syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
أحلام مستغانمي ... بقلم : قيصر سوداح

ان كان الخط الاحمر الذي يرسمه الرقيب رفيعا كالشعرة فأن ظفائرا جدلت بأيدي نسائية ناعمة لتظهر بأشكال مختلفة شعرا ورواية ومقالة، جدلت احلام مستغانمي فيها المحرمات الأنثوية بالسياسية برجال الدين ، مما جعلها كالراقصة على حصيرة من الالغام تبقى سالمة مالم تزل قدمها .......


احلام مستغانمي كاتبة عربية من الجزائر خريجة كلية الآداب حاصلة على شهادة الدكتوراة في علم الاجتماع من جامعة السوربون، من عائلة مناضلة كان للعائلة الشرف في مقاومة الاستيطان الفرنسي،وقد عاصرت احلام مستغانمي نهايات المستعمر وويلات الحرب الاهلية واستغلال السياسيين للدين .

 

عملت في الاذاعة الوطنية فتقدمت للجمهور كشاعرة واصدرت اول انتاجها (على مرفأ الأيام عام 1973) الذي لوحظ فيه تأثرها بالشاعر الكبير نزار قباني وخاصة من ناحية الصياغة والاسلوب بحيث امتلكت احلام مستغانمي القدرة الصياغة البديعة والاسلوب الجميل ،وهو ما ينطبق على ديوانها الثاني (كتابة في لحظة عري عام1976)

لو احدا قد طلب مني ان اوقع إسمي تحت هذه الرواية الإستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة..

 

(نزار قباني)

كتبت في مجلة زهرة الخليج لمدة طويلة الا ان مقالاتها لم تشبع غريزتها في الكتابة فأصدرت (ذاكرة الجسد عام 1993) وهو قصة روائية  رومنسية تجري احداثها في نهايات العهد الفرنسي والى ما بعد التحرير وتتداخل مع القضية الفلسطينية بطريقة سلسة للغاية، مصاغة بأنوثة ملفتة للنظر متأثرة باسلوب الشاعر المرحوم(نزار قباني) تمتلك جرأته في وصف علاقات الحب المتعددة حتى انك تخال ان (ذاكرة الجسد) هي النسخة الروائية لإشعار (نزار قباني) بكل جمالياتها.

 

و(فوضى الحواس 1997) هي الرواية الثانية لها وهي استمرارية لذاكرة الجسد الا انها اكثر إباحية ،وإن كانت بعض الأفكار عولجت دون عمق في ذاكرة جسد فلم أجد في فوضى الحواس إلا إباحية مفرطة باسم الحرية والحرية منها براء.

 

ثم تابعت سلسلتها بإصدار (عابر سرير 2003) الجزء الثالث من ثلاثيتها ،وهي تكملة لسلسلة الإحداث الا أنها أكثر ترابطا ومنطقية من سابقتها ،رغم أنها لا تقل عنها استثارة للغرائز على حساب الأفكار،لكنها كانت موفقة  في الكثير من الجمل المبعثرة هنا وهناك فتارة تصحح الاخطاء الشائعة عن البطولات الوهمية وتارة ترسم لنا صورة جديدة للثورات ((لا وجود للبطولات إلا للبطولات الصغيرة،البطولات الكبيرة اساطير نختلقها لاحقا - الثورة تخطط لها الأقدار وينفذها الأغبياء ويجني ثمارها السراق)) قد يختلف المرء معها في وجهة النظر ولكنها آراء جديرة بالاحترام.

 

وان كنت أرى أن هذه الرواية كانت أفضل من سابقتها فان للكاتب محمد  دالاتي وجهة نظر أخرى وان كنا قد اتفقنا على ان جزئها الأول من الرواية (ذاكرة الجسد) كان له الحظ الأوفر من التوفيق والابداع (أما ما يخص الرواية الثالثة عابر سرير فلم تعدُ ان تكون استنساخا اكثر ضعفا للعمل الاول).

 

اما كتابها  (قلوبهم معنا وقنابلهم علينا2009) فقد جمعت به ذخيرتها من المقالات التي كتبتها في مجلة زهرة الخليج لتطلقها على حكام امريكا والعرب - رجال الدين - القراء – المثقفين لم ترحم منهم احدا عندما شاهدت وطنا كالعراق ينهار وامة بأكملها اعتادت التضامن بمشاهدة التلفاز((انتهت الحرب النظيفة ايها المشاهدون..قوموا لغسل ايدكم!)).

 

واستخدمت كل ما استطاعت من لغة الاستفزاز لتستنهض به الشرفاء مستخدمة محرمات الرقابة والمجتمع((إن رجلا يأتمنه الأمريكيون على شرف بناتهم جدير بأن نعهد إليه بشرف امتنا.. خاصة انه ليس ثمة ما نخاف عليه، فقد سبق لوالده ان فض بكارتها!))

 

وان لام البعض جرأتها بكتابة ما كان يشعر به المواطن العربي اثر تتالي النكسات ، فلا ادري كيف سيجد الكاتب كلمات جميلة ليصف به وحل القبح الذي يغوص فيه ،فهل تُمتدح ام ابنائها يتشاركون على ذبح بعضهم بعضى.

 

وبكون كتابها كان عن مجموعة من المقالات تجدها تنتقل من مقال لأخر فتارة تخير العلماء العراقيين بين العمالة والشهادة ، وتارة اخرى تهاجم النظام التعليمي العربي و تندد باستغلال ذوي النفوذ للمنح الطلابية ، او المفارقة الكبرى بين امة اقرأ والغرب بتقدير العلماء،ففي امة أمرها الله بالعلم وابتدأ  كلامه معها بكلمة اقرأ تجد أن المصداقية امام القضاء  لرجالات السلطة أما الغرب الكافر تجد الكاتبة ان المصداقية فيه لرجال العلم.

 

وفي معركتها المشتعلة مع المحتل الأمريكي استطاعت ان تنصف الشعب الأمريكي بوصفه بالغبي وأسير الإعلام الموجه، وهو تماما ما تقاطع مع برنامج تلفزيوني امريكي يتحدث عن اغبى شعب في العالم ،حيث سار المذيع في طرقات نيويورك يساءل  المارة : بعد حربنا على العراق ما هي الدولة التي يجب ان نحاربها؟

 

فيرد الأول كاليفورنيا- وهي ولاية أمريكية أما الثاني ففرنسا والثالث كندا (حليفتي أمريكا)

ويعاود سؤالا آخر : أنت تأيد الفلسطينيين أم الاسرائليين؟

فيجيبه شاب ذو بشرة سمراء وهو يمارس الرياضة : الفلسطينيين ...عفوا الاسرائليين...عفوا  من الذي يرمي الحجارة

ويستمر بالأسئلة والأجوبة ليخلص أن الشعب الأمريكي هو الأغبى عالمياً.

 

والمجمل قد استطاعت ان تجد في المقال ما لم تجده في الرواية ، فقد اصابت قضايا جوهرية وان اختلف البعض في عمق علاجها للقضايا فانا أجد أن المقال ليس ملزما بحل القضايا بل بلفت النظر إليها.

 

اما اصدارها  الاخير( نسيان com  ) او( نسيانكم ) فلم اجد حرجا في قرأته بعد ان كتب عليه : يحظر بيعه للرجال.

فمنذ عقود خلت وبعد هجرة 1948 قال: لي جدي ما في  بهالدنيا رجال لو شفت الشوارب طالوا !!.

 

فأن تكتب أحلام على الغلاف يحظر بيعه للرجال ما هي إلا حركة ملتويّة للفت الانتباه ربّما ، أو للتأكيد على خصوصية الموضوعات المطروحة والخاصة بالنساء ولا أراها كذلك .يحظر بيعه للرجال ، سيدي جاهدة وهبه ، نسيان دوت كوم ، وكثير من الجمل الّتي لا معنى لها أكثر من أنّها تسويق فعلي 

   (المغيرة الهويدي)

 

وبالاصح لم ارى في التحذير الا مادة دعائية في مجتمع شرقي همه الاول ان لم يكن الاخير المراءة وخفاياها  وهو ينطبق على الذكور والاناث المثقفين منهم ومن دونهم ،رجال الدين والملحدين اليساريين واليمينيين ، فلم أتوقع استخدام كاتبة شهيرة لطريقة بهذا المستوى لجتذاب القراء .

 

و( نسيان com  )  لا يختلف بطرقة كتابته عن سابقه وقد صدرا بنفس الفترة تقريبا فالاول كان مجموعة من مقالات سابقة والثاني معد ليكون مجموعة مقالات لتنشر في الصفحة الاخيرة لزهرة الخليج، لكن الاول كان عن مقالات منفصلة بينما الثاني عبارة عن تسلسل قصصي يدعوا الى الصلابة ونسيان الرجل الذي لا يستحق الذكرى وان كانت بطلة الرواية مجازا قد فشلت فهذا لا يعني خطأ الفكرة.

نقول لهم قديما خنتمونا

 

ما لكم عتب علينا

هل نخون القوم نحن الان حتى ما نعاقبهم

ونفرح والحمد لله استوينا

حيث اصبحنا جميعا خائنين؟؟

 

(تميم البرغوثي)

ان الصياغة الجميلة والفن في ترصيع النص جعله براقا سلس القراءة ضعيف الفكرة سطحي العلاج يستهوي كل المحرومين عاطفيا حيث يداعب الاحاسيس  ويشعل لهيب الفؤاد، لكني كإنسان ارفض التفرقة بين رجل وانثى - ارفض النوع المعاكس للمفهوم – ولا اضع اللوم على اديبتنا الشهيرة فهي معارضة اجتماعية وقد شهدت المعارضين الجزائرين فأن سألت زعيمهم عباس المدني  : لما انت معارض؟

 يجيب : لم يبقى في قلوب الولاة رحمة.

 

وان عاودت السؤال : ماذا ستفعلون بهم اذا انتصرتم؟

يجيبك بكل حزم: هؤلاء يجب ان يعدموا جميعا.!!!

فهي تطالب انقلابا على الرجال لتقم النساء بنفس عيوب الرجال ، واجد عذرا لها فالاسير دائما يحلم في اليوم الذي يترجاه به الجلاد.

أما عن تأثير أنتاجها الأدبي على الرواية العربية او القراء العرب

 

فل يسعني إلا أن أقول أنها مثلت حالة رفض للسيطرة الذكورة في المجتمع على طريقة المثل الروسي (إن كان عليك إنهاء قضية فعليك المبالغة بها) مما يؤدي إلى ردة فعل عكسية فالمجتمع العربي بكل تنوعه الفكري يعادي الانحلال والصورة المقدمة في كتاباتها عبارة عن سلاح بيد المحافظين العرب ضد الحرية عموما والمرأة خصوصا.

 

قدرتها الجبارة على الكتابة وتميزها بالصياغة الفنية كانت تليق بمكانتها ككاتبة شهيرة .

استخدامها المفرط للإباحية جعلها هي المادة الأساسية وكل ما عداها دونها مهما كانت الأفكار المكتوبة ، وهو ما يتقاطع مع ما صرح لنا به الكاتب محمد شويحنة (تذهب احلام مستغانمي بعيدا في اسلوب الشعرنة الروائية ، وهذا ما شكل تيارا  وجد كثيرا من القبول في أوساط القراء خارج الحساسية الادبية العامة)، ومن الاكيد ان حياتها قد تأثرت بالحياة الفرنسية بحكم انها عاصرت المحتل في الجزائر ومن ثم تبعته الى فرنسا مما جعل كتاباتها اقرب للطابع الفرنسي منه للعربي اي ان رواياتها اقرب لان تكون روايات فرنسية معربة من ان تكون عربية ، وان كان بإمكانها الكتابة بالفرنسية لكن تمسكها بالكتابة بالعربية كان دافعها القومي التي لم تخفيه يوما .

 

بالنتيجة تبقى الأديبة احلام مستغانمي نجم يشع لينير دربا مظلما مليء بالعقبات والاشواك، فاستطاعت ان تشق دربا خاصا بها شعرا ونثرا وتألقت في المقالة السياسية بجرأتها وشجاعتها التي تستند لتاريخها العائلي الطويل في النضال ومقارعة الاستعمار وهو ما توافق به مع الكاتب محمد دالاتي (هذا إضافة الى كونها من كتاب المقالات السياسية الجريئة التي تجعلها جزءا من مجموعات الكاتبات المميزات اللواتي قدمن مساهمات مهمة في الثقافة العربية وقضايا المجتمع العربي) ، كما انها لم تغفل عن مذابح النساء التي انتشرت في وطنها الجزائر ،ففي اليوم الذي لقيت مئتان من نساء الجزائر مصرعهن ذبحا من الوريد للوريد انشغل الاعلام العربي بوفات الاميرة ديانة متناسين ان السيدة العربية تستحق الحياة ككل نساء العالم.

 

واني ان كتبت ما سبق فهو لأملي في اديبة اكن لها كل الاحترام والتقدير تملك من حسن الصياغة وبديع الكلام مما شحذ قلمها ليكون سلاحا قويا تستطيع استخدامه كمبضع الجراح في قضايا اهم ومعالجات اعمق في حياة المواطن العربي بعد ان اثبتت بأنها تملك من الشجاعة والجرأة مما جعلها اهلا لذلك.

 

2011-10-28
التعليقات