قالت لي أمي مرة، بأن أباها كان يحدثها بأنه وأولاد الحارة التي كان يقطن، كانوا ينتظرون المسؤولين؛ كي يمروا ويبادلوهم التحية، كان المسؤولون يتجولوا بالشوارع والأسواق مرتدين زيًا فاخرًا وأنيقاً. كانوا ينتظروا كي ينظروا إليهم. لم يكن حولهم خدم ولا حشم. وحينما سألتها بسذاجة: ألم يكونوا يخافوا من محاولات الإغتيال، والإساءة، فأجابت وبالبساطة ذاتها: لا؛ لأنهم كانوا يثقون بأنفسهم، ومَن مِن حولهم وما يقومون به. لا بل وكانوا هم أيضًا ينتظرون كي يلتقوا بالناس.
لنقارن هذه الواقعة البسيطة، بالوقيعة المفجعة التي نعيشها ونعايشها اليوم. إذ أن الذين يثورون بحسب رأيهم، ويعتقدون بأن لهم الحق في أن يتبؤوا سدة السلطة، يرتكبوا الظلم من أجل الحق، ويقوموا بالتنكيل بالأرض والعرض، من أجل الشرف... لن أطيل الشرح هنا؛ فالصينيين القدامى يقولون: (الصورة تساوي عشرة آلاف كلمة).
ولكن...
إلى الثائرين أقول: ألم يكن واضحًا الإمام علي عندما قال: (الشيطان إمام المتعصبين)، فلماذا تعصبون أعينكم. إن كنتم لا تحبون سوريا، لن أُدافع عنها فما لها كفيل بالدفاع عنها. وإن كنتم لا تحبون الحزب القائد أو السيد الرئيس فأنتم أيضًا أحرار، فالتاريخ والواقع أكبر مدافع، وأشوس محارب وأعتى سلاح للدفاع عن الأبدان والأوطان.
ولكن...
إن كنتم لا تحبون الوطن، فهنا تنتهي حريتكم بالتعبير عن كرهكم له؛ لأن في هذا تعدٍّ على ما هو فوق المقدس. ولن أصرخ في وجهكم كما فعل (مايكل مور) عندما قال: (يا صاح ماذا فعلت ببلادي)؛ لأن في ذلك صرخة ألم واستسلام، بل سأصرخ: (يا صاح لن أسمح لك أن تفعل شيئًا ببلادي)؛ لأنها أغلى عليَّ من أمي، وأبي، وأولادي. فأمي خرجت من أحشائها يومًا ما، ولكني لن أعود. لكن أحشاء الأرض التي جبلني ترابها، ستواريني يومًا ما؛ وهي التي أنعشتني وروت ظمآي، وأشبعت جوعي.
أنتم تتظاهرون، ولا تظهرون ما هو أعمق وأدهى.
لن أقول لكم كما قال (مارتن لوثر كينغ) الذي خطب بعد انتصاره المبين في ثورة الزنوج قائلًا: (لن نحاسب مَن وقف ضدنا، سوف نحاسب من ألتزم الصمت). هذا نخاطب به الدول العربية، والمعرَّبة، أو التي كنا نعتبرها صديقة. أمَّا مواقفكم المعادية للوطن فلن نجلكم عليها لمجرد كون لكم موقف. فليس المهم أن يكون للإنسان موقف بل مبدأ؛ لأن المبدأ يخلق موقف، أمَّا العكس فليس بصحيح.
الصورة تساوي عشرة آلاف كلمة،عن اي صورة تتحدث؟ عن ثلاثة او اربعة صور لاتوثق مكانا او تاريخا او انتماءا ام الاف المقاطع المرعبة ثم ان كلامك غير مترابط فما بدأت به ليس متعلقا بما اسلفته وما عنونته