وبالتالي هم  سمحوا بنشوء اللغة والثقافة والعلم.

وأهم الدوافع البشرية الأساسية والتي هي موروثة بيولوجياً

دافع المحافظة على الذات وعلى بقاء النوع واستمراره , وهو يتضمن دوافع كثيرة

دافع طلب اللذة وتحاشي الألم ، والسعي لتحقيق الأحاسيس المرغوبة وتحاشي الأحاسيس غير المرغوبة .

 

دافع اللعب والتقليد أو المحاكاة .

دافع النمو , والجمع , والسيطرة .

دافع الانتماء للجماعة , وهو موجود لدى الكثير من الثدييات.

دافع المنافسة والتفوق على الآخرين وتحقيق المكانة العالية , وهو أيضاً موجود لدى الكثير من الثدييات.

 

الانفعالات : إن الوظيفة الأساسية للانفعالات هي رفع جاهزية وقدرة الفعل والاستجابة التي تعتبر مناسبة وفعالة في مواجهة ما يتعرض له الكائن الحي , وهي موجودة فقط لدى الحيوانات الراقية, فهناك انفعالات أساسية نشترك بها مع الثدييات الراقية و الرأسيات, وهي انفعال الغضب والخوف والحب....., وهي انفعالات أساسية قديمة لدينا. وأحاسيس الانفعالات لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط , فهي تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات في الدماغ والذاكرة بشكل خاص, بالإضافة إلى عمل وتأثيرات الغدد الصم , فالغضب لا يحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية , والتي تتأثر بالذاكرة وما تم تعلمه, وهناك تأثير متبادل بين الدماغ والغدد الصم, ويمكن المساعدة في إحداث الانفعالات باستعمال تأثيرات كيميائية وفسيولوجية .

 

وهناك دوافع نشأة نتيجة الحياة الاجتماعية , فالإنسان في الوقت الحاضر يوجد دوافع كثيرة جديدة باستمرار، فلم تعد دوافع الحياة الأساسية الموروثة هي فقط المسيطرة والمتحكمة بتصرفاته . فلقد أوجد بعض الناس دوافع قويةً جداً , ويمكن أن تتعارض مع دوافع الحياة الأساسية , مثل الدافع لتعاطي المخدرات . ., وجميع هذه الدوافع مهما كانت طبيعتها وقوتها إذا كانت لا تتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع فإنها سوف تقاوم أو تعدل لتتفق مع دوافع الحياة ودوافع المجتمع .

 

والأديان والأخلاق, والقوانين . .  هي دوافع تسعى لخدمة بنية المجتمع ، ويجب أن تتفق مع دوافع الإنسان أيضاً ، فإذا أردنا المحافظة على بنية المجتمع وبنية الإنسان يجب أن نلبي دوافعهم الأساسية التي تمكنهم من الاستمرار و النمو و التطور.

 

أهم الدوافع الموروثة اجتماعياً

 دافع الإنجاز ، وهو يغطي مجالاً واسعاً من السلوكيات الموجهة نحو تحقيق هدف .

دافع الانتماء - أو العنصرية -.

 

 دافع المنافسة والتفوق على الآخرين وتحقيق المكانة العالية.

دوافع اجتماعية متنوعة , وهي نتيجة العلاقات الاجتماعية

دوافع فكرية، وهي دوافع عصبية متطورة نتيجة المجتمع والثقافة .

 

وأيضاً تطورت ونشأت لدينا نتيجة حياتنا الاجتماعية انفعالات جديدة وهي خاصة بنا, فهي تكونت نتيجة العلاقات الاجتماعية , و الحضارة والثقافة والعقائد..., وقد نشأت وتطورت أنواع كثيرة من الانفعالات نتيجة لذلك. والانفعالات دوماً تكون مترافقة مع أحاسيس خاصة بها , وهناك انفعالات إخبارية مثل الدهشة والتعجب والترقب والضحك, وهناك انفعالات مثل الحب والحنان والصداقة, والزهو, الغيرة, الحسد , والكراهية....., وكل هذه الانفعالات ترافقها أحاسيس معينة خاصة بكل منها.

2011-10-08
التعليقات
سكر
2011-10-09 12:09:27
فريد
مقال فريد من نوعه بيتكلم عن الانسان بشكل عام بغض النظر عن أي شيء فعلا مقال مهم شكرا

سوريا
جورج
2011-10-08 07:29:48
--
شكرا عا المقال المفيد أستاز نبيل.

سوريا