syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
قصة صفية و الموبايل العجيب ... بقلم : أحمد رزوق

المرآة لم تمسح منذ زمن ..تكاد لا ترى شيء فيها ..جزء منها مكسور و الباقي اهترأ ..فقط تستطيع أن ترى جزء بمقدار نصف الوجه فيها...


"من عصر ستي " تمتمت الفتاة صفية ذات الأربع عشرة ربيعا.

مفككة التفكير مشوشة كما مرآتها... فهذه أول مرة تزورها إحدى رفيقاتها للبيت ...لفت نظرها وعاء الغسيل و هو يغلي في صحن الدار كم منظره سيء إن رأته رفيقتها , عضت شفاهها و صاحت بأمها عن بعد " أمي هدا وقت الغسيل "

أمها لم تسمع شيء فهي تحمم إخوتها  و باب الحمام مغلق و أختها الأصغر قد رفعت صوت التلفاز على إحدى المحطات الشعبية و أخذت ترقص كالدجاجة..

فهرعت بجنون باتجاه الصوت المرتفع و صرخت يكفي .... ثم أغلقت التلفاز ... فنشب شجار ..و خرجت .

فكرت و فكرت ثم قلبت الموازين برأسها مرارا و تكرارا ثم قررت...

 

صاحت لأختها و طلبت منها أن تشتري لها بقيمة عشرة ليرات سورية بزر عين شمس و أخبرتها أن تخبأ البزر بين ثيابها حتى لا يفضح الأمر أمام إخوتها الصغار فيقضى على البزر قبل وصول الضيوف , و ترجتها أن لا تخبر أحد بالموضوع .

ظلت صفية تنتظر أختها على باب البيت خوفا من غباء متوقع كأن تدق جرس البيت فتتساءل الأم من بالخارج فيسل لعاب الصغار فضولا على هوية الطارق و عندها يبدأ السر بالانكشاف كما يحدث دائما .

 

استقبلت صفية أختها بالشكر الشديد  سارقة الكيس من يدها و خبأته بعيدا عن العيون ..

ارتاحت قليلا لأنها حلت مشكلة الضيافة ..لكن سرعان ما تقافزت مصائب أخرى مثل أين ستجلس مع رفيقتها و ماذا سترتدي .... و صاحت أه من منتصف قلبها ..

حارت عيناها مطولا في خزانة الثياب ...كل ثيابها أصبحت قصيرة و صغيرة عليها ...لأنها خلال هذه السنة كبرت صفية وازداد طولها بسرعة تفوق بكثير سرعة تبديل و شراء الملابس .

 

تنهدت ...ازدادت الحمرة على خديها ...غضبت ..جنت ..هدأت ...استرخت على السرير كمن يحمل هما عظيما..

هي متعودة أن تلبس لباس المدرسة بالصباح و بالمساء أي شيء موجود بالبيت لكن اليوم الزيارة هي المشكلة..

فكرت بأن تتصل برفيقتها و تعتذر منها عن هذه الدعوة و تعود الحياة إلى طبيعتها و تريح نفسها ..فضاقت الدنيا بعينيها و انسدت.

أحضرت كرسي من غرفة الجلوس و كرسي آخر من المطبخ و وضعتهما على سطح البيت و اخذت صحنين من الستانلي ستيل اللامع لوضع البزر فيهما .

وارتدت بنطال المدرسة لأنه الوحيد الموجود الذي يعمل ثم أن لونه يشبه الجينز.

 

و أخيرا دق الباب فهرع الجميع إليه.. الأم والأولاد وصفية و أختها كلهم ذهبوا ليفتحوا الباب..فكانت المفاجأة أو الكارثة بالأصح..

الفتاة أحضرت معها قريبتها من سكان الشام ..فتاة جميلة جدا تضع زينة خفيفة على وجهها و هنالك قرط واحد وطويل في أذنها ..ساحرة ..كأنها سرقت انتباه الأولاد و الأم ..مبهرة للبصر ..تشعر كأنها أكبر من عمرها بسنين...

ساد الصمت للحظات ..صمت الذهول .. نطقت الأم تفضلوا تفضلوا .. وارتبك الجميع..

و هرع الجميع لانتشال الأغراض من طريقهم ..سطل الغسيل المعد للنشر ..ألعاب محطمة ..أواني و أمور كثيرة ..لملمت بلمح البصر فاتحين الطريق إلى الدرج المؤدي للسطح..

 

تبعهم الجميع إلى السطح ...

و بعد التحقيق الذي أجرته الأم مع الفتاة الجميلة عن أصلها و فصلها و كم راتب أبوها بالشهر و أين تسكن و كم ثمن ثيابها انصرفت بسلام...

وبدءا الحديث المعتاد عن المدرسة و أخذت صفية تقص لها الحكايات عن سعادتها بمغامراتها المدرسية وكم ان قريبتها صديقة مقربة منها و أخذت تبالغ كثيرا بالكلام إلى حد الكذب كتعويض لها عن كل ما تراه على هذه الفتاة ..

وضاع نصف ساعة من الوقت ..فجأة..تذكرت البزر..وقالت  الآن دوره ..

 

و انطلقت لتحضر طاولة خشبية صغيرة ما وقفت على أرجلها الأربعة بعمرها..أي دائمة الاهتزاز ..

سكبت البزر بالصحن و حاولت توزيع البزر بشكل جيد بالصحن حتى تغطي على نقص الكمية..

لكن الأم فاجأت الصغيرة بثلاث كؤوس من الكولا البارد لتشد بها أزر ابنتها أمام هذه الضيفة الغير متوقعة ..

فرقص قلب صفية من الفرح و شدت قوامها على الكرسي و رفعت انفها عاليا ...

 

و تابعت كذبها الغريب عن القصص و المقالب التي تقوم بها بالصف ..لكن الضيفة الشامية لم تعر كثيرا انتباها للحديث وكأن أحاديث المدرسة لا تعنيها..وقفت و أخذت تتمشى بخيلاء على السطح و تنظر يمينا و شمالا و تلاعب خصلات شعرها .

وفجأة رن صوت غريب  أنها أغنية  لفنان مصري " تامر حسني " تتحدث عن الحب ...

أخرجت الفتاة جهاز الموبايل من جيبها و بدأت تتحدث... كان لونه زهريا جميلا محببا لقلوب الفتيات..وفي زاويته سلسلة يربط بنهايتها " دبدوب " يحمل قلبا احمر يتلائم مع لون الموبايل الزهري ..

 

كان هذا الجهاز كالضربة القاضية التي سددت لروح و عنفوان صفية التي حاولت بأسنانها و أظافرها أن تظهر عدم وجود فروق بينها و بين الفتاة الشامية ...لكن الآن حسم الموضوع...

أحست صفية بحنين إلى رفيقتها  التي تجلس أمامها أرادت أن تحضنها بتلك اللحظة ...فهي عنصر أمان... لكن رفيقتها كانت قد أعارت كل حواسها إلى الفتاة الشامية علها تعرف مع من تتحدث أو ما هو موضوع الحديث..

 

زاد ذلك من عزلتها ووحشتها بالجلسة ..

ما إن أنهت الفتاة مكالمتها الهاتفية حتى وضعت الموبايل على الطاولة و أطلقت له العنان بالأغاني الرومنسية الساحرة

حدقت صفية بالموبايل مطولا ............ شعرت بالحقد عليه ..

كانت الفتاتين تتهامسان و تتضاحكان خلسة ... كتعقيب على المكالمة ..

 

مدت صفية يديها برفق لتمسك الموبايل ...حملته كطفل حديث الولادة..داعبت الدبدوب الصغير المعلق بالموبايل ..

 أحبت الدبدوب كثيرا ...فهي ما تزال طفلة عقلها معلق بالألعاب  ...

فكرت أن القلب الأحمر الذي يحتضنه هذا الدبدوب الصغير هو قلب من يحب أو قلبها الذي يريد أن يخرج من مكانه على ما تراه...

كانت على شاشة الموبايل صورة لشاب وسيم قد حلق شعر رأسه و وضع قلادة كبير على صدره الذي عراه من الملابس

قالت الفتاة الشامية كمن يشرح لصفية الكثير من الأمور المهمة: أن هذا الشاب الذي بالصورة ليس أجنبي بل هو مطرب لبناني يدعى

" مصاري" 

 

كررت صفية " مصاري " مصاري...و انفجرت بالضحك كي تغطى إثم عدم معرفة الفنان العجيب ..

فاستهجنت الفتاة الشامية عدم معرفة صفية بهذا الفنان الأسطوري ...

لكن صفية تابعة الضحك بصوت عالي حتى تتلافى استهجان الفتاة ...

 

ثم قالت وهي تستجمع أنفاسها " مليح ماسموه فراطة " و عادت للضحك حتى كاد يغمى عليها ... 

ساد الصمت ..

الأم تنادي صفية هل إذا كانت رفيقاتها يشربون القهوة ..

أجابت الفتيات بلا....وأنهم مستعجلون يريدون الذهاب ..

أغلق باب البيت خلف الضيوف ..و أخيرا ذهبوا ..تنفست صفية الصعداء..

 

لكن باب الفراغ انفتح على مصراعيه بقلبها ...

الموبايل ...

الثياب ...

تسريحة الشعر..

 

طريقة المشي ..

مع من تحدثت يا ترى ؟؟.. غدا افهم من صديقتي مع من تحدثت..

و آه من الدبدوب كأنه قطعة مني ..

وقفت أمام المرآة وقد عكست فقط عينها اليسرى و جزءا من خدها و شعرها ...

 

كم أحبت أن تمشي مثل الفتاة ..أمام المرآة ..تجرب الدلال بالمشي ..

أخذت تمشي بغرفة نوم أبويها مرارا و تكرارا و هي تعقف رجليها حول بعض فتتعثر مرة و تصح مرة أخرى ..

في النهاية رمت نفسها على السرير و بدأت البكاء.

مسحت دموعها بكميها و هرعت للتلفاز ... أدارت المحطات على قناة للأغنيات الشعبية و رفعت الصوت بقوة و نادت أخوتها ...و بدءوا بالرقص جميعا بحالة جنونية وهو يضحكون ..

 

2011-10-14
التعليقات
قارئة
2011-10-17 10:25:01
قصة رائعة
صديقي : قصتك رائعة ... تلامس وجع الشباب _ بعض الشباب _ بحق ... خاصة هذه الايام حيث طغت المظاهر والشكليات على الكثير من جوانب الحياة ... انت مشروع قصصي جيد يا صديقي , تابع وفقك الله

سوريا
محمد عصام الحلواني
2011-10-15 18:51:05
بارك الله بك
أستاذ أحمد رزوق : بارك الله بك هذه قصة رائعة فيها لوحات كثيرة وصور حقيقية . وألم نعيشه جميعا . ألم الطبقات . نعم . وأعجبني الحل في أن تعود للرقص مع أخوتها لتنسى القشور التي أشعرتها بالفارق عن صديقاتها. الله يجيرها من هيك رفقة . تابع العطاء فأنت مشروع فنان موهوب والسلام

سوريا
النمر الوردي
2011-10-15 13:45:01
حلوة
أحمد القصة حلوة إنما برأيي معادش في حدن معوش موبايل بأيامنا وحتى لو أنومفيش موبايل مش معقول متعرفش مساري، بشكل عام القصة حلوة وعجبتني.

الأردن
نسرين
2011-10-14 21:50:42
شامية
البنت الشامية ما في متلها لو بتلفوا الدني كلها ويلي بياخدها محظوظ وامو داعيتلوا

سوريا
العيون الحلبيه
2011-10-14 10:08:39
رااااااائعه
قصه لها ابعاد اخرى تجعلك تعيشها فعلا تخليت كل مكان في القصة ارض الدار وغرفه الاهل والسطوح وغرفه التلفاز وكل التفاصيل الجميله واهم شي تخليت مصاري قال مصاري

فرنسا